أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن السائق الفطن والعاقل يدرك أن مخالفته في قيادة سيارته قد يتمخض عنها، إزهاق أرواح وإهدار أموال أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات كاملة أو جزئية، وتصور تلك النتائج السلبية المفزعة، مشدداً على ضرورة الالتزام بآداب قيادة السيارة، وبالأنظمة والقوانين المرورية.
القطان في خطبته يوم أمس الجمعة (17 مارس/ آذار 2017)، والتي عنونها بـ «آداب وأخلاق السير والمرور»، تحدث عن السياقة والأضرار التي تنتج عن مخالفة الأنظمة المرورية.
وقال: «السيارة وسيلة ينبغي قصر الانتفاع بِها على الجوانب الإيجابية، وأداة حَرِيٌ بصاحبها أن يجعلها مجلبةً للخير والنفع، وأن لا تكون مفتاح شر أو مصدر قلق أو وسيلة إزعاج أو أذى يضر بِها نفسه وغيره»، مؤكداً أن «هذه المركبة (أي السيارة) لم تُصَنَّع إلا لخدمة الإنسان ونفعه، وهي كذلك إن أحسن استعمالها والتزم الطريقة المثلى في قيادتها، والمنهج السليم في استخدامها، والأدب المروري في تنقلاته عليها».
وعدد القطان وصايا ونصائح لقائد السيارة، بقوله: «إن على قائد السيارة أن لا يخرج عن القواعد الصحيحة حين يقود سيارته، وعليه أن يلتزم بأنظمة المرور التي وضعت في الأصل لحماية السائق نفسه، من الأخطار التي قد تناله عند ارتكابه أدنى مخالفة، كما أنها وضعت لحفظ حقوق الآخرين من المشاة وقائدي السيارات الأخرى، حتى لا يصيبهم أذى أولئك السائقين المخالفين الذين لا يعبئون بالقواعد والتعليمات، ولا يعيرونها أدنى اهتمام، إذ ترى المخالفات الصريحة، والتجاوزات المفرطة منهم، وهم يقودون سياراتهم، وبالأخص حين يغيبون عن أعين رجال المرور»، معتبراً أن «هذا ليس من الأدب الإسلامي في شيء، فإن ديننا الإسلامي يحث أفراده على احترام مشاعر الآخرين، ومعاملتهم بالطريقة التي يرضاها المرء لنفسه، يودّ لهم ما يودّ لشخصه من الخير والنفع، ويكره لهم ما يكرهه لها من الشر والأذى والضرر».
واستشهد القطان بقول الرسول (ص): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، مبيناً أن الرسول «رسم لنا ووجهنا وحثنا على الالتزام بآداب الطريق، ومراعاة الآداب العامة فيه، فذكر من تلك الآداب كف الأذى، وذلك يحتم على السائق وهو يقود سيارته أن يعمل بهذا التوجيه المحمدي، فلا يؤذي إخوانه قائدي السيارات الأخرى، أو المشاة بمضايقتهم، أو تعريض أرواحهم للخطر، فهو حين يقود سيارته يلتزم بالسرعة المحددة التي حَدَّدَتها الجهات المختصة لسلامة الجميع، ورسمتها لكل سائق حتى يحفظ نفسه، ويحفظ غيره ممن يرافقه، أو يستخدم الطريق التي يسلكها».
وأضاف «السائق الذي يسير في طريقه باعتدال واتزان وتعقل وتروٍّ، وهو يمسك بمقودِ سيارته سائق مثالي، يحسب ألف حساب لأي خلل يصدر منه أثناء القيادة، قد تكون عاقبته وخيمة، ونتائجه سيئة أليمة، وهو يتوقع المفاجآت من الآخرين أثناء قيادته، ولذلك لا يرضى أن يوقع نفسه في موقف لا يحسد عليه. كما أنه يدرك أن أي عبث يمارسه وهو يقود السيارة قد يؤدي إلى اختلال سيرها، وعدم قدرته على التحكم بها، فينتج عنه اصطدامها بأي جسم آخر، فيلحقه الضرر بنفسه وسيارته، فضلاً عن تضرر بعض المشاة أو الركاب أو إصابتهم في أجسادهم أو ممتلكاتهم».
وأشار إلى أن «السائق الفطِنَ، ذا الفكر الناضج، والفهم السليم، والشعور الإسلامي المتمكن في قلبه، هو السائق العاقل الذي أيقن أن مخالفته في قيادة سيارته قد يتمخض عنها، إزهاق أرواح وإهدار أموال أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات كاملة أو جزئية، وتصَّور تلك النتائج السلبية المفزعة، والعواقب الوخيمة والمفجعة، التي ترتبت على المخالفات المرورية، والاستهتار بآداب السير، وعدم المبالاة بالتعليمات المستمرة والتوجيهات المتكررة التي تصدرها الجهات الأمنية، والحريصة على سلامة أفراد المجتمع والحفاظ على مقدراته وممتلكاته».
وشكر القطان وزارة الداخلية ووزيرها ولرجال الأمن والقائمين على إدارة المرور على ما يقومون به من جهد وحفظ للأمن وتنظيم للمرور في سبيل خدمة المواطنين والمقيمين من أجل الحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم.
ورأى أن «على كل واحد منا أن يلتزم وهو يقود سيارته بآداب القيادة، وأن يحافظ على نفسه ومن معه ومن هم في الطرقات التي يسلكها إخوانه. إن التؤدة والتأني في السير، من الأمور المحمودة، ومن الصفات المرغوبة، التي دعا إليها ديننا الحنيف».
وأردف قائلاً: «لو تأملنا الحال في تعامل بعض السائقين لوجدنا بعض الأخطاء التي ترتكب من قبل البعض، بقصد أو بغير قصد، مما يتعلق بالسير في الطرقات العامة، والشوارع المخصصة لسير السيارات أو المشاة. فالأصل أن يسلك السائق الطريق بسيارته بهدوء واتزان، وأن يراعي أحوال المشاة ومن يسلك الشارع من إخوانه السائقين بسياراتهم، وأن يتجنب الوقوع في أي مخالفة قد تكون سبباً في إلحاق الضرر بالآخرين أو إيذائهم، وإذا كانت النصوص الشرعية تبين أن إزالة الأذى وإماطته عن الطريق يكتب به الأجر والثواب للمؤمن، فإن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين يكون سبباً في تحمل الفاعل للإثم ووقوعه في الذنب».
وتابع «بعض السائقين قد يقود سيارته بسرعة هائلة في الشوارع المزدحمة وفي وسط المدن والقرى، حيث تكتظ الشوارع بالسيارات والمشاة، مما يتسبب في كثير من الأحيان بوقوع الاصطدام أو إزهاق نفس بريئة، فيتسبب في أذية نفسه بإتلاف سيارته وتحمله مبالغ لإصلاحها وإعادتها لحالتها الأولى، كما يتسبب في تحميل الآخرين تكاليف إصلاح سياراتهم، أو يكون ذلك عليه إذا كان هو المتسبب الرئيس فيه، كما لا ننسى أنه حين تُزهق روح إنسان بسبب سرعته هذه فإنه يتسبب في إدخال الحزن واليتم والترمل لأفراد أسرة ذلك الذي تسبب في وفاته، بسبب سرعته الجنونية وعدم التزامه بآداب قيادة السيارة والتمهل في مشيه وسيره».
وأفاد بأن «الحكم الشرعي في ذلك أنه يكون ضامنًا لكل ما يترتب على التلف الذي وقع بسبب سرعته، سواء كان تلفًا في آلة أو مركبة أو إزهاق نفس أو إلحاق ضرر بإنسان كإصابته بجروح أو كسور أو نحو ذلك».
ولفت إلى أن «مما يتصل بهذا الجانب، المخالفات المرورية التي يرتكبها كثير من السائقين، من عكس خط السير أو تجاوز إشارة المرور الحمراء أو الوقوف في الأمكنة والمواقف التي يُمنع الوقوف فيها أو غير ذلك من المخالفات الأخرى، وكم رأينا من مشاهد محزنة وصور دامية لحوادث ذهب ضحيتها الأنفس البريئة، أو كانت سبباً في إصابة البعض بإعاقات تامة أو جزئية، والسبب في ذلك قلة الوعي لدى البعض في قيادة السيارات والمركبات، أو إصرار بعض السائقين على عدم التنازل عن شيء من حقوقهم المؤقتة في القيادة التي يكتسبونها أثناء السير، كأفضلية المرور والأولوية في استخدام الطريق ونحو ذلك، مما يؤدي إلى وقوع الحوادث لا سمح الله».
ودعا القطان كل مسلم إلى يكون مثالياً في قيادة السيارة، والتذكّر دائماً أن هذه المركبة نعمة تفضّل الله بِها عليه، وهيّأها ليقضي بِها حاجاته، أو وسيلة يكسب بها معيشته. وقال: «استخدمها للغرض الذي وُجِدت من أجله، ولا تجعلها سبباً في إلحاق الضرر بك أو الأذى بإخوانك الآخرين، صحبتك السلامة، في حلك وترحالك، وحفظنا الله وإياك من شر الحوادث وتهور السائقين».
ونوّه إلى أن قائد السيارة ينبغي عليه مراعاة عدة أمور أثناء القيادة، فعند ركوبه يبتدئ بالأدب الإسلامي الذي وجه إليه، وعليه أن يتفقد سيارته من أي خلل قد يكون فيها؛ لأن المركبة إذا كانت غير صالحة للاستعمال بسبب خلل في بعض أجزائها قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بقائدها وبالآخرين».
ونصح السائق بأن «يلتزم بأنظمة المرور وقواعده التي وضعت لسلامة السائق وسلامة غيره من إخوانه الذين معه، أو الذين يقودون سياراتهم، أو يعبرون الطريق، أو يمشون في الشوارع والممرات، كما عليه أن يراعي غيره من إخوانه المشاة عند قيادته السيارة، فإذا رأى أحداً يريد عبور الطريق فليعطه الفرصة ليمر، وليقف حتى يتخطى من أمامه، فإن ذلك من تفريج الكربات، كما ينبغي للماشي أن يشكر السائق على وقوفه له؛ لأن ذلك من باب المكافأة.
وذكر بأن هناك عادات ينبغي للسائقين نبذها، منها «حين يقف اثنان كل واحد منهما بسيارته وسط الطريق يتحدثان، أو يسلم أحدهما على الآخر، ووراءهما رَتَلٌ من السيارات، مما يتسبب في عرقلة حركة المرور، وذلك من الأذى المنهيّ عنه».
وختم إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي بنصيحة، وهي ألا ينشغل قائد السيارة بشيء يؤثر على رؤيته وتركيزه أثناء القيادة؛ كالهاتف أو المسجل أو المذياع في السيارة مثلاً، لأنه مسئول أمام الله عن سلامة نفسه وسلامة الآخرين، وعليه أن يسير بهدوءٍ وسكينة.
العدد 5306 - الجمعة 17 مارس 2017م الموافق 18 جمادى الآخرة 1438هـ