بأسلوبها المتفائل الممزوج ببراءة الطفولة وفرحها المجلل، أطلت لوحات الفنانة ضوية العلويات على الجمهور من خلال معرضها «سيناريو» المقام في هند جاليري بالمحرق في الفترة ما بين 7 و 23 مارس/آذار الجاري.
تدخل قاعات العرض لتجد اللوحات معلقة بانتظار دهشتك. الألوان المختارة بعنايةٍ وعفويةٍ لتشبه روح راسمها. الثيمات المستخدمة في كل مجموعة من التفاحة إلى النوافذ، إلى الأزقة الضيقة والسلالم المنزلية في العتبات الخارجية والأبواب التي اختيرت بدقة. كلها تشي بروح مازالت تعيش ماضي القرية، بكل ما حمله من طبيعة خضراء وبيوت متلاصقة وأبواب مشرعة على الحب، وبساطة لا يتحملها واقعنا ليتجدد في لوحات الرسامين وقصائد الشعراء وأدب الكتَّاب.
تقول العلويات: «تنقلني الأحاسيس من حالة إلى أخرى، فتارة تحلق بي فوق البيوت القديمة، تأخذني بين أزقتها المفعمة بالحياة، فأسمع الحكايات هنا وهناك. وتارة تأخذني إلى حيث المساحات الخضراء وزرقة السماء ولون البحر وانعكاسات الجمال حوله. وفي المعرض هذا أراني ألتحف الورق بروحه الحية، متغشياً بألواني التي تفيض حباً للبقاء من خلال هذا التعايش الجميل الذي ينتج من تزاوج الورق باللون والتراب ومختلف الخامات».
هكذا طوّعت الفنانة فن «الديكوباج» ليكون وسيلتها لإيصال رسائلها في الحياة. الرسائل التي تحن لماضٍ لا يحمل سوى المحبة والجمال والطبيعة التي لم تدمر. تدعو إلى عودة الإنسان إلى فرحته وعفويته وجمال روحه، وذلك من خلال الخامات التي تستخدمها لتتداخل مكونة لوحة تكاد تنطق بما تريد هي قوله.
الألوان التي لم تبتعد كثيراً عن أحمر الحب بكل سطوعه، وبني التراب باختلاف درجاته، وأخضر العشب والزرع برائحته التي تكاد تصل، وأزرق السماء والأرض باتساع مداه وروعة حضوره. هذه الألوان التي تداخلت مع قصاصات صور وأوراق لا يكاد المشاهد يشعر بوجودها لحسن اختيار أماكنها ودقة توظيفها في اللوحة، أدخلت على اللوحات انسجاماً متناسقاً لا نشاز فيه.
الحاجة إلى جهة تدريبية
ضوية العلويات خريجة كلية الحقوق، لكنها تسعى على الدوام للدراسة والبحث في كل ما يتعلق بالفن والرسم والخط والتصوير، لم تملّ يوماً من التعلم ومازالت تطلب الكثير منه. تقول موجّهة رسالة عبر «الوسط» للمسئولين في البلاد: سعيتُ لسنوات إلى الدراسة والتعلم من خلال ترتيب دروس لي ولزميلاتي اللواتي شاطرنني شغف المعرفة في مختلف الجهات منذ العام 2008؛ إذ كنتُ أوفّر المعلمين لتدريبنا في نادي سند الذي استضافنا مشكوراً حتى مباريات كأس العالم، ثم في شقة بمدينة حمد وأخيراً في بيتي، لكي أتعلم كل جديد في عالم الفن، ولكن هذا السعي الفردي شاق وغير مستمر بسبب ضغوطات الحياة، ولهذا أتمنى لو أننا نجد جهة رسمية تسعى إلى توفير المزيد من الورش الفنية بشكل مستمر غير هذي التي يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى، فهي متقطعة غير مستمرة ومكلفة، ولهذا نحن بحاجة لجهة تستفيد من خبرات فنانينا عبر تشجيعهم لإعطاء الورش لمن يرغب من الفنانين الآخرين.
البوسطة شجّعني
وعن سبب تأخرها في مشاركة الجمهور ما تنتج، تقول ضوية العلويات إن انشغالاتها الأسرية كانت سبباً في تأخر ظهورها، خصوصاً وأنها ترى أن واجبها الأول هو رعاية أسرتها، مضيفة أنها كانت تشارك في المعارض الجماعية أحياناً بتشجيع من الفنان الراحل عبدالكريم البوسطة الذي كان معلّما لها في فترة من الفترات، وكان أباً روحياً يسعى إلى تشجعيها ودفعها للمشاركة دوماً. لكنها قررت منذ العام 2008 أن تلتفت لتجربتها الفنية وتنطلق من خلال التفرغ للفن، فشاركت في معارض جماعية وأقامت معرضها الشخصي الأول في مركز كانو الثقافي في العام 2015، وهي اليوم تقيم ثاني معارضها الشخصية بعد أن لاقى المعرض الأول استحسان الفنانين الكبار على حد قولها.
ابنة القرية
القرية واضحة المعالم في لوحات العلويات، ببيوتها القديمة وخضرتها ومياهها، وهو أمر طبيعي لابنة عذاري، القرية التي احتضنت العين العذبة بكل ما احتوته من «سيبان» تمر من بين النخيل، وهو ما خلّف في ذاكرة الفنانة مخزوناً بصرياً تشبعت به روحها فظهر في لوحاتها. وهو السر وراء اختيارها هذه الألوان التي عبرت لوحاتها دون غيرها.
تقول العلويات: «روح القرية ما زالت تسيطر عليّ، ولا أريد لها أن تغادرني فأنا سعيدة بها لأنها تذكرني بالطفلة التي طالما اصطادت الضفادع والأسماك الصغيرة من العيون ومشت حافية القدمين على العشب والتراب.