العدد 70 - الخميس 14 نوفمبر 2002م الموافق 09 رمضان 1423هـ

معان... والاختبار الصعب

في ضوء المواجهات الأخيرة

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

مدينة معان في الاردن التي شهدت صدامات مسلحة دامية بين قوات الامن والأهالي، ارتبط اسمها بمحطات مهمة في التاريخ الاردني الحديث وفي السنوات القليلة الماضية مثل انتفاضة الخبز في العام 1996. تقع معان جنوب المملكة الأردنية الهاشمية، وتبعد عن العاصمة عمان مايقرب 215 كم وهي منطقة صحراوية منبسطة سكنها عبر التاريخ العرب الرحل من منطقة الجزيرة العربية وتقع فيها بعض ألآثار التاريخية. كانت معان ملتقى قوافل التجارة وملتقى جيوش فتوحات المسلمين إذ كانوا يعسكرون فيها قبل الانطلاق، كونها محطة تتوسط الجزيرة العربية وبلاد الشام وفلسطين. اعتمد سكانها عبر التاريخ وهم من البدو على التجارة وتربية الماشية. مجتمع معان محافظ جدا وهو مجتمع عشائري متماسك. ولم يعرف التاريخ أن حصل اقتتال بين أي فئة من فئات القبائل في معان التي ينتمي سكانها الاصليون الى عشيرتين كبيرتين وهما «كريشان» ويتفرع منها الهوارين، الهلالات، مرعي والعقايلة. والعشيرة الثانية هي «الفناطسة» التي يتفرع منها خطاب، هارون،البزايعة،جرار والجمالي.

ويوجد فيها عشائر يعود أصولها الى الشام. مثل المحاميد من درعا بسوريا، آل الحصان، القرامسة، المحتسب ، ابو الفيلات والتلهوني.

وقد انصهرت هذه إلعشائر في بوتقة البادية وهم نواة التركيبة ألسكانية للمجتمع في معان وما حولها من بوادي.

كانت مدينة معان تعتبر في مطلع القرن العشرين العاصمة الأولى، وعندما اعلن شريف مكة الحسين بن علي ثورتة العربية الكبرى على الاتراك في 1914، بدأت القبائل في كافة المناطق تؤازره. ثم أوفد ولده الأمير عبداللة الى معان في العشرين من تشرين ثاني عام 1920 ومكث فيها ستة أشهر. وبدأت قبائل العرب من كل مكان تبايعه ضد الأستعمار التركي الذي كان يمتلك أكبر حاميات قواته وخط ألسكة الحديد في معان. وبعدها انتقل ألأمير عبدالله من معان إلى العاصمة عمان ليكون الملك ألمؤسس للمملكة الأردنية الهاشمية وجيشها العربي الذي التحق به أبناء هذه المدينة ألمخلصون لملكهم. ولم يعرف أن شكلت حكومة في الأردن إلا وكان من وزرائها من أبناء تلك المدينة.

في بداية الحرب العراقية الايرانية عمل سكان معان على سيارات النقل الكبيرة ما بين خليج العقبة وبغداد . وكان حوالي 60 % من ابناء معان يعملون في شركات النقل الكبيرة والتخليص، مما رفع من مستوى معيشة مواطني المدينة لينعكس على المملكة وعلى معان وسكانها خلال تلك الحرب. ومع نهاية الحرب بين العراق وإيران عام 1988، بدأ مؤشر الحالة المعيشية يتراجع بشكل كبير لتتدنى نسبة دخل ألفرد . وتتحول أساطيل من مركبات لشحن الى مجرد سيارات تتوقف أمام بيوت أصحابها. وبدأت الكثير من شركات ومكاتب التخليص والنقل تغلق أبوابها، لينعكس سلبا على كافة مناحي الحياة وقطاعاتها في هذه المدينة من صحة وتعليم وبنية تحتية ولم تستطع حكومة زيد الرفاعي من معالجة هذا الفراغ أو على الأقل توظيف أبناء تلك المحافظة أو إيجاد شواغر لسد هكذا فراغ.

وكانت الصدمة لأبناء معان هو ارتفاع اسعار الرغيف عام 1989 نتيجة إلغاء الدعم الحكومي عن الدقيق، مما أثار غضب وسخط الشارع في معان لتتحول الى أعمال عنف حطم خلالها المتظاهرون كل ما له علاقة في مؤسسات الدولة . ولم تهدأ تلك الأحداث ألدامية والتي كانت قد بدأت تنتشر من مدينة الى أخرى... إلا بإستقالة الحكومة.

بعد حرب الخليج الثانية1991 ارتفعت نسبة البطالة في المدينة الى معدلات كبيرة مما حدا بالكثير من شباب معان إلى اللجوء الى التهريب وخصوصا تهريب ألأسلحة الى الحد الذي أصبح كل بيت من بيوت المدينة تقريبا يضم مجموعة من قطع السلاح الذي انتشر بشكل مخيف.

وفي هذه الفترة ايضا، بدأ السخط يتنامى في اوساط سكان المدينة جراء قلة الخدمات المقدمة من الحكومة وكثرة الوعود لتحسين أحوال الناس دون نتيجة ملموسة وبدأ احساس عدم الثقة يتنامى في اوساطهم حيال كل الحكومات المتعاقبة. في عام 1996 تفجرت الاحداث مرة اخرى هذه المرة تحت مسمى تظاهرات الخبز وامتدت لباقي محافظات الجنوب لكن بقيت المشاكل الاساسية التي يعانيها اهل معان من دون حلول.

وفي الوقت الذي عاشت فيه الكثير من الدول العربية ظاهرة الإسلام السياسي، كانت الأحزاب الإسلامية في الأردن تعمل بصورة منسجمة مع باقي التيارات الاخرى وتطرح وجهات نظرها بشكل بعيد عن التشدد وكما قال العاهل الأردني الراحل الملك حسين في نهاية الثمانيات «ان الإسلام اكبر من ان نرجع له بل نحن في الاردن نرتقي اليه».

بهذا المفهوم تعايش التيار الإسلامي مع ظروف الاردن التي قدرت له بحكم موقعة القريب من دائرة الحدث في الاراضي المحتلة وازمة العراق منذ بداية التسيعنات التي اثقلت كاهل الاردنين في كثير من المراحل لكن بقي التعامل معها ضمن اطار معتدل لم يتجه للعنف يوما.

لكن يبقى التساؤل، هل هناك من جهة تحاول الاستفادة من ظروف اهل معان الاقتصادية الصعبة لتخلق حالة من التغيير في المسرح السياسي الاردني تحت مسمى اسلامي؟ ام ان الامر لا يتعدى سوى عصابات من مهربي السلاح عادوا الى حرفتهم القديمة عبر الصحراء؟.

مهما كانت التساؤلات فلقد استطاعت معان ان تضع التجربة الديمقراطية في الاردن في اختبار صعب كما استطاعت في مطلع القرن الماضي ان تغير مسار الثورة العربية

العدد 70 - الخميس 14 نوفمبر 2002م الموافق 09 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً