الوقوف عند عدد قديم نسبياً، وفي صحيفة عريقة وذات حضور وصدقية في بلدها والعالم مثل «نيويورك تايمز»، لابد أن يكون حاملاً أهميته أيضاً. أعني أهمية المادة التي تسترعي انتباه كاتب وصحافي في الجزء الآخر من العالم، وكذلك الحال مع قرَّاء عديدين. يقودنا ذلك إلى تقرير لكارين روزنبرغ، نشر في أحد أعداد «نيويورك تايمز»، وتحديداً بتاريخ 24 أبريل/ نيسان 2014، تناولت فيه أعمال الفنان الإسباني فرانثيسكو دي غويا إي لوثيينتيس، الذي تفرّد في فن البورتريه، وإن انحاز في جل أعماله إلى العائلات الأرستقراطية. وأحياناً ينكب على أعمال ضمن عائلة بعينها. للعائلة قصة، جنباً إلى جنب مع لوحات غويا. شيّق الوقوف عند تفاصيلها.
بورتريه مانويل أوسوريو مانريك دي زونيغا، الصبي المنتمي إلى عائلة أرستقراطية، في طفولته، مرتدياً حلّة حمراء رسمها الفنان الإسباني العالمي، غويا معروضة في متحف متروبوليتان بنيويورك. هو نفسه الصبي الذي توفي في طفولته، فيما والداه على قيد الحياة.
في صالات متروبوليتان للمعرض الأوروبي، صورة مانويل الذي عاش اليتْم طويلاً بسبب انفصاله عن والدته، معلقة في جناح روبرت ليمان بالمتحف، بينما صورة والده، في إسبانيا.
«غويا وأسرة ألتاميرا»، معرض صغير ولكنه يثلج الصدر بشكل عميق. لقد قام متحف متروبوليتان بلمّ شمل مانويل مع والديه وثلاثة من إخوته الستة. نظم المعرض، القيّم السابق وكبير الأمناء الحالي لمجموعة فريك، خافيير إف سالومون، الذي يقوم بإكمال إجراءات استعارة لوحتين لاثنين من عائلة ألتاميرا، من بنك دي إسبانيا، ومتحف كليفلاند للفنون إلى جانب مجموعة خاصة.
العائلة من عيون غويا
إنها فرصة نادرة رؤية عائلة أرستقراطية من خلال عيون غويا. وخلال مسح لخمس لوحات (أربع هي لغويا، وواحدة لموهبة إسبانية أقل منه ومتعاونة معه، هو أوغستين استيف ماركيز)، ستلاحظ الوسائل التي تم بها إخراج التشابه أو اللعب على الفروقات بين الجنسين في الترتيب للولادة. وسط كل ذلك، ربما تلتقط عيناك أكثر التيارات النفسية المتقاطعة في اللوحات، والتي تخلق جواً من الحرج في شدّته تقريباً. أنت، بعد كل شيء، ضيف على تجمّع عائلي آخر.
لكن المعرض لا يقتصر فقط على عائلة ألتاميرا الأرستقراطية بكل فاعليتها، أو حتى على عائلة لها امتداد من طبقة النبلاء الإسبانية. (العائلات الأرستقراطية في مدريد تقول إنها على قرابة مع العائلات في المستوى نفسه و «أبناء عمومة» لقد كان شكلاً شائعاً في الخطاب). إنه حول العلاقات المعقّدة بين البورتريه والمحاباة والإرث، أو حول الأساليب والطرق التي يمكن للفنان العظيم أن يتركها على شجرة العائلة.
جاء غويا لمعرفة ألتاميرا في لحظة محورية من حياته، عندما حشّد لسمعته كرسّام محكمة بارز. «لقد جعلت من نفسي الأكثر رواجاً بعد ذلك»، كما كتب إلى أحد الأصدقاء في العام 1786، خلال فترة كان فيها منشغلاً. شملت مشاريعه في ذلك الوقت مجموعة من الرسوم الكاريكاترية على القماش للأسرة المالكة في إسبانيا، وسلسلة من اللوحات لمديري بنك ناسيونال دي سان كارلوس (تحول في وقت لاحق إلى بانكو دي إسبانيا).
كُوْنت ألتاميرا، فيسنتي خواكين أوسوريو موسكوسو غوزمان، كان واحداً من مديري البنك (وشخصية مهمّة في مجتمع مدريد). سلّم غويا صورة كلاسيكية لمجلس الإدارة، والتي تبيّن الكونت يجلس بجانب أوراقه وهو يدسّ يده داخل سترته الحمراء. مع كل ذلك، لم يفعل الكثير لإخفاء مكانته الصغيرة التي اشتهر بها، مقارنة بالعائلات الأرستقراطية وقتها. (كتب السياسي الإنجليزي هنري ريتشارد فوكس فاسال، أن ألتاميرا كان «أصغر من العديد من الأقزام الذين يستعرضون مقابل المال»).
معاناة العائلة
مع ذلك، كان الكونت سعيداً بما فيه الكفاية مع لوحته بحيث كلّف غويا بعدها برسم أفراد الأسرة الآخرين. في اللوحة المهيبة التي اتخذت مكاناً من جناح ليمان، أول زوجة لألتاميرا، ماريا لغناسيا ألفاريز دي توليدو غونزاغا (الملقبة بالأم مانويل)، تهدهد ابنتها الرضيعة ماريا أوغستينا في حضنها. في اللوحة حضور أثيري للأنثى، بهالة نورانية رقيقة... شعرها البني... وصولاً إلى الأزهار المتناسقة، التي جاءت متوائمة مع خدّيها المائلين إلى الحمرة... النقش والتطريز على جوانب ملابسها الحريرية الملونة.
إلى جانب صورة معلّقة للكونتيسة، هنالك واحدة للابن البكر للزوجين والوريث، فيسنتي أوسوريو دي موسكوسو، كونت تراستامارا. وعلى رغم أنه العاشر - ترتيباً - في اللوحة، إلا أنه لم يكن طفولياً جداً؛ إذ يتكلّف كثيراً في لباسه مع بدلة من ثلاث قطع، وشعر رمادي مستعار، وهو يتجاهل الكلب المنتصب على قائمتيه في محاولة للتودّد إليه. كان لمانويل وفيسنتي شقيق أوسط، هو خوان ماريا أوسوريو، الذي توفي في سن الطفولة؛ ورسم لوحته أوغستين استيف. يعتقد أنه قد تم الانتهاء منها بعد وفاة الطفل، إنها مهيبة، مقارنة مع لوحة مانويل التي تحمل رمزية مكثفة.
وبالإضافة إلى فقدان اثنين من أطفالها، عانت العائلة الأرستقراطية متاعب مالية، مثلها مثل الأسر الأرستقراطية الأخرى التي كانت الأكثر تضرراً من غزو نابليون بونابرت. الكونت الوريث (الصبي الذي صوّره غويا بوصفه رزيناً وعمره عشرة أعوام) اضطر لبيع جزء كبير من المجموعات الفنية، لكنه تمكّن من الحفاظ على لوحات والدته وأشقائه؛ ولم تتبعثر إلا بعد وفاته، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وظلت صورة والده مع «بانكو دي إسبانيا»، التي لايزال يمتلكها، وعادة ما يعرضها في البهو الخاص، جنباً إلى جنب مع صور أخرى لإدارة البنك رسمها غويا (حيث يمكن أن تشاهد من خلال تصريح خاص).
ضوء
يُذكر، أن فرانثيسكو دي غويا إي لوثيينتيس ولد في 30 مارس/آذار 1746، بفوينديتودوس، سرقسطة، بإسبانيا، وتوفي في 16 أبريل 1828، بوردو، فرنسا. رسام ونقاش إسباني. عكس فنه الاضطرابات السياسية والاجتماعية في أوقاته. تتضمن أعماله المؤثرة جداً صوراً لطبقة النبلاء الإسبانية.
مع حلول العام 1799 وتحت رعاية تشارلز الرابع، أصبح الفنان الأنجح والأكثر عصرية في إسبانيا؛ لوحته المشهورة «عائلة تشارلز الرابع» رسمت في هذا الوقت (1800). لوحته المشهورة والمثيرة جنسياً «ماخا العارية» و»ماخا المكسوة» (نحو 1800 إلى 1805) جعلته يُستدعى للاستجواب والتحقيق في العام 1815. بعد أن جعله المرض يعاني الصمم بشكل دائم. في العام 1790 واجه عمله واقعية كبيرة تجاور الكاريكاتير. لوحاته كابريتشوس الثمانين أو «النزوات» (نشرت في العام 1799)، هي طبعات هجائية تهاجم الانتهاكات الدينية والاجتماعية والسياسية، مثلت إنجازاً بارزاً في تأريخ الطباعة.