بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945) سيطرت الدول الاستعمارية على سياسة العرب الخارجية، وبذلك لم تتمكن من مساعدة حركات التحرر العربية، للتخلص من الاحتلال والسيطرة الاستعمارية، أو نيل الاستقلال إلا في بداية الستينات من القرن العشرين. عند انطلاقة الثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف الحسين بن علي (شريف مكة)، حاربت الميليشيات العربية الاستعمار التركي والانجليزي والفرنسي والايطالي، وحارب أبناء شريف مكة الهاشمي الدولة العثمانية بمساعدة لورانس العرب، حتى استولى ابنه فيصل على حكم سورية والعراق وابنه عبدالله على حكم شرق الأردن. إلا أنه وبسبب ضعف السياسة الخارجية العربية، تعرضت جيوش الأمة العربية التي كانت تحارب الجيش العثماني، إلى هزيمة منكرة بسبب خيانة بريطانيا لقائد الجيوش العربية علي بن الحسين بن علي (الابن الأكبر للشريف)، ولم تسلمه الأسلحة الموعودة، وبذلك قضى نحبه في تلك المعركة. إذا يرجع ضعف السياسة العربية في تلك الحقبة إلى العوامل الآتية:
1- فقدان الأمة العربية بأسرها الثقة في قادتها، وهم آنذاك أبناء شريف مكة وسياستهم الخارجية المهادنة للقوى الاستعمارية، الأمر الذي نتج عنه تربص المستعمرين الانجليز والفرنسيين بالأمة العربية لاقتسام ثرواتها، وتم بالفعل اقتسام الانجليز والفرنسيين الهلال الخصيب فيما بينهم بعد توقيع بريطانيا وفرنسا اتفاق سايكس - بيكو. اما بقية العالم العربي فتم تقسيمه على النحو الآتي: دول شمال افريقيا والشام للفرنسيين، السودان ومصر ومنطقة الخليج والجزيرة العربية للإنجليز. وبذلك تحكمت القوى الاستعمارية بالأراضي العربية غير المستقلة، وبهذا لم يكن للعرب أي تأثير يذكر في السياسة الدولية لوقوعها تحت تأثير الحماية البريطانية أو الفرنسية.
2- وعندما وعد بلفور (1919) اليهود بأرض لهم في فلسطين، حاربت المليشيات الفلسطينية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقاومت استيلاء اليهود على الأراضي الفلسطينية، إلا أن التآمر الاستعماري على الأمة العربية سمح لليهود باغتصاب فلسطين بأكملها في (1948) بقرار من الأمم المتحدة، يقسم فلسطين بين اليهود والعرب. كما ان اعلان دولة اسرائيل يعتبر أول نكسة وفشل حقيقي للسياسة الخارجية العربية على الاطلاق.
3- ضعف الخلافة العثمانية (الرجل المريض)، أعطى المجال للقوى الاستعمارية لإدارة السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا وفقا لمصالحها الذاتية، في الوقت نفسه، فإن تخلف الدولة العثمانية المهيمنة على ثروات الأراضي والبلدان العربية فرض حكما ظلاميا جاهلا ودمويا صلفا على رقاب الشعوب العربية. الأتراك لم يكترثوا بتعليم الأجيال العربية أو تنمية الوعي الثقافي أو رفع الحال الاقتصادية والاجتماعية للأمة العربية، بطبيعة الحال حلت الظلامية على حضارة البلدان العربية حتى انتهاء الحكم التركي.
4- في المغرب العربي كان فساد الوالي التركي (الداي) أحد أهم أسباب تخلف السياسة الخارجية لبلدان المغرب العربي، الذي نهض ثقافيا واقتصاديا وعلميا على يد الامام ادريس حفيد الامام الحسن بن علي (رض). تحالف الدايات مع الفرنسيين والأسبان كان سببا رئيسيا لسيطرة تلك القوى الاستعمارية على المنطقة.
شعار القومية العربية لم يخدع السياسة الخارجية
ربما النجاح الوحيد الذي استطاع العرب تحقيقه من رفع شعار القومية العربية هو إنشاء رابطة الجامعة العربية، لتعبد الطريق لمشروع الوحدة العربية الكبرى في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (في 22 مارس/آذار 1945) وتعيين عزام باشا، أول أمين عام للجامعة العربية، (الدول المؤسسة هي: مصر، سورية، لبنان، العراق، السعودية، واليمن). من أهداف إنشاء الجامعة العربية: تقوية وتنسيق السياسات الخارجية، إقامة تعاون مشترك في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، والدفاع المشترك عن أمن أية دولة عربية تتعرض للهجوم من أية قوة أجنبية (اتفاق الدفاع المشترك). الجامعة عاصرت حقبة الاستعمار وحركات التحرر العربية التي كانت الجامعة العربية مؤيدة لها. ومن انجازاتها: بعث روح الشعور القومي العربي، ودعم نضال البلدان العربية ضد الاستعمار، ما نتج عنه استقلال جميع البلدان العربية.
من هنا لابد من التأكيد أن انشاء العرب لمنظمة تجمعهم سياسيا كان مقدمة لمشروع الوحدة العربية الكبرى، إلا أن شعارات القومية العربية باعتبارها مرجعية وثوابت ودوافع للوحدة العربية، لم تخدم السياسة الخارجية العربية ولم تشهد نجاحا في التأثير على العلاقات الدولية أو إظهار العرب بوصفهم محورا سياسيا مؤثرا في السياسة الدولية.
الحركات القومية استمدت قوتها من الشعارات القومية، وامتدت إلى البلدان العربية خلال الفترة من 1950 إلى 1962، قبل ذلك كان الاسلام هو المحرك والدافع للحركات التحررية، كما حدث في مصر وفلسطين وشمال افريقيا والشام والعراق والجزيرة العربية وبعض البلدان الافريقية. إلا أن ازدياد البعثات الطلابية العربية إلى دول الغرب، رفع من مستوى الوعي السياسي العربي، وغيّر من اتجاهات المفكرين العرب السياسية، الذين تأثروا بالفكر القومي والاشتراكي للفلاسفة والمفكرين الأوروبيين. في مصر تبنى عبدالناصر الفكر القومي وبعث الحماس القومي في الجماهير العربية لمحاربة الاستعمار والرجعية (الاتجاه الاسلامي) وأصبح بطلا للقومية العربية. كذلك كانت أفكار ميشيل عفلق (المسيحي) وصلاح البيطار (المسلم) القومية المستوحاة من الفكر القومي الفرنسي، مثار جدل واسع في أوساط المثقفين العرب عندما أسسا حزب البعث العربي. ونجاح انتشار الحزب يرجع إلى دقة تنظيم خلاياه، ما جعل الجزب من أكثر الأحزاب العربية القومية شعبية وانتشارا من الشرق إلى الغرب العربي.
الأحزاب القومية والاشتراكية العربية ساهمت بفعالية في النضال ضد الاستعمار، إلا أنها في الوقت نفسه قسمت الأمة العربية، وتخلت معظم البلدان العربية التي توصف بالرجعية عن فكرة بعث الأمة العربية من جديد، مما أجج الصراع بين الزعيمين المرحومين جمال عبدالناصر (القومي) والملك فيصل (الإسلامي)، وهذا الخلاف سبب شرخا لا يمكن إصلاحه في السياسة الخارجية العربية لتناقص خط سياسة الطرفين الخارجية (خط قومي وخط اسلامي). إلا أن هزيمة إسرائيل للعرب في العام 1967، سنحت لتحرك السياسة الخارجية العربية مرة أخرى، بعد إدراك الشعوب العربية الخطر الذي يهددها، والمصير المشترك الذي يربطها، ضمن إطار المصالح المشتركة. نظرية بول سيبوري عن المصالح القومية تنطبق على وضع البلدان العربية، قال سيبوري: «إن الايمان بوحدة العقيدة يحقق هدف المصالح القومية العليا وهي مصالح قومية مشتركة لشعوب العقيدة الواحدة». مع ذلك لم تتوحد السياسة العربية الخارجية.
تطور مفهوم السياسة الخارجية
تطور مصطلح السياسة الخارجية منذ ان استخدم في القرن الثامن عشر، وكان الهدف من تطبيقه عالميا، منع الحرب بين القوى المتصارعة والمتنافسة في أوروبا. وبعد تعب القارة الأوروبية من الحرب ظهر مصطلح آخر أطلق عليه (توازن القوى) في الفترة من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. أما في القرن الواحد والعشرين فإن العالم سيطر عليه نظام القطب الواحد، وأطلق جورج بوش الأب على هذا التغير في العلاقات الدولية مصطلح «النظام العالمي الجديد» بعد ان كانت العلاقات الدولية وفقا لتوازن القوى بين قطبين هما: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
تدعي الأنظمة المخترعة للهجة المصطلحات انها تهدف من وراء ذلك إلى خدمة السلام العالمي. لكن الواقع هو ان توازن القوى يطبق عندما لا تتمكن دولة واحدة أو تحالف من الدول من مهاجمة دولة أخرى أو تحالف منافس (سياسة الردع). السؤال المطروح هو أين موقع العرب في اللعبة السياسية الدولية؟ بالطبع لا شيء البتة. الواقع إن العرب على رغم تجمعهم في تحالف سياسي يسمى الجامعة العربية فإن ذلك التحالف غير مؤثر في اتجاهات السياسة الدولية. ففي الفترة الاستعمارية كانت القوى الاستعمارية هي التي تحدد اتجاهات السياسة الخارجية العربية، وفي حقبة توازن القوى انقسمت البلدان العربية بين مؤيد للمعسكر الشرقي وبين مؤيد للمعسكر الغربي، ولم تملك البلدان العربية سياسة مستقلة .
وفي حقبة النظام العالمي الجديد، أصبح كل العرب مهمشين يسيرون في فلك السياسة الاميركية المهيمنة على العالم.
العلاقات الدولية تطورت أيضا، منذ العام 1814 إلى العام 1815، عندما اجتمع القادة الأوروبيون في فيينا واتفقوا على قواعد جديدة لإدارة العلاقات الدولية (الاتفاق الأوروبي) للحفاظ على السلم الأوروبي، وهو اتفاق يهدف من بين أمور أخرى، إلى توزيع المستعمرات واقتسام الدول الضعيفة واستغلال خيراتها.
من ناحية أخرى، لم تتفق تلك الدول على حصص اقتسام ثروات المستعمرات، الأمر الذي نتج عنه اندلاع حربين عالميتين مدمرتين (1914 و1939). بعد الحرب العالمية الأولى في العام 1920 شرعت بلدان أوروبا الشرقية والغربية في البحث عن صيغة للأمن الجماعي، فأنشئت عصبة الأمم المتحدة للمحافظة على السلام العالمي، إلا أن الاطماع الاستعمارية للدول المؤسسة كانت السبب في فشل العصبة، واندلاع الحرب العالمية الثانية وبذلك تطلب من جديد البحث عن صيغة أخرى للأمن الجماعي والمحافظة على السلام العالمي، وعلى ذلك الأساس أنشأت البلدان المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وبعض البلدان العربية والأجنبية شبه المستقلة، هيئة الأمم المتحدة العام 1945 بوصفها ملاذا أخيرا للسلم العالمي. لكن نظرية الأمن الجماعي أصبحت مهددة في ظل انقسام العالم إلى معسكرين: شرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي وغربي بزعامة الولايات المتحدة.
بطبيعة الحال فكر الطرفان في أسلوب للردع يمنع الحروب وذلك بتحالف المعسكر الشرقي في حلف وارسو 1955، والمعسكر الغربي بزعامة اميركا بعد تقسيم ألمانيا في العام 1949 في حلف الناتو (شمال الأطلسي). إنشاء الحلفين كان بداية لـ «الحرب الباردة» وما يعرف بسياسة الردع، عن طريق سباق التسلح لمنع وقوع حرب عالمية ثالثة. إلا ان انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار دول التحالف الشرقي نتج عنه النظام العالمي الجديد بعد حرب الخليج الثانية، واستفراد أميركا بالسياسة الخارجية العالمية والسيطرة عليها بأحكام بعد حوادث 11 سبتمبر/ ايلول 2001 البلدان العربية اكتسبت موقعا استراتيجيا في ثلاثينات القرن العشرين باكتشاف مخزون كبير للنفط في الجزيرة العربية، واتجهت الأنظار إلى المنطقة الغربية بسبب غنى مخزونها النفطي فكانت محور السياسة العالمية الاقتصادية. الغريب في الأمر ان العرب في تلك الحقبة لم يمتلكوا نفطهم. وبعد ان تملكوا النفط في مطلع سبعينات القرن العشرين بدأت القوى الكبرى في وضع الخطط الجهنمية للسيطرة على النفط العربي، وإبقاء المنطقة مشتعلة بشكل دائم ومقسمة وغير مستقرة بزرع دولة اسرائيل على أرض فلسطين وفي قلب العالم العربي. دور إسرائيل بدا واضحا لخدمة السياسة الخارجية للقوى الاستعمارية، وبفضل وجود اسرائيل شهدت المنطقة حالات عدم استقرار، بعد ذلك توالى افتعال الحروب العربية الاسرائيلية التي بلغ عددها ثلاث، غير الحروب الاهلية في كل من الأردن ولبنان، بالاضافة إلى غزو شارون الأراضي اللبنانية، حتى حربي الخليج الأولى والثانية ومحاولة شن حرب أخرى على العراق بحجة امتلاك اسلحة الدمار الشامل، على رغم امتلاك اسرائيل لتلك الاسلحة.
الدبلوماسية
عندما نتحدث عن الدبلوماسية نتساءل: هل يملك العرب كوادر دبلوماسية مدربة وذات كفاءة في عملها لتطوير أساليب السياسة الخارجية التي تعتمد على المناورة؟ قبل مناقشة ذلك يجب ان نعرف الدبلوماسية. الدبلوماسية بحسب معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية ومعاهدة جنيف للعلاقات القنصلية، تعرف بأنها ذلك العمل اليومي الذي يقوم به السفراء والدبلوماسيون بين بلدهم والبلد المضيف. وهم يقومون بإعداد المعاهدات وخدمة مواطنيهم في الخارج.
1- اسلوب تعيين السفراء في بعض الدول العربية هو سبب ضعف السياسة الخارجية العربية. السفراء يعينون في بعض الحالات للتخلص منهم باعتبارهم خصوما سياسيين خطيرين مناوئين للنظام، ويتم ابعادهم للتخلص من انشطتهم السياسية المناوئة للنظام، وفي حالات اخرى يعين عسكريون سفراء لبدانهم إما لكونهم خدموا في المخابرات العامة ومحسوبين على النظام ويكافأون بتعيينهم في هذا المنصب، او لابعادهم حتى لا يخططوا لانقلاب عسكري يطيح بالنظام. الامر يختلف في كل من بريطانيا واميركا.
2- لا تطبق معايير دولية معمول بها في اختيار الدبلوماسيين في البلدان العربية للارتقاء بمستوى العمل الدبلوماسي العربي وكفاءة الدبلوماسي. في الدول الديمقراطية المتقدمة لا يتم اختيار الدبلوماسي إلا بعد اجراء سلسلة من الاختبارات الشفهية والعملية في المهارة: من اختبارات في الذكاء، حسن التصرف، الكفاءة، والقدرة، إلى المقدرة على التحدث بلغتين او اكثر والتحكم في الاعصاب والقدرة على الاقناع والمناورة والمبادرة، والثقافة العامة، بالاضافة إلى اختبار معلومات المتقدم في علوم: المنطق، الاجتماع، الاقتصاد، الجغرافيا. وفي كل وزارة خارجية ينشأ معهد للتدريب على اعمال الخدمة الخارجية، بعد ذلك يتم تعيين الخريجين في درجة ملحق بعد تخرجهم.
3- عدم احتراف الدبلوماسيين العرب، فبعض الدول تعين سفراء من مستوى سادس ابتدائي، ولا يمكنهم إدارة العلاقات الثنائية لأنهم لا يفقهون في لغة البلد المضيف ولا يتمتعون بثقافة عامة راقية او بحس حضاري مطلوب للدبلوماسي الناجح المطلع على حوادث العالم السياسية والاقتصادية.
4- عدم القدرة على المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الدولية أو مؤتمرات القمة او الندوات والاجتماعات المحلية، أو الاجتماعات المتعددة الاطراف أو الاجتماعات البرلمانية الدولية لعدم الكفاءة. كما ان المبعوثين العرب لا يجيدون اللغات العالمية الحية للاشتراك في لجان الصوغ التي عادة ما تكون إما بالانجليزية أو الفرنسية.
5- عدم القدرة على المشاركة في حفلات الاستقبال الرسمية أو إلقاء خطاب ارتجالي او خطابات المجاملة او الاندماج في مجتمعات المؤسسات المدنية للبد المضيف، لعدة اسباب: الجهل التام بحضارية البرتوكول الدبلوماسي العالمي الذي يعتمد على الفراسة والاتيكيت (الذوق) وحسن التصرف اللبق.
6- بعض الدول العربية تعتبر السفير عاملا مكتبيا او مراسلا يوصل الخطابات عن العلاقات الثنائية، ولا يسمح له بالقيام بأية مبادرة فردية لتدعيم العلاقات الثنائية من دون الرجوع إلى وزارة الخارجية.
7- مندوبو مؤسسات المجتمع المدني العرب، يتفوقون كثيرا على الدبلوماسيين العرب لعدة اسباب منها: الخبرة، العلم، المعرفة، التصرف الحضاري، والكفاءة. لذلك يحقق هؤلاء المندوبون نتائج باهرة عندما يحضرون اجتماعات المنظمات غير الحكومية. عادة ما يكون هؤلاء المندوبون من قطاع العمل التطوعي المدني، وهو الدافع لهم لتحقيق المزيد من الانجازات.
8- لا يعين الرجل المناسب في المكان المناسب، فتجد اسلاميا راديكاليا يعين في باريس ويجهل لغة ذلك البلد وحضارته، بينما يعين الليبرالي المخضرم في دولة من دول العالم الثالث المتخلف، وبذلك لا تستفيد الدولة من خبراته في تلك المنطقة. في اكثر الاحيان يعين السفير للترفيه عنه في بلد متقدم بدعم من اصحاب النفوذ من دون اعتبار لكفاءته او خبراته في العمل الدبلوماسي.
الحقيقة ان احد اهم ضعف السياسة الخارجية العربية، عدم قدرة الدبلوماسيين العرب على ادارة المفاوضات والنقاش داخل الغرف المغلقة. لذلك فإن القوى الكبرى تضع لهم مسودة القرار، والصيغة، حتى تدربهم على كيفية التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة او مجلس الامن، وبذلك يفقدون القدرة على حل مشكلات بلدانهم، او التأثير على مواقف الدول الاخرى في إطار المؤسسات الدولية المتعددة الاطراف. وترسل الحكومات غالبا ممثلين إلى البلدان الاخرى ويمكن للطرف الثالث ان يسمى الوسيط، وهو الذي يرسل إلى طرفين متنازعين للتوسط لحل الخلاف بين الدولتين. لم يظهر وسطاء عرب دوليون مشهورون غير الاخضر الابراهيمي الذي توسط بين اميركا وايران في العام 1979 لحل ازمة احتجاز الطلبة الايرانيين للدبلوماسيين الاميركان.
توحيد السياسة الخارجية العربية
على رغم تناقض المعتقد الاستراتيجي واختلاف النظم السياسية العربية لاكثر من 22 بلدا، فإن بقاءهم تحت لواء منظمة سياسية عربية كالجامعة العربية على رغم عدم فعاليتها، يعد انجازا سياسيا نعترف به للعرب. إلا ان هذه الجامعة لم تحقق اي نجاح او انجاز مميز في العلاقات الدولية، ولم تستطع تعزيز وتطوير دور السياسة الخارجية العربية، لاثبات وجودها بوصفها قطبا دوليا مؤثرا في العلاقات الدولية يحسب له ألف حساب، على رغم تحالف 22 بلدا مستقلا ذا سيادة. كما اننا لم نشهد خطوات عملية لتفعيل السياسة الخارجية العربية حتى تتمكن من تجسيد هدف الوحدة العربية. عجز العرب يبدو واضحا من عدم قدرتهم على الدفاع عن اي دولة شقيقة تتعرض للغزو العسكري او الاحتلال كما حدث للبنان وليبيا والكويت والسودان والصومال والآن العراق. ليس هذا فحسب، بل ان هذه الدول تجد نفسها عاجزة عن انقاذ الشعب الفلسطيني من ظلم ووطأة الاحتلال الاسرائيلي للفلسطينيين. بطبيعة الحال لم تعلن الدول العربية الحرب المقدسة على اسرائيل لانقاذ المقدسات الاسلامية. ولم تطبق تلك الدول الاتفاقات والمعاهدات الموقعة، لتنظيم التعاون الدفاعي الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي فيما بينها (اتفاق الدفاع المشترك الموقع في 31 نوفمبر/ تشرين الثاني 1950) وتنوع انظمة البلدان العربية والتوزيع غير المتساوي للثروة، والمشكلات الطائفية، وظهور الأصولية الاسلامية والمسيحية، واختلاف المصالح. ومن العوائق التي حالت دون تحقيق وحدة السياسة الخارجية العربية الآتي:
1- الخلافات العربية العربية وازمة ترسيم الحدود فيما بين الدول العربية.
2- عدم قدرة البلدان العربية على حسم النزاع مع اسرائيل وحماية الشعب الفلسطيني من البطش الاسرائيلي.
3- توقيع انور السادات اتفاق سلام مع اسرائيل (كامب ديفيد) في 26 مارس 1979، احدث شرخا في الامة العربية نتج عنه مقاطعة البلدان العربية لمصر ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وتعيين الشاذلي القلبي (تونسي) امينا عاما للجامعة العربية. إلا ان مصر اعيدت إلى الجامعة العربية العام 1990 بمبادرة من دول الخليج بعد تأييد مصر لبغداد في حربها ضد ايران.
4- الحرب العراقية الايرانية قسمت العرب إلى قسمين: قسم مؤيد للعراق، ويجمع كل من دول الخليج والعراق والاردن ومصر واليمن، وقسم معارض يجمع كل من سورية ولبنان وليبيا.
5- غزو العراق للكويت في العام 1990، قسم البلدان العربية ايضا إلى مؤيد لبغداد (الاردن واليمن وبعض دول المغرب العربي) ومعارض لبغداد (دول الخليج ومصر وسورية والمغرب). والأخير انضم إلى التحالف الدولي بقيادة اميركا لطرد العراق من الكويت، الامر الذي لزم توقيع معاهدات دفاع مشتركة مع اميركا ابقت القوات الاميركية في منطقة الخليج إلى يومنا.
صدقية الدول العربية في الميزان لضعف ادائها في الامم المتحدة، فبعد انشاء المجموعة العربية في الامم المتحدة، لم تستطع المجموعة حتى الآن تقديم مشروع قرار لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، او تكوين مجموعة نشطة تتصل بالمندوبين لاشراكهم في مشروعات قراراتهم (لوبينغ) كما تفعل القوى الكبرى. وبذلك لم تنشط المجموعة في حماية مصالح البلدان العربية في المنظمات الدولية المتعددة الاطراف كالعمل على انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية. من ناحية اخرى فإن ظهور جماعات اسلامية اصولية كـ «التكفير والهجرة» في مصر و«العرب الافغان» في الجزائر و«طالبان» في افغانستان ومنظمة «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن، اساءت إلى العرب والاسلام ما جعل السياسة الخارجية العربية فريسة سهلة للنفوذ الاميركي بعد حوادث سبتمبر. وكتحصيل حاصل ابقيت السياسة الخارجية العربية على ضعفها، ولم تؤسس لبناء هيكل سياسي شفاف يتفاعل مع المتغيرات السياسية الدولية. الحل يكمن في إنشاء العرب أنظمة ديمقراطية دستورية، تعمل بشفافية المحاسبة والمراقبة على الاموال العامة وفصل القضاء وإلغاء المحسوبية في التعيينات
العدد 70 - الخميس 14 نوفمبر 2002م الموافق 09 رمضان 1423هـ
أبو الفضل
الموضوع يطرح إشكالية هامة جدا، ولكنه للاسف مليئ بالأخطاء والمغلطات