تناولتُ في المقال السابق باختصار أبرز الإيجابيات التي تُحسب للكاتب الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، والتي تحدثتُ عنها باستفاضة في المحاضرة التي ألقيتها منتصف الشهر الماضي بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله (17 فبراير/ شباط 2016) في ملتقى الأهلي الثقافي، تحت عنوان «الكاتب الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل... ماله وماعليه»، وفي هذا المقال أستعرض تالياً باختصار شديد، أهم المآخذ والسلبيات التي تؤخذ على هيكل، والتي سبق لي أن تناولتها تفصيلاً في المحاضرة.
1. نزوع هيكل في الغالب الأعم في كتاباته عن سياسات عبد الناصر الداخلية والخارجية لتبرير كل أخطائه حتى القاتلة منها، وخاصة خلال وجوده في الحكم قبل رحيله، ومن ثمَ عدم توجيههه النقد الصريح إلى تلك الأخطاء ككاتب ومحلل سياسي يتحمّل مسئولية توخّي الحد الأدنى من الموضوعية في كتاباته السياسية، اللهم إلا انتقادات خجولة على نحو عابر وسريع.
2. كان هيكل مُفرطاً في الإعتداد بشخصيته الصحافية ككاتب ومحلل سياسي. صحيح بأنه تمكن بجهده ومثابرته وكفاحه من الوصول لأعلى درجات الهرم الصحافي، والكتابة الصحافية والتأليف، لكن هذا لا يبرّر تجاهله الدائم المنهجي لآراء من يختلفون معه في كتاباته وتحليلاته، حتى لو جاءت من قِبل كبار الكتّاب والمفكّرين أو طُرحت بأسلوب موضوعي وهادئ.
3. وقوفه غير المبدئي مع الرئيس السادات في صراعه مع مناوئيه من اليسار الناصري (مجموعة علي صبري) في مايو/ أيار 1971 داخل السلطة، والذين اختلفوا معه لتوجهاته نحو أميركا، واستشعارهم ميوله التهادنية مع «إسرائيل»، وانحرافه عن خط عبد الناصر ومبادئ ثورة يوليو، ثم قام باعتقالهم لسنوات طويلة. وهذا ما لمسه هيكل نفسه في السادات لاحقاً غداة حرب أكتوبر 1973 إثر اختلافه معه لنفس السبب، ما دفع هذا الأخير لإقصائه عن «الأهرام» مطلع فبراير/ شباط 1974. أكثر من ذلك فقد ظلّ هيكل يكابر بصحة موقفه حتى وفاته.
4. لم يولِ هيكل في كتاباته الصحافية ومؤلفاته اهتماماً بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاده والبلاد العربية، اللهم إلا نادراً وبشكل محدود. وإذا كان يمكن فهم ذلك إبان مرحلة حركة التحرر الوطني العربية خلال الخمسينات والستينات والسبعينات حيث طغت قضايا هذه الحركة على مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية، فلم يعُد الأمر مفهوماً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث تزايد وعي الشعوب العربية وحركاتها المعارضة بأهمية انتزاعها تلك الحقوق في صراعاتها وحركاتها الاحتجاجية المطلبية مع الأنظمة الاستبدادية.
5. خروجه في بعض الأحيان عن الموضوعية في نقده لأفكار ومواقف خصومه السياسيين، بإقحام الجوانب الشخصية السلبية في حياتهم الشخصية، وإن جاء هذا الإقحام بطريقة هيكل المعهودة التي يضفي عليها شكلاً من الهدوء والموضوعية، ومن هؤلاء الخصوم أنور السادات في كتابه «خريف الغضب» بالتلميح بأن لديه عُقدة من لونه الأسمر القاتم، ومصطفى أمين في كتابه «بين الصحافة والسياسة» الذي سُجن بتهمة التجسّس على بلاده لصالح أميركا، وبطرس غالي أستاذ العلوم السياسية ومؤسس «مجلة السياسة الدولية» ووزير الدولة للشئون الخارجية الأسبق، والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والذي أشار في أحد مقالاته بوجود عقدة ووساوس لديه من انتمائه المسيحي، ولماضي جده السياسي غير الوطني.
6. كان من الأمور اللافتة المستغربة في مسيرة هيكل الصحافية عدم تفكيره أو سعيه إلى إصدار صحيفة انجليزية طوال وجوده على رأس مؤسسة «الأهرام» لمدة 17 عاماً خلال حكم عبد الناصر، على رغم أهمية وجود صحيفة كهذه بلغة أجنبية عالمية لتعريف الرأي العام الغربي على مصر الناصرية، وسياسات عبد الناصر الداخلية، وفي العالم العربي والدفاع عن القضية الفلسطينية، لا سيما أن هيكل بدأ حياته الصحافية بالعمل في صحيفة إنجليزية تصدر من القاهرة علاوةً على صدور عدد من كتبه بهذه اللغة.
والحق فإننا إذا ما وازنا بين كفة إيجابيات وإنجازات هيكل الصحافية والسياسية، وكفة أخطائه وما يؤخذ عليه، فإن الكفة الأولى تميل بلا شك لصالحه ومُرجحة على الثانية، وبالتالي يمكننا القول إن رحيله رغم عمره المديد (93 عاماً) شكّل خسارةً كبرى يصعب تعويضها ليس لعالم الصحافة العربية فحسب، باعتباره واحداً من أكثر عمالقة الصحافة العربية لعبوا أدواراً استثنائية مميزةً في تطويرها، بل وخسارة كبيرة للساحة السياسية المصرية والعربية، وعلى وجه الخصوص بما كان يمتلكه من قدرة كبيرة متفردة ومعلومات واسعة متميزة في تحليل الحوادث الآنية المصرية والعربية والعالمية، وهو في هذا الجانب تحديداً ترك برحيله فراغاً كبيراً بيناً على الساحتين السياسية والإعلامية، سيظل شاغراً ردحاً من الزمن. رحم الله الصحافي والمحلل السياسي المصري والعربي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5309 - الإثنين 20 مارس 2017م الموافق 21 جمادى الآخرة 1438هـ