استهدف تفجيران انتحاريان الأربعاء (15 مارس/ آذار 2017) العاصمة السورية بفارق اقل من ساعتين وأوقع أحدهما 32 قتيلا على الأقل، مع دخول النزاع السوري عامه السابع في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية للتوصل الى تسوية سياسية للحرب المدمرة.
دبلوماسياً، انتهت الاربعاء في استانا جولة ثالثة من المحادثات السورية برعاية روسيا وإيران حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة بدون احراز تقدم ملموس فيما غابت عنها فصائل المعارضة احتجاجا على عدم تثبيت وقف إطلاق النار في البلاد.
وفجر "ارهابي" نفسه الاربعاء في حرم القصر العدلي القديم في دمشق، وفق الاعلام الرسمي. ويضم موقع التفجير المحكمتين الشرعية والجزائية، وهو محاذ لسوق الحميدية الشهير في وسط دمشق.
وقال مصدر في شرطة دمشق لوكالة فرانس برس ان هذا التفجير "اوقع 32 قتيلاً على الاقل ومئة مصاب" بعد حصيلة اولية نقلتها وكالة الانباء الرسمية (سانا) وافادت بـ"ارتقاء 25 شهيدا".
وقال جريح ضُمدت عينه اليسرى وكان يزور القصر العدلي لإنجاز معاملة للتلفزيون الرسمي "سمعت ضجيجاً والتفت يساراً لأجد شخصاً بديناً يرتدي سترة عسكرية ويصرخ وهو يرفع يديه +الله أكبر+ قبل ان يحدث الانفجار وأقع أرضا".
ووقع التفجير الاول عند الساعة الواحدة وعشر دقائق بالتوقيت المحلي (11,10 ت غ)، قبل ان يقدم انتحاري اخر على تفجير نفسه في غرب العاصمة قرابة الساعة الثالثة (13,00 ت غ) متسببا بإصابة 25 شخصاً بجروح، وفق مصدر في شرطة دمشق.
ونقلت "سانا" ان "ارهابيا انتحاريا فجر نفسه بحزام ناسف داخل أحد المطاعم في منطقة الربوة"، كما اوضح التلفزيون ان الانتحاري فجر نفسه "بعد مطاردته ومحاصرته من قبل الجهات المختصة".
ولم تتبن اي جهة العمليتين، لكن في خطوة نادرة اصدرت حركة "احرار الشام" الاسلامية النافذة بيانا مساء الاربعاء اكدت فيه انها "تدين بأقسى العبارات التفجيرات الارهابية المجرمة" في دمشق و"تحمّل النظام السوري العميل المسؤولية الكاملة عن هذه التفجيرات".
واضافت "لقد عوّدنا هذا النظام منذ الثمانينات وحتى ثورتنا هذه على استهداف المدنيين في اللحظات الحرجة بأبشع الطرق واتهام معارضيه والثائرين عليه بهذه الجرائم بهدف كسب الشرعية الدولية في حرب ما يسميه بالإرهاب (...) ومن المفارقات أن عمليات الثوار خلف خطوط العدو تستهدف دائما تجمعاته العسكرية والأمنية، في الوقت الذي نرى أن العمليات التي يتهم بها النظام خصومه لا تستهدف إلا المدنيين".
من جهتها اصدرت "هيئة تحرير الشام" بيانا الاربعاء نفت فيه صلتها بتفجيرات دمشق، وأكدت بأن أهدافها منحصرة في الأفرع الأمنية والثكنات العسكرية للنظام وحلفائه.
ويأتي التفجيران الانتحاريان بعد اربعة ايام من تفجيرين دمويين استهدفا السبت احد احياء دمشق القديمة وتسببا بمقتل 74 شخصا، غالبيتهم من الزوار الشيعة العراقيين. وتبنت هيئة تحرير الشام (تضم جبهة النصرة سابقا وفصائل اخرى جهادية متحالفة معها) تفجيري السبت.
"المهم انتهاء الحرب"
وتزيد هذه الاعتداءات من تعقيدات النزاع الذي يكمل الاربعاء عامه السادس، بعدما انطلق باحتجاجات سلمية غير مسبوقة ضد النظام السوري، واجهتها قواته بالقمع، وسرعان ما تحولت الى نزاع مسلح تسبب بمقتل أكثر من 320 الف شخص.
وفي مدينة ادلب (شمال غرب)، أسفر قصف جوي "يرجح انه روسي" فجر الاربعاء عن مقتل "20 مدنيا بينهم 14 طفلا"، في حصيلة جديدة للمرصد السوري. ومن بين القتلى ايضا 14 شخصا من عائلة واحدة.
ويعرب عدد من المدنيين المعارضين للنظام عن خيبة أملهم مما آلت اليه الاوضاع اليوم، ومن بينهم لاعب كرة القدم عبد الله الحسين (32 عاما) الذي يقول لفرانس برس "أجمل ذكريات الثورة هي انطلاقتها"، مضيفا "لم أكن أنا او غيري نتوقع أن تصل الحال الى هنا عندما خرجنا في التظاهرات".
ويرى الشاب المقيم في محافظة ادلب (شمال غرب) "سواء انتهت هذه الحرب بحل سلمي أم عسكري فالشعب لم يعد يهمه الامر، المهم فقط أن تنتهي".
وشردت الحرب السورية أكثر من نصف سكان البلاد داخل البلاد وخارجها. اذ فرّ حوالي 4,9 ملايين من البلاد وخصوصا الى الدول المجاورة، حيث يعيش نحو تسعين في المئة منهم تحت عتبة الفقر، بحسب الامم المتحدة.
وفي ظل الحرب، يعاني السكان من عدم توفر الخدمات الرئيسية ومنها الكهرباء والمياه. وقال سكان في مدينة حلب (شمال) لفرانس برس ان خدمة المياه عادت تدريجيا الاربعاء الى معظم المدينة بعد نحو شهرين من انقطاعها، جراء تحكم الجهاديين بمضخة كانت تحت سيطرتهم قبل ان تطردهم قوات النظام منها الاسبوع الماضي.
وتحوّل النزاع في سوريا الى حرب متعددة الاطراف من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، الى الفصائل المعارضة والاسلامية المدعومة من تركيا ودول الخليج، وصولا الى الاكراد واخيرا الجهاديين.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس ان "الارادة الدولية تريد انهاء الحرب والشعب يبحث عن حل، الا ان الحروب في الداخل ستبقى مستمرة ولن تعود سوريا كما كانت في المدى القريب".
بانتظار التسوية
وفي ظل مراوحة الجهود الدبلوماسية حتى اللحظة مكانها، يعتبر الاستاذ الجامعي ومدير الابحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار انه "ما لم يتم التوصل الى حل ساسي شامل.. فان سوريا قد تبقى في حالة حرب لسنوات".
ودعا الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في بيان الاربعاء الى العمل على "تعزيز" وقف إطلاق النار، مناشداً كل الجهات المؤثرة على أطراف النزاع "تجاوز خلافاتهم والعمل معاً.. للمساهمة في انجاح المفاوضات السورية" في جنيف.
وقال ان "السلام في سوريا هو ضرورة اخلاقية وسياسية" للسوريين وللعالم.
وانتهت الاربعاء جولة ثالثة من محادثات استانا بدون تحقيق تقدم ملموس في غياب الفصائل المعارضة احتجاجاً على استمرار خرق وقف إطلاق النار، الساري في منذ 30 كانون الأول/ديسمبر.
واعتبر رئيس وفد الحكومة السورية بشار الجعفري ان غياب وفد المعارضة "استهتار بالعملية بكاملها".
وتستبق محادثات استانا جولة خامسة من مفاوضات السلام حول سوريا حددتها الامم المتحدة في 23 من الشهر الحالي.
وتاتي هذه الجهود الدبلوماسية بعد تطورات ميدانية ودبلوماسية أبرزها الخسائر الميدانية التي منيت بها المعارضة خلال الاشهر الأخيرة لا سيما في مدينة حلب، والتقارب الجديد بين تركيا وروسيا، فضلا عن وصول الجمهوري دونالد ترامب الى سدة الحكم في واشنطن وعدم وضوح موقفه من الازمة السورية.
من جهة اخرى صرح مسؤول عسكري أميركي بارز الأربعاء أن الولايات المتحدة قد تنشر ما يصل إلى ألف جندي إضافي في شمال سوريا بموجب خطط أولية لوزارة الدفاع الأميركية.
وبموجب هذه الخطط التي يتعين أن يصادق عليها الرئيس الاميركي دونالد ترامب ووزير دفاعه جيم ماتيس، فإن هذه الزيادة ستكون الأكبر لأعداد الجنود الأميركيين الذين ينتشرون على الأرض في سوريا في إطار القتال ضد الجهاديين.
وفي الوقت الحاضر فإن السقف المحدد لعدد الجنود الأميركيين في سوريا هو 500 جندي، إلا أن هذا العدد أصبح لا معنى له نظراً لأن القادة يرسلون قوات إضافية "مؤقتة" بحسب الحاجة، كما جرى الأسبوع الماضي عندما تم نشر بطارية مدفعية تابعة لقوات المارينز بالقرب من الرقة.