تكشف الاكتشافات الأثرية في البحرين أن بلادنا كانت عامرة بالتجارة في العصر النحاسي (ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد)، وأن آلاف القبور الموجودة بالقرب من عالي ومناطق أخرى كانت تحتوي على غرف مشيدة فريدة من نوعها لا توجد في أي مكان من العالم. والاعتقاد السائد هو أن السومريين (مؤسسي أول حضارة إنسانية) كانوا يدفنون موتاهم في بلادنا ويدفنون مع الموتى الحلي الثمينة وبعض ما كان لدى ذلك الشخص، لاعتقادهم بأن البحرين هي أرض الخلود لمن يدفن فيها.
تلك المقابر تم نهبها في الزمن القديم، ولا يعلم علماء الآثار متى نهبت إلا أن التنقيب الذي أجري في كثير من تلك المقابر وجد أن الهياكل العظمية قد عُبث بها وأن الموجودات التي تُركت هي تلك التي لم يرَ من سرق القبور ثمنا لها.
ينتمي إلى تلك الفترة معبد باربار الذي بني بصخر من جزيرة (جِدَا)، ولكن الأقدم على الإطلاق من كل تلك الآثارهو قلعة (البحرين) التي بنيت أيضا بصخور جلبت من جزيرة (جِدَا).
علماء الآثار يقولون إن قلعة البحرين ليست قلعة فقط، إنما هي مدينة متكاملة يرجع تاريخها إلى العصر النحاسي، أي قبل 4500 إلى 5000 سنة مضت. القلعة لها سور، ولكن المدينة المحيطة بها أيضا لها سور. ويقبع تحت قلعة البحرين بعض ما وجده علماء الآثار من قطع نحاسية وسلع كانت تتداول في ذلك الزمان، ما يشير إلى بقايا السوق الرئيسية في تلك المدينة المطمورة.
وقد وجد علماء الآثار «خواتيم» لا يوجد مثلها إلا في بلاد ما بين النهرين (العراق) والمنطقة الباكستانية موهنجو-دارو، ما يدلل على ربط البحرين منطقتين تجاريتين في ذلك الزمان: العراق ووادي الاندوس. وقد أشار بعض علماء الآثار إلى أن الخواتيم الموجودة في العراق والباكستان مصدرها البحرين وليس العكس، وذلك يدلل على أن تجار البحرين هم الذين ذهبوا بتلك الخواتيم إلى المناطق المذكورة.
الاكتشافات الأثرية كلها تدلل على وجود مدينة مطمورة بالقرب من قلعة البحرين (وتمتد الى 200، متر من الساحل في المكان الذي ردم مؤخرا) وأن تلك المدينة كان رمزا لعزة البحرين وشهرتها التي جعلت اسمها آنذاك (دلمون) يُذكر في الكتابات السومرية والبابلية منذ بداية عهد الكتابة (3000 سنة قبل الميلاد).
وكانت تلك المدينة هي التي تجلب الخيرات للبحرين حتى دُمرت لأسباب غير معروفة. وعندما أعيد بناؤها مرة ثانية، كما يقول بعض الباحثين، بني سور لها لحمايتها (قبل 4200 سنة). وتشير الدراسات إلى أسطول البحرين التجاري المتواصل مع الهند والعراق، وأنه في هذه الفترة (إعادة بناء المدينة) تم بناء معبد باربار أيضا. كما تشير الدراسات إلى أن البناء نقل ما هو موجود من مبانٍ وتصميمات في العراق والهند/ باكستان، مما يشير إلى التأثير الموجود لتلك الحضارات في حضارة البحرين (دلمون). وتشير الوثائق إلى أن العلاقة بين البحرين وكل من العراق والهند/ باكستان استمرت ألف سنة على الأقل حتى قرابة 1600 قبل الميلاد.
قلعة البحرين والمدينة المجاورة أعيد بناؤها في 700 سنة قبل الميلاد واستمر وضع البحرين المزدهر الذي جذب الاسكندر الأكبر إليها في 323 قبل الميلاد.
ثم هناك نظام القنوات المائية المتطور الذي ربط البحرين بعضها بعضا وكوّن سمعة البحرين ذات المليون نخلة. وقلعة البحرين أعيد بناؤها في عهد القرامطة (899م - 1079م)، ثم في عهود أخرى وصولا إلى إعادة بنائها في عهد الاحتلال البرتغالي (1521م - 1602م). واستمر استخدامها بعد الاحتلال البرتغالي قرابة 150 سنة، إذ يذكرها الشيخ يوسف البحراني في كتابه «لؤلؤة البحرين» وكيف أن أهل البحرين كانوا يحفظون الأشياء الثمينة فيها.
وها نحن في مطلع الألفية الثالثة في العام 2002، نقف على آثار بلادنا ونحن بذلك مسئولون جميعا عن هذا التراث الإنساني العظيم. فلولا ما وجدناه من آثار داخل القلعة لما عرفنا جزءا مهما من تاريخ بلادنا، ولو استطعنا إعادة اكتشاف المدينة المندثرة فإننا سنكون قد خدمنا الإنسانية وخدمنا أنفسنا.
ولكن، وهذا أضعف الإيمان، إذا كنا لا نسعى إلى اكتشاف تلك المدينة الجميلة التي تتحدث عنها الوثائق التاريخية وتدلل عليها بعض الاكتشافات، فحريٌّ بنا أن نحافظ على القلعة نفسها من الاندثار وأن نستمع إلى نداءات تأتينا من خارج البحرين، في الوقت الذي يجب أن يأتي فيه النداء من داخل بلادنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ
القلعة الجميلة
انها من ترالثنا العريق
وشكرا لا إضافة