في عصر النظام العالمي الجديد والعولمة الاقتصادية، والقرية الكونية، ومنظمة التجارة العالمية، مازلنا نعيش في بيروقراطيات العالم الثالث. الوضع الدولي الجديد يفرض على الدول الضعيفة أن تعتمد على قوى شعوبها لمواجهة التحديات لعالمية الجديدة خصوصا في المجال الاقتصادي، علينا التعامل بشكل جدي وملموس مع واقع العولمة بسلبياتها وايجابياتها. ولاننا نواجه تلك التحديات بعفوية، لا بد من ترتيب أوضاع البيت من الداخل. المفهوم العالمي السائد في علم السياسة والعلاقات الدولية هو أن أي تغيير وزاري جديد في أي دولة مستقلة ذات سيادة، يعتبر مؤشرا على تغيير جذري في الأوضاع السياسية للبلد، والتشكيلة الوزارية هي المقياس الأساسي للمتغيرات السياسية على أرضية ديمقراطية. وكتحصيل حاصل فان من متطلبات الانفتاح الأساسية، تأسيس نظام تعددي شفاف بادارة يقظة. على العكس من ذلك فإن مقياس حرارة الاستفراد بالادارة الحكومية يكون نظاما مركزيا اوطوقراطيا مقيتا.
من هنا فان أي تشكيل وزاري جديد يجب أن يلبي متطلبات الشارع البحريني. التشكيل الوزاري الجديد (يضم 23 وزيرا) لم يتفاجأ أحد، خصوصا وأن التغيير جاء في إطار ضيق الأفق ليس له فضاء واسع، غالبية الوجوه المعينة مألوفة، ولم تتضمن وجوها وطنية نزيهة معروفة في الساحة الوطنية، تحمل معها أفكارا ومبادرات جديدة تحرك لتغيير الإدارة البيروقراطية إلى ادارة حية متجددة ونشطة، تستطيع تلبية متطلبات التنمية والتطور الاقتصادي، وجلب استثمارات جديدة، وإقامة مشاريع اقتصادية وتنموية جديدة تنعش سوق العمل وترتقي بالأحوال المعيشية البائسة للمواطن البحريني.
دخول الدماء الجديدة في أي ادارة ليس له تفسير آخر غير الرغبة في التغيير المرتبط بنمط الادارة وعقلية اساليب الادارة الجديدة للحصول على افضل النتائج، ولكن التغيير يجب أن يتم بناء على دراسة علمية موثقة، تضع في اعتبارها الخطة الخمسية أو العشرية كل بجدوى وانجازات اقتصادية الاجتماعية وفقا لمعايير دولية تطبقها البلدان الديمقراطية. وحتى لا يكون التغيير شكليا بل جذريا يلبي السقف الادنى لطموحات وأماني الشعب البحريني، يجب ان يواكب توجه الانفتاح الديمقراطي لمملكة البحرين. الوجوه الجديدة التي دخلت الوزارة، نتمنى أن لا تكون اضافة جديدة للادارة البيروقراطية. الحقيقة التي لا مفر منها هي ان التعيينات الوزارية في الحكومة الجديدة تم غربلتها لا عادة تأهيل الوزراء القدامى لتولي مناصب أخرى في الحكومة السابقة بطريقة التدوير (إعادة التوظيف) وتبادل المراكز والوظائف. هذا الاسلوب في الادارة لا يمكن أن يحدث التغيير النوعي في فضاء المهمات الاساسية للوزراء.
تشكلت الوزارة الجديدة من دون أجنده واضحة لخطة العمل المستقبلي، ولم تحدد الاولويات وفق برنامج زمني معلن لتنفيذ خطة المشاريع التنموية، أو خطط حل المشكلات الملحة. الحكومة المستقبلية حتي تواكب ما بعد عصر الميثاق عصر الاصلاحات السياسية لعظمة الملك، من المحتم ان تضع نصب اعينها خطة استراتيجية حكومية حتى لا تنعكس الاوضاع المعيشية سلبا على مجمل أوضاع المواطن البحريني الاقتصادية. من ناحية اخرى، شعرت المرآة بخيبة امل وخذلان الحكومة الجديدة لأنها أغفلت ضم العنصر النسائي لفريقها الاداري. وبما أن المرآة نصف المجتمع، فإن تطور المجتمع البحريني لن يتم إلا بمشاركة المرأة في الحياة السياسية، خصوصا وأنها تشارك الآن بفعالية في مؤسسات المجتمع المدني والهياكل الانتاجية للمملكة. إذا وجود المرأة الفاعل في الحكومة ضروري للتنمية المستدامة. في هذا السياق نرجو أن تغييب المرأة عن الوزارة ليس مرده محاولة ارضاء التيارات الاسلامية الراديكالية التي وصلت إلى قبة البرلمان.
السؤال المطروح الان هو أين البحرينيون اصحاب المؤهلات والخبرة والدراية والثقافة العالية؟، لماذا لم يكن لهم دور في الحكومة الجديدة؟ وهل يستطيع الوزراء الجدد التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني؟إننا نرى ان مرحلة البناء الدستوري دخلت مرحلة ثانية بانتخاب اعضاء برلمانيين بالاقتراع المباشر، وهي بداية مرحلة جديدة ومختلفة للعمل السياسي البحريني. وعلى ضوء ذلك، فان مرحلة الانفتاح والاصلاحات السياسية الحالية تتطلب تحقيق مزيد من الشفافية في التعامل مع القضايا الوطنية، بما في ذلك قبول النقد البناء والاستماع للرأي الآخر، والسماح للصحافة كسلطة رابعة العمل بحرية وكفاءة إبداعية، وبذلك نستطيع بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم. ربما تكمن شفافية المرحلة الديمقراطية الحالية في حرية الاختيار للفرد البحريني واحترام اختيار كل مواطن، وحدث هذا بكل حرية في مشاركة فئة ومقاطعة فئة للانتخابات النيابية، بموجب قناعة كل مواطن بحريني ولم يؤثر ذلك على الوحدة الوطنية.
الحقيقة أنه على رغم حال الانفتاح التي تمر بها البحرين حاليا، إلا إن التشكيل الجديد للحكومة خرج خاليا تماما من الوجوه الوطنية المعروفة، التي تتمتع بالصدق والنزاهة وثقة الشارع البحريني. وشهدت رجوع الوزراء البيروقراطيين وواحد من التكنوقراط. ولكن هل تستطيع التشكيلة الحكومية الجديدة تلبية مطالب الشارع البحريني التي تتلخص في: القضاء على البطالة، توفير السكن المناسب لكل مواطن، الرقابة المالية، نزاهة القضاء، القضاء على ممارسات التمييز الطائفي، ومحاربة الفساد المالي والاداري والمحسوبية، ووقف التجنيس العشوائي. ما يطالب به المواطن البسيط والعادي هو: توفير جميع الخدمات لمنطقته، من دون تفضيل منطقة على أخرى لاعتبارات طائفية أو عرقية. تصوروا أن هناك مناطق في البحرين متخلفة حضاريا، مهملة، تغطي أرضيتها التراب والغبار والروائح الكريهة، لا تنمية، لا عمران، لا تجميل، لا أعمدة كهرباء، لا أرصفة وشوارع، لا خدمات مجاري، لا خدمات صحية، وكأنها تعيش في ظلاميه القرون الوسطى. أليست هذه المناطق جزءا لا يتجزأ من البحرين الغالية التي يحبها الجميع، ومن واجبات كل بحريني النهوض بالمجتمع البحريني حضاريا واقتصاديا ومحاربة التخلف بأنواعه كافة. هذا هو عشمنا في التشكيل الوزاري الجديد. نتمنى أن تضع الادارة الوزارية الجديدة أولويات عملها في خدمة مصلحة المواطن والوطن
العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ