التطوع من القضايا العصرية التي صارت مقوماً مهماً في منظومة العمل الاستراتيجي للدول، وتمثل محور أهداف التنمية المستدامة، وعند معالجة قضايا التطوع والتفكير في تبني فكرة بناء خريطة الطريق لتنمية العمل التطوعي، ينبغي أن ندرك جملة من القضايا والمحددات المرتبطة بذلك المشروع، وأن ندرس ونشخص جوهر أبعاد مجموعة من الأسئلة التي يمكن أن تكشف مضمون جوهر محددات جملة من المؤشرات ذات البعد الاستراتيجي، في بناء مشروع مؤسس في أبعاده المنهجية للارتقاء بمنظومة العمل التطوعي، يمكن الاستفادة من أنشطته في إنجاز أهداف المشروع الوطني للتنمية المستدامة، وبالتوافق مع ذلك وبالارتكازعلى متطلبات واقع المتغيرات العصرية، هل نحن في حاجة فعلية إلى تنمية العمل التطوعي؟ وهل هناك مقدمات فعلية تشير إلى واقع الخلل في مسيرة العمل التطوع، وتؤكد ضرورة العمل في تبني فكرة بناء خريطة الطريق لتنمية العمل التطوعي؟ وأي عمل تطوعي نحن في حاجة إلى تنميته؟
وما هي متطلبات العمل الإجرائي والاداري والتنظيمي لبناء خريطة الطريق لانجاز مشروعنا الطموح، في إنجاز أهداف تنمية العمل التطوعي للمساهمة في الارتقاء بمكانة بلادنا في وسط البلدان المتقدمة والمهتمة بشكل فعلي في رعاية العمل التطوعي، بما يساهم في تحقيق هدفنا الطموح في جعل العمل التطوعي واجهة حضارية لمشاريعنا التنموية، وجعله قوة فاعلة في تحقيق الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة؟
تلك الأسئلة وغيرها تبلورت في ذهننا، ونحن منغمسون في مشاهدة ومراقبة وتمحيص مشاهد العرض الدرامي لخطوط مسيرة العمل في بناء مشروع تدشين مركز تنمية العمل التطوعي في الحفل الخاص الذي نُظم مساء الثلثاء 14 مارس/ آذار2017، تحت رعاية وحضور وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل محمد علي حميدان، بمشاركة حشد متنوع من نشطاء العمل التطوعي. وعلى رغم الملاحظات التي برزت في حينه، على منهج وطريقة العرض في إيصال فكرة رسالة القائمين على بناء خطة المشروع إلى الفئة المستهدفة، نشدد على حقيقة مهمة أن المشروع في مضمون جوهر أهدافه، مشروع طموح وإيجابي ويحظى بأهمية استراتيجية نحن في حاجة ماسة إليه، لتحريك سواكن الجمود والتراجع في ثقافة العمل التطوعي، وذلك جانب مهم ينبغي أن يكون في مقدمة أولويات أهداف القائمين على هذا المشروع الحضاري، وأن تحقيق الانجاز المؤسس في بعده التنموي والمستدام لفاعلية المشروع يحتاج إلى دراسة واقع الخلل فيما نشهده من تراجع في واقع العمل التطوعي، على رغم توافر الحصيلة الايجابية في جاهزية منظومة متنوعة الاهتمامات الوظيفية من نشطاء العمل التطوعي، في المساهمة بفاعلية في مشاريع العمل التطوعي بكفاءة مهنية عالية، وذلك يتطلب البحث عن الجوانب الايجابية والمفيدة في الإجابة المُؤسَسَة والواعية في بعدها الإستراتيجي على جملة من الأسئلة لتصحيح ذلك الواقع، والكشف على حقيقة جوهر مكامن الخلل، فهل ذلك الخلل والتراجع يكمن في ضعف المسئولية الاجتماعية والجاهزية المجتمعية في ممارسة العمل التطوعي؟ أم أن ذلك يكمن في مواقع أخرى ينبغي الكشف عن جوانبها في عمق منظومة العمل الإداري والقانوني المنظمة لنشاط العمل التطوعي؟ وفي ذات السياق يتطلب أيضاً قراءة محددات منهجيات الفهم الصحيح في إدارة العمل التوجيهي والتنظيمي، المرتكز على مبدأ الشفافية والمهنية والحوكمة الرشيدة في قراءة ومعالجة وحل المعضلات التي تواجه العمل التطوعي، ويمكن أن تواجهه في المراحل اللاحقة.
مركز تنمية العمل التطوعي انطلقت بوادر تأسيسه في شهر يوليو/ حزيران2016 بناء على القرار الوزاري رقم (52/د) لسنة 2016 الصادر بتاريخ 31 يوليو/ حزيران2016، ويرتكز في بعد استراتيجية عمله على رؤية طموحة (نحو تعزيز ودعم وتمكين العمل التطوعي للمساهمة والمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية) ويتبنى رسالة مؤسسة في أبعادها يجري في مضمون جوهرها تحديد مؤشرات العمل لإنجاز أهداف المشروع، إذ تشير إلى أن المركز يعمل (على تفعيل واستثمار طاقات المتطوعين لسد فرص التطوع في القطاعات الثلاثة العامة والخاصة والأهلية) وتحقيقاً لمحددات مضمون جوهر الرؤية، ورسالة المشروع حددت أهداف المركز في رصد الأعمال التطوعية التي يحتاج اليها المجتمع، وتحفيز الشباب على الاستفادة من طاقاتهم ومواهبهم، وأوقات فراغهم في العمل التطوعي، وتشجيع كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة العمل التطوعي، وتقييم قدرات الراغبين في العمل التطوعي، وتحفيزهم على الكشف عن مواهبهم، وتحفيز المنظمات الأهلية على استقطاب الشباب والراغبين في العمل التطوعي، ورصد فرص التطوع، وإقامة الدورات وورش العمل المختصة للراغبين في العمل التطوعي، وتوجيه الراغبين في العمل التطوعي وفقاً لمتطلبات البيئة المجتمعية المحيطة، وإقامة الفعاليات والبرامج التثقيفية التي تسهم في نشر ثقافة العمل التطوعي، وطرح مبادرات تطوعية، وتجسيداً لما يجري تبنيه من أهداف، حُددت اتجاهات مهام عمل المركز في 4 اتجاهات رئيسية، تمثلت في رصد وادارة وتنمية فرص التطوع، وتسجيل المعلومات وقواعد البيانات، والتنسيق والمتابعة والتقييم، والتدريب والتطوير.
المشروع في بعده الاستراتيجي يجسد الطموح الوطنية في تفعيل طاقات المجتمع، والارتقاء بفاعلية العمل التطوعي في إنجاز المشاريع التنموية لمملكة البحرين، ويعزز نهج المشروع الدولي في بناء منظومة مؤسسة للعمل التطوعي يمكن أن تساهم في إنجاز الأهداف الدولية والوطنية للتنمية المستدامة، التي هي في حاجة إلى طاقات وابداعات المتطوعين لتفعيل جوهر مضامينها في الواقع الملموس، ضمن مشاريع العمل التطوعي، والتمكن في تعزيز مخرجات أهداف التنمية المستدامة المتداخلة في مقومات بعدها الإستراتيجي في منظومة الحياة الانسانية، وفي مقومات الأمن المعيشي للمجتمعات البشرية، ويتطلب ذلك إيجاد البيئة الحاضنة لتلك الجهود، وذلك ما يجري التأكيد عليه في المبدأ (44) في مبادئ ريو+20، إذ يشدد على أن المجتمع الدولي يسلم «بدور اﻟﻤﺠتمع المدني وأهمية تمكين كافة أفراد اﻟﻤﺠتمع المدني من المشاركة الفعلية في التنمية المستدامة» ويعترف «بأن تحسين مشاركة اﻟﻤﺠتمع المدني يتوقف، في جملة أمور، على تعزيز فرص الحصول على المعلومات، وبناء قدرة اﻟﻤﺠتمع المدني وكذلك ﺗﻬيئة بيئة تمكينية».
الشراكة والتنظيم المؤسس والدقيق والشفافية والالتزام بثوابت الحوكمة الرشيدة في إدارة تنفيذ خطة عمل المشروع ثوابت مهمة، من الطبيعي أن تكون في مقدمة أولويات متابعات المنظمات الأهلية والجماعات الناشطة في حقول العمل التطوعي، لذلك القائمين على المشروع تواجههم مهمة ليست بسيطة في تأكيد كفاءة وصدقية العمل في إنجاز الأهداف، ولذلك على رغم الأهمية الاستراتيجية في الاعلان عن تدشين المشروع ينبغي على القائمين في إدارة خطة عمل المشروع الإجابة في المرحلة المقبلة على سؤال استراتيجي ومهم ضمن خريطة العمل التنفيذي للمشاريع التنموية التي يجري تبنيها، لتعزيز ثقة الجهات المسئولة والمعنية، ونشطاء العمل التطوعي في جدوى وجود المركز، ويتمثل السؤال الذي ينبغي إدراكه الحرص في إنجاز الأهداف، وماذا بعد الإعلان عن تدشين مركز تنمية العمل التطوعي؟
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5305 - الخميس 16 مارس 2017م الموافق 17 جمادى الآخرة 1438هـ