ما هي الذرائع التي استخدمتها المنظمات والهيئات الأميركية الموالية للدولة العبرية للاعتراض على بعض مشاهد المسلسل التلفزيوني المصري «فارس بلا جواد»؟
يمكن حصر الاعتراض في ثلاثة بنود: الأول، الاعتماد على «بروتوكولات حكماء صهيون» كمصدر لقراءة فترة زمنية تاريخية. الثاني، تشويه سمعة يهود القاهرة (جماعة المحفل) في ثلاثينات القرن الماضي ودورهم في تأسيس دولة في فلسطين بالتعاون مع الانتداب البريطاني. الثالث، تنميط صورة اليهودي واظهارها في اسلوب كاريكاتيري بشع لا ينسجم مع التوجه العام.
مجموع المشاهد لا تتجاوز 45 لقطة وهي تشكل حلقة واحدة من مسلسل يمتد على 42 حلقة. فالمسلسل كما يبدو يتحدث عن تاريخ المنطقة ويتناول محطات زمنية تبدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر (الحكم العثماني) ثم البريطاني وفترة الصراع الوطني (سعد زغلول) وتداخل التحالفات المحلية والاقليمية مع المشروعات والخطط الدولية للسيطرة على المنطقة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة لا تقوى على النهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي من دون مساندة مالية من الخارج.
اذا الاعتراض يقوم على فكرتين: الأولى تزوير التاريخ باستخدام وثيقة مزيفة. الثانية تنميط صورة اليهودي وتشويشها حتى تتكيف مع صورة الواقع. والواقع يقول إنه فعلا خلال فترة الانتداب البريطاني تم تغيير هوية فلسطين ديموغرافيا (سكانيا) لتسهيل مشروع التقسيم في نهاية فترة الانتداب. فاذا كان الاعتراض على الصورة صحيحا من الناحية الفنية فإن الواقع يشير إلى ما هو أبشع من الصورة. واذا كان الاعتراض على «بروتوكولات حكماء صهيون» فيه جانب من الصحة فإن ما حصل في فلسطين والمنطقة هو من الأدلة الشاهدة على كارثة حلت بشعب آمن ومسكين اختير من بين كل شعوب العالم ليدفع ثمن نص ايديولوجي انتج في أوروبا ردا على الحملات العنصرية التي تعرضت لها الأقليات اليهودية في تلك القارة.
الحركة اللاسامية اساسا حركة أوروبية وهي بدأت ضد اليهود وتوسعت لاحقا لتشمل كل من هو غريب وغير أوروبي ومن هؤلاء العربي والمسلم الموجود في أميركا وأوروبا. والحركة الصهيونية أصلا هي منظمة أوروبية تأسست للدفاع عن اليهود في أوروبا وتطورت أفكارها لتتحول إلى مشروع اقتلاع لليهود في العالم الغربي ويطالب باعادة تجميعها في فلسطين تنفيذا لفكرة (أو وعد) مستخدمة كل الوسائل حتى تحولت إلى واقع نراه يوميا على شاشات التلفزة. فأي تشويه أكثر من «اسرائيل» لسمعة اليهودي؟ فالواقع (المشاهد اليومية) الذي انتجته الحركة الصهيونية في فلسطين هو دليل كاف على رسم صورة نمطية ليست بحاجة إلى فنان مثل محمد صبحي وغيره لاظهارها على الشاشات وفي مسلسل تلفزيوني.
اذا كان محمد صبحي استخدم وثيقة مزيفة لقراءة فترة محددة لا تتجاوز 45 لقطة في مسلسله الطويل، فان مسلسل المشاهد واللقطات التي نراها يوميا وعلى امتداد أكثر من نصف قرن لا يمكن القول إنها وثائق مزورة عن حقائق تاريخية. واستخدام وسائل الاعلام الأميركية والصهيونية والاسرائيلية «فزاعة» اللاسامية ضد مسلسل تلفزيوني مصري لا يكفي للتغطية على واقع يومي نتابع فصوله وحلقاته في لقطات تلفزيونية أبلغ كثيرا من حوار درامي تم تركيبه في «استوديوهات». فاللجوء الدائم إلى اللاسامية هو نوع من الهروب الى الامام والتهرب في النهاية من الاجابة عن اسئلة التاريخ. لماذا الشعب الفلسطيني؟ وماذا فعل للأقليات اليهودية التي ظُلمت في أوروبا واضطهدت حتى يدفع ثمن جرائم غيره؟ ولماذا لا يحق لهذا الشعب أن يكون له مثل غيره دولته واستقلاله وعنوانه وجواز سفره؟
هذه الأسئلة لا يكفي أن ترد عليها وسائل الاعلام الأميركية المهيمنة كونيا بتكرار الكلام الاسرائيلي عن اللاسامية وتشويه السمعة وتنميط الشخصية. فهذا الكلام صحيح لكنه لا يكفي للرد على أسئلة التاريخ عن قضية فلسطين وسؤال الواقع.
ما يحصل في فلسطين هو الشاهد اليومي على كلام مكرر وهو ابلغ بكثير من لقطات مسلسل تلفزيوني لفارس بلا جواد أو جواد من دون فارس
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 70 - الخميس 14 نوفمبر 2002م الموافق 09 رمضان 1423هـ