أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع الأخير الخاص بالسياسة النقدية في 9 مارس/ آذار، لكن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي تحدث في تصريحات له عقب الاجتماع بنبرة متفائلة حول تقدم اقتصاد منطقة اليورو. فقد أشاد رئيس البنك المركزي بالهبوط المطرد في البطالة وارتفاع بيانات الأنشطة الاقتصادية والتحسن في المزاج الاقتصادي بوصفها أدلة على نجاح السياسة النقدية. وقد أدت هذه التطورات بالتضافر مع نمو أعلى من المعتاد على مدى العامين الماضيين (2.0% في عام 2015 و 1.7% في عام 2016) لخلق توقعات متفائلة لمنطقة اليورو في عام 2017. ومع ذلك فإننا أقل تفاؤلاً بشأن النمو في منطقة اليورو. فبالرغم من أننا لا نزال نتوقع معدل نمو فوق المعتاد يبلغ 1.5% في عام 2017، إلا أننا نتوقع أن يتراجع النمو مقارنة مع العامين الماضيين مع تلاشي أثر بعض العوامل الداعمة. وعلاوة على ذلك، نرى أن التفاؤل الأخير قد تجاهل المخاطر السياسية الصاعدة التي تخيم على مستقبل الاتحاد النقدي، حسبما نقل فريق QNB الاقتصادي.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر على النمو في منطقة اليورو. أولاً، لابد أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تباطؤ الاستهلاك، وهو ما كان يمثل أحد المحركات الرئيسية للنمو الشامل على مدى العامين الماضيين. وقد أضاف عامل الاستهلاك ما يبلغ متوسط 1.1 نقطة مئوية للنمو في عامي 2015 و 2016، أو ما يقرب من 60% من النمو. ويعود ذلك لحد كبير إلى انخفاض أسعار النفط، وهو ما عزز مقادير الدخل والأرباح الحقيقية المتاحة. ومع توقع ارتفاع أسعار النفط من 45 دولار للبرميل في عام 2016 إلى 55 دولار في عام 2017، فإننا نتوقع أن يفرض ذلك عبئاً على النمو يبلغ حوالي 0.3 نقطة مئوية مقارنة مع العام السابق.
ثانياً، من المتوقع أن يتقلص الدعم المتأتي من السياسة النقدية في عام 2017. وقد ساعد التيسير الكمي على زيادة الطلب المحلي على مدى العامين الماضيين من خلال خفض تكاليف الإقراض قصير الأجل، وهو ما كان قد أدى بدوره إلى زيادة الاستثمار وساعد في تعافي سوق العمل. ولكن معظم التيسير قد تم استنفاده سلفاً وتحول النقاش الآن إلى الموعد الذي سيقوم فيه البنك المركزي الأوروبي بتخفيض برنامج التيسير وزيادة أسعار الفائدة. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة للمدى الطويل تدريجياً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وسينعكس هذا الارتفاع على قروض الرهن العقاري وغيرها من تكاليف الاقتراض طويل الأجل في منطقة اليورو. وإجمالاً، من المتوقع أن يكون الدعم المقدّم من برنامج التيسير للبنك المركزي الأوربي محدوداً وأن يقابله ارتفاع في أسعار الفائدة للمدى الطويل في عام 2017، وهو ما سيجعل أثر السياسة النقدية على النمو في حكم المعدوم.
ثالثاً، نتوقع أن يدعم ضعف اليورو صافي الصادرات لكن تراجع الطلب الخارجي من قبل الشركاء التجاريين الرئيسيين لمنطقة اليورو سيقلل جزئياً من هذا التأثير الإيجابي. وسيؤدي التباين في السياستين النقديتين لكل من البنك المركزي الأوربي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى توسيع فروق أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما سيجذب التدفقات الواردة إلى الولايات المتحدة ويزيد من قيمة الدولار الأمريكي مقابل اليورو. وسيعزز ضعف سعر صرف اليورو تنافسية صادرات منطقة اليورو وسيعمل على دفع النمو البطيء في الواردات. وحالياً تتوقع الأسواق أن تنخفض قيمة اليورو مقابل الدولار الأمريكي من متوسط 1.10 في 2016 إلى 1.05 في 2017، أو أنها ستشهد تراجعاً بنسبة 4.5%. ولكن من المرجح أن يتضرر نمو الصادرات بسبب ضعف الطلب الخارجي من المملكة المتحدة، نتيجة الانخفاض الحاد في قيمة الجنية الاسترليني، ومن الصين التي لا تزال معدلات نموها تتراجع. وتستورد المملكة المتحدة والصين 20% من صادرات الاتحاد الأوربي من السلع. ونتوقع أن يعمل صافي الصادرات على زيادة النمو بواقع 0.1 نقطة مئوية فقط مقارنة بالعام السابق.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الآفاق المستقبلية لمنطقة اليورو مخاطر رئيسية من الأحداث التي يزدحم بها جدول العمل السياسي في 2017. فمن المرتقب أن تبدأ الحكومة البريطانية مفاوضات مع الاتحاد الأوربي حول شروط الخروج من الاتحاد. وإذا كانت النتيجة النهائية هي فعلاً "خروجاً خشناً"، فإن من شأن ذلك إلحاق الضرر بمنطقة اليورو مع إرجاء الشركات القائمة على التصدير لعمليات الاستثمار وبدئها في التحول بعيداً عن المملكة المتحدة ترقباً لزيادة الحواجز التجارية. إلى جانب ذلك، فإن الانتخابات الهامة في كل من فرنسا وألمانيا قد تجلب قادة شعوبيين إلى السلطة، مما يزيد من المشاعر المعارضة للاتحاد الأوربي وبروز شبح تفكك منطقة اليورو نفسها.
لقد ظلت السياسة النقدية هي الركيزة الأساسية لدعم النمو في منطقة اليورو خلال السنوات القليلة الماضية، لكن يبدو أن هذه السياسة قد بلغت أقصى وسع لها. وفي ظل تراجع المؤثرات الإيجابية الناتجة عن أسعار النفط والطلب الخارجي، قد يتحول صناع القرار في منطقة اليورو نحو السياسة المالية لدعم النمو في حال حدوث صدمة كبيرة جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي أو أزمة سياسية أخرى. لكن بشكل أو آخر، من المتوقع أن يتباطأ النمو وأن يخضع قادة منطقة اليورو لضغوط لأجل إيجاد سبل جديدة لتحفيز النمو.