العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ

صورتان خالدتان من الشرق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صورتان ما انفكتا تراودان ذاكرتي: صورة من مصر وصورة من ايران، وكلتاهما مضى عليهما أكثر من عقدين من الزمان.

الأولى صورة لموكب الرئيس المصري السابق وبجواره الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر والسيارة المكشوفة تشق طريقها وسط الجموع المصطفة على الأرصفة وتحمل الأعلام وتلوح بها للرئيسين. في تلك الفترة لم يكن قد مضى على حرب 73 أكثر من خمسة أعوام، ولم تنس الذاكرة المصرية ذكرى النكبة التي عجنت الأمة وكسرت أضلاعها وأطاحت بكبريائها. المنظر نفسه كان يحير المراقب العربي والأجنبي، ولكن الصحافة الأجنبية وبعض الصحافيين المصريين الذين كانوا يعيشون في المنفى وضعوا أيديهم على الخيط. كانت هناك أيدٍ خفية تذهب إلى الأحياء الفقيرة وتحشد الناس «الغلابة» في باصات مجهزة لإكمال فصول المسرحية المطلوب إخراجها أمام العالم أجمع، وأمام الحليف الأميركي العظيم، أن الناس مع الزعيم وسياساته المنفتحة على الغرب، وبالذات في ظل التشكيك العميق في المحيط العربي بتوجهاته. ومن المحزن أن تنشر التفاصيل التي تكشف عن استغلال وضيع لفقر الناس وحالهم المأسوية بـ «رشوتهم» بتقديم علب السجائر وما شابه، إذ كان الانتقاء للمواطنين الأكثر فقرا من سكان المقابر، وهي القضية التي دأب النظام الساداتي على التستر عليها بكل ما أوتي من قوة إعلامية ضاربة، وكشفتها تلك المصادر الصحافية الأجنبية أو الصحافيون الوطنيون في المنفى، مثل الكاتب والناقد الكبير غالي شكري.

والصورة الثانية هي صورة جندي من القوات الايرانية الخاصة التي كانت تسمى«الخالدون»، وكان الشاهنشاه «ملك الملوك» يهم بالهرب من بلاده تحت تأثير الضغط الشعبي والمظاهرات المليونية التي أسقطته بعد قليل من على عرش الطواويس. كان الشاه قريبا من سلم الطائرة، وبجواره الشاهبانو، واقترب الجندي «الخالد» إليه وجثا على ركبتيه وأخذ يقبل حذاءه ويبكي. ولا أدري أيهما كان أكثر بكاء، وأيهما سالت دموع أكثر على خديه: الجندي الذي ربي على الذل ولعق الأحذية، أم الشاه الذي تنتظره الطائرة لرحلة يحلم بأن تنتهي بعد شهور ليعود إلى العرش من جديد، ولم يكن يدري أنها رحلة لا عودة بعدها أبدا. وقبل سنة من خروجه التراجيدي الفاجع زار الشاه مدينة مشهد العريقة، واصطفت الجماهير على الأرصفة، لا أدري لتحيته أم لتوديعه الوداع الأخير، إذ كتب القدر على جبهته أن تكون تلك الرحلة هي الأخيرة التي تشاهده فيها مشهد في سيارة مكشوفة أيضا.

وما عشت في الشرق أراك هذه الأيام من أنواع مظاهراته عجبا!

وفي الحالين إذا وقف الفكر متأملا الدلالات والظلال في الصورتين، حيث تسّير المظاهرات وتشم رائحة التمثيل والإخراج المسرحي وراءها، سيكتشف أن الإنسان هو الخاسر الأكبر

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً