ليس من الغريب أن يبحث الشارع البحريني عن إدارة مؤهلة تدير إدارة الأوقاف الجعفرية وتكون بحجم المسئولية وتكون بمستوى الأمانة التي تؤهلها لحراسة أموال الوقف وأموال اليتامى والمساجد والمآتم، ومازال الشارع يتطلع وكله أمل إلى أن يكون الرئيس الجديد لإدارة الأوقاف الجعفرية رجلا نزيها تقيا واعيا وفي عمر يتناسب وثقل هذه المسئولية بأن لا يقل عن الخمسينات وليس ذلك انتقاصا من الشباب وإنما حرصا على أن يكون الرئيس وطاقمه أصحاب تجارب إدارية وعلمية، مع الأخذ في الاعتبار نظافة الكف والقدرة على الإدارة؛ فالموقع ليس موقعا تشريفيا أو حصة تمنح لأي كان وإنما هو موقع حساس يقتضي مراعاة كل جوانب الانضباط التي ينبغي توافرها في الإدارة الجديدة وفي رئاستها.
حقيقة ـ وبكل تجرد ـ الناس في المجتمع البحريني مازالت تنظر الى الطاقم الجديد الذي سيتقلد هذه المواقع ويدها على قلبها مخافة ألا يكون الرئيس القادم وطاقمه في مستوى هذا الموقع الحساس. والسلطة على رغم ثقة الناس الكبرى في حسن اختيارها فإنها مازالت تتطلع بخوف وتوجس إلى أن يكون الرئيس القادم وطاقمه ليس بمستوى الأمانة وبحجم المسئولية هذا إذا لم تكن عليه سوابق وشكاوى متكدسة في عقول وأفئدة وذاكرة الناس. والجميع علماء ومثقفين وأكاديميين يلتمسون من السلطة كما أنها وفقت إلى وزير حفظ موازنتها في إحدى الوزارات فأصرت عليه وأعطت بذلك صورة جميلة لإصرارها على نهج الإصلاح ودعم منهج الشفافية ومحاربة الفساد فإننا المثقفون ندعم كل خطوة تعزز منهج الشفافية، آملين أن يكون الموقع الآخر الذي سيعزز هذا المنهج هو إدارة الأوقاف الجعفرية وذلك بإعادة هيكلتها وإعادة تطهيرها من أي فسادٍ علق بها طيلة هذه السنوات. وهذا هو أقل القليل لإدارةٍ وُضعت بين يديها ملايين الدنانير وُقفت لصالح مؤسسات وهيئات وقفية وأيتام وقصر... الخ.
فإن المجتمع سيصاب بالاحباط الكبير لو أنها سلمت إلى أيدٍ مازالت محل جدلٍ ولغط وتساؤلات إدارية ومالية وفقهية لدى أوساط مختلفة من الناس على شتى مشاربها وتنوع أطيافها خصوصا بعد تعزز هذه النظرة السوداوية من مقولة ترددت في أذهان الناس بأن بعض الرؤساء الأكاديميين الذين تولوا منصب هذه الإدارة قد اصيبوا بالاحباط لفظاعة ما رأوه من تلاعب وتسيب وتجاوزات فآثروا السكوت مخافة انتشار الفضائح.
أما الآن وفي ظل مشروع الإصلاح ومع وجود هذه الشفافية ومع ملاحقة الدولة ذاتها لرموز الفساد فينبغي - كما عودتنا -أن تكون هناك دقة في الاختيار فالمجتمع يتطلع وكله أمل في مليكه الشاب إلى ان تنتهي رحلة المعاناة الإدارية والمالية المكتنزة بآلاف التساؤلات لهذه الإدارة.
الناس في محل ترقب والتساؤلات في كل مجلس من العلماء والمثقفين وأبناء المساجد والمآتم والطلبة الجامعيين وغيرهم. وعندما أثرت التساؤلات في المقالات السابقة كثير من الناس شجعوا عليها وقالوا لي بالحرف الواحد: «أوصل عبر مقالاتك تحياتنا الى والد الجميع والمسئولين، وأخبرهم أن قلوب الناس معهم ويأملون جميعا ان تصل آمال الناس وتطلعاتهم إليه، وإليهم بأن تكون إدارة الأوقاف من الإدارات التي تكون بحجم هذا الحدث البحريني الكبير. وجاءت أكثر النداءات من الشخصيات الأكثر تطلعا وتوازنا وأملها أن تنال الإدارة ما نال غيرها من التغيير والمتابعة وأن تكون تحت رقابة ديوان المراقبة في الديوان الملكي وذلك لحساسية هذه الإدارة كونها ترعى مؤسسة وقفية ائتمنت عليها الدولة أموال قصّر وأيتام ومؤسسات دينية بوضعها في أيدٍ أمينة نزيهة ما يعزز من صدقية الدولة والمشروع الإصلاحي الداعي الى محاربة الفساد وانتقاد الافراد وفق معايير راجحة وعلمية.
كل هذا الكلام أصبح متداولا في كثير من المجالس الشعبية والثقافية وخصوصا أوساط العلماء الذين يهمهم كثيرا إعادة النظر في هيكلية الإدارة وبحسب المعلومات التي وصلتني فقد ذكرت أن هناك اجتماعا إقامة بعض العلماء كانوا ينوون فيه رفع مذكرة التماس الى عظمة الملك يلتمسون فيها النظر وتشكيل لجنة مراقبة وتفتيش للإدارة المذكورة خصوصا ما يتعلق بالأحوال الوقفية، خصوصا بعد انتشار شائعة أن من سيقلد منصب الرئاسة شخصية لا تحظى بأية صدقية لا مالية ولا إدارية فضلا عن تاريخ قائم على الرشى..
لو تم ذلك فإنه سيكرّس حالة إحباط كبرى لدى قطاع كبير من الأوساط الشعبية ولدى العلماء والمثقفين.
هذه الالتماسات من الأبناء الى الملك جاءت عن طريق الصحافة لأنهم يرونها الطريق والجسر الموصل لكلمة الناس الى المسئولين، لأن الناس ترى أن سبب عدم وصول صوتها هو وجود بعض الأفراد من الطبقة العازلة التي تحول دون وصول الصوت لذلك تلتجئ الى الصحافة لإيصال صوتها فإن وصول أية شخصية لها سوابق مالية ستصيب صدقية أمانة المؤسسة الوقفية في مقتل كبير. وليس ما نطرحه نوعا من الإملاء أبدا وإنما هو محاولة ضمن محاولات هدفها إيصال نبض الشارع الى المسئول. لأن هناك من الأفراد من يحاول أن يظهر نفسه بصورة المقبول شعبيا ولو على حساب المؤسسات والهيئات وحتى لو كان على حساب أموال الفقراء واليتامى ونحن كصحافة دورنا نقل الصورة وحقيقة الواقع.
إن التسويق للذات يجب ألا يكون على حساب المؤسسات الوقفية ومحاولة الظهور أمام السلطة بالحمامة الوديعة على الأموال الوقفية وذلك غير كافٍ لنسيان الناس كل صورالتلاعب والتحايل المالي الذي تعرضوا له سابقا من قبل أي فرد يحلم بالوصول ولو على حساب الناس والمجتمع والسلطة أيضا. ان من حقنا أن نخاف على هذه المؤسسات التي تمتلك رصيدا ماليا ضخما يدفعنا في ذلك ديننا ومصلحة الوطن.
إن سرقة الأموال العامة وتلاقي المنصب مع العمل في التجارة مما يسبب استغلال النفوذ وهو أمر محرم في الدول الديمقراطية وأمر لا يمكن الاستهانة بخطره، ولكنه يبقى أقل خطورة وأقل حساسية عند الإسلام. ولدى جميع الطوائف والمذاهب تحسس من تملك غير مؤهل منصب مؤسسة وقفية لأموال اليتامى ومساجد فالإسلام شديد الحساسية في قضية أموال اليتامى والمؤسسات الوقفية فإن وضعها في يد شخصية عليها جدل ولغط يعد سابقة خطيرة تنذر باقتراب خطرٍ الى أموال هي في أمس الحاجة الى التدارك. ونحن هنا في الصحافة على استعداد لتحمل كل الضغوطات التي تقع علينا من أية مؤسسة أو وزارة أو هيئة أو جامعة نقوم بنقدها مادام ذلك يصب في صالح محاربة الفساد أيا كان وفي أي مكان من دون أن نفرق بين مؤسسة دينية وقفية أو غيرها لسنة أو شيعة ويتعزز موقفنا عندما نلاقي التشجيع من قبل الدولة ذاتها، ولقد اثبتت الدولة أنها معنا على طول الخط في أكثر من معركة فساد بعضها وجدت الحلول المناسبة وبعضها مازال معلقا. فقضية إدارة الأوقاف الجعفرية تحتاج الى وقفة جريئة من الدولة لفتح الملفات وإزالة أي عضو أو مسئول فاسد وبودي لو تنشأ لجنة منبثقة عن ديوان الرقابة المالية والإدارية في الديوان الأميري (سابقا) لتقصي الحقائق في مثل هذه الإدارة حتى تكتشف حجم الفساد العالق بأثوابها. فهناك كثير من المتذمرين من الشعب ولكن خوف السؤال منعهم طيلة هذه الأعوام عن الكلام خصوصا بعد ظهور بعض مؤشرات القصور الرقابي على عقارات وأراضي الوقف كما حدث عند رفع القضية إلى المحكمة على العقيد عادل فليفل الصديق المقرب سابقا للإدارة ذاتها. فقد عرف هذا العقيد المطالَب بملايين الدنانير بعلاقته المتميزة، والقوية والمتينة مع بعض أعضاء إدارة الأوقاف الجعفرية (...) ما مكنه من حفر وجرف الأراضي (المستأجرة) للأوقاف والامتناع عن سداد الأموال. كل الأموال المستحقة لهذه الإدارة الوقفية ذهبت مع الريح مع العقيد الهارب فإنه لم يرجعها ـ كما جاء على لسان كبار مسئوليها ـ والطيور طارت بأرزاقها ورزق الله للأموال الوقفية ليست على السيف ولا في الرصيد...
الآن بعد ضياع هذه الأموال من سيرجعها من العقيد؟ متى سترجع؟ من سيقوم بالتعويض؟ ومن المسئول عن ضياعها؟ ومن سيمتلك الجرأة على فتح ملفات عالقة أخرى لم تكشف للصحافة بعد؟ وهل سيتم تأخير تسجيل العقارات الوقفية المؤجلة سنين عن التسجيل في وزارة العدل، أم ستبقى من دون تسجيل؟ نحن أمام استحقاقات موضوعية مستقبلية وتساؤلات نقدية لهذه الإدارة سنرجئها حتى يتم تشكيل الإدارة الجديدة التي نتمنى أن يكون صدرها واسعا يتحمل الرقابة الصحافية وأن تكون بحجم المسئولية وهذا ما سيعكسه حجم الرئيس الجديد وطاقمه وهل يمتلك الصدقية والقدرة على مواجهة تساؤلات الناس والصحافة والأيتام أيضا؟.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ