كشف الخبير العراقي في مجال الكتابة المسمارية قصي التركي، في لقاء مع «الوسط» عن تفاصيل تتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لشعب دلمون.
اجتماعياً، فكان حديث التركي المثير واللافت عن مكانة المرأة الدلمونية البارزة، حيث يقول «لم نعثر بشكل علمي على نص قانوني يختص بحضارة دلمون، ولكن من خلال النصوص المسمارية وطبيعة العلاقات تبين أن الزواج بأكثر من زوجة لم يكن محبذاً والزواج بزوجة ثانية له شروط، من بينها أن تكون الزوجة الأولى عقيم أو أن تكون مريضة بمرض لا يرجى شفاؤه، وفي هذه الحالة يحق للزوج أن يتزوج امرأة ثانية، وعندما يتزوج امرأة ثانية عليه أن يحترم خصوصية المرأة الأولى وتكون الزوجة الثانية بمثابة خادمة للزوجة الأولى (هكذا تذكر الإشارة)، في هذه الحالة يمكن الزواج بالزوجة الثانية» وفيما يلي نص الحوار:
حدثنا عن طبيعة زيارتك للبحرين، النشاطات والأهداف؟
- الزيارة كانت بدعوة من جمعية تاريخ وآثار البحرين، والتي هي سباقة وتكاد تكون الأولى على مستوى البحرين في الاهتمام بالتاريخ والآثار، فعبر تجربة مباشرة لي خلال عامين، أكاد أجزم أنها الراعي لتاريخ البحرين القديم (فترة دلمون).
تستمر الزيارة لأسبوعين، تتخللها ورشة تتعلق بماضي دلمون وعلاقتها بجميع الشعوب القديمة التي كانت تكتب بالخط المسماري، ويعرف المطلعون على تاريخ البحرين أن الكتابات المسمارية هي مرحلة مهمة من مراحل التاريخ القديم مرت بالعالم على مدى أكثر من 3 آلاف سنة، وكانت الكتابة المسمارية واللغة الأكدية في فترة ما، اللغة الدبلوماسية في العالم.
ففي القرن الرابع عشر سجلنا كتابات في اللغة الأكدية والخط المسماري هي المتداولة بين مناطق حضارة كل العالم القديم، والتي كانت تكتب وتتحدث بالخط المسماري واللغة الأكدية لذا جاءت أهمية التعرف على هذه الكتابات، وخصوصاً أن دلمون تمثل الجزء الأكبر والشريك الأوسط والأوحد ما بين هذه الحضارات، ولذلك اكتشفت حديثاً كتابات قديمة والعمل جاري على قراءة وترجمة كثير من الرقم الطينية والكتابات المسمارية في دلمون من أجل معرفة ماهية هذه الكتابات لأن الكتابة المسمارية تعتبر أدق وأصدق وثائق التاريخ القديم.
هذا هو الهدف من الورشة، التي ذهلت بالعدد المشارك فيها (أكثر من 25 مشاركاً).
لو عدنا للعدد المشارك في الورشة، كيف رأيت مستوى التفاعل؟ وهل وجدت بين البحرينيين من هم متجهين بالفعل للاهتمام بالكتابة المسمارية؟
- الأساس هو مسألة التكوين الأكاديمي، وفي داخلي كنت وأنا أتسلم أسئلة المشاركين أبتسم لبعض الأسئلة عن حضارة دلمون والتي يعرفها غير البحريني، وهي من بديهيات حضارة دلمون. فأنا درست في المغرب العربي وهناك يعرف المغاربة الكثير عن حضارة دلمون، فيما المشارك البحريني يسأل أسئلة تدفعني لأن أقول في داخلي إزاءها (لماذا هذا الجفاء)؟
أو بمعنى أصح لماذا هذا الجهل؟
- لا أحبذ كأكاديمي استخدام هذه المصطلحات، ولكني سألت واستفسرت، فوجدت أن أحد الأسباب يعود لتقصير المناهج الدراسية، ففي كل بلد عربي هناك منهج يخص التاريخ القديم لكل بلد.
بشكل صريح، هل وقفت على أمية لدى البحرينيين فيما يخص تاريخ دلمون؟
- نعم، وكمثال على ذلك فقد التقيت بأحد المرشدين السياحيين وحين سألته عن معنى دلمون في اللغة السومرية أقدم لغة مدونة في العالم، أجابني (لا أعرف ولم أسمع بهذا)، وهنا أنا أتحدث عن مرشد يروج للأفواج السياحية!
مكمن الموضوع هو أن على المسئولين في وزارة التربية والتعليم وضع منهج اسمه تاريخ دلمون القديم، أو على الأقل يتم التركيز في مادة التاريخ على تاريخ دلمون القديم.
هل القراءة التاريخية مستقرة بشأن ما تفضلت به بشأن وحدة الحضارة؟
- نعم، والثابت أن هناك شعب سكن في دلمون ولديه ديانة ومعابد وملوك وقصور ومؤسسات خدمية ولديه فن وأدب، كل هذه المظاهر تمثل شعب دلمون. هذا مدعاة للوحدة الحضارية التي هي مدخل للوحدة السياسية الحديثة، وأعتقد أن هذه المسألة مهمة لنشر وعي المواطنة من خلال تاريخنا القديم، فرغم ما ظهر في تاريخنا الحديث من اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة، إلا أن تاريخنا القديم يتضمن اتجاه واحد، وللأسف فإن الحديث عن هذا الإرث الحضاري الواحد غير موجود لا في مناهج وزارة التربية والتعليم ولا بين طبقات المجتمع.
أنت تدعو لإصلاح الحاضر إنطلاقاً من التاريخ.، لكن كيف يتحقق ذلك والفكرة التي تفضلت بها لم تستقر بعد؟
- لأن تاريخ البحرين القديم لم يوظف بشكل يخدم الوحدة الحضارية والثقافية والسياسية الحديثة لمملكة البحرين، لو كان المواطن البسيط طوال دراسته، يعرف أن لديه تاريخ مشترك مع جيرانه ومع إبن مدينته المجاورة، فلا يمكن أن تخلق هذه الفجوة، لذا أقول إن معرفة التاريخ القديم هو جزء مكمل لبناء الحاضر والانطلاق نحو مستقبل موحد.
أضيف لذلك، قولي إن الإرث الحضاري لهذه المنطقة (الممتدة من ساحل عمان حتى بلاد وادي الرافدين، ليس حكراً على طائفة محددة، وأي قول إن الإرث الحضاري الدلموني حكر على فئة محددة هو قول مغلوط بنسبة 100 في المئة، فالكتابات المسمارية تحديداً تلك التي كشفت عن حضارة دلمون سمت هؤلاء بأسمائهم وأعطتهم تكوين بيولوجي وسمة خاصة في الشكل وحددت من هم سكان جزيرة البحرين، وهم العارفون والخبراء وأعلام البحرين، والرقم الموجود لهؤلاء بموجب قراءاتي لا يوجد في أي دولة أخرى في الخليج وهو ما يدلل على مبدأ فلسفي ونفسي معروف: إن الصفات المكتسبة من المجتمع بمرور الزمن تصبح وراثية، ثم إن هذا الكم من العلماء جاء من النصوص المسمارية التي كانت تنظر للإنسان أو المجتمع البحرين وكان يسميهم بـ (أوميانو) أي العلماء، فإذاً العلماء القدماء لا بد أن يورثوا بالجينات مثقفين ومفكرين. كذلك الحال مع المشاهد الموجودة على الاختام من خلال المشهد البشري، وفي جدحفص، أخذني أحد الزملاء لمقهى وهناك كنت أنظر بنظرة المختص، جلست فرأيت رجلاً جالساً وهو يتكئ على يده ويرتدي غطاء على الرأس، وبالضبط هذا المشهد يتكرر في أختام نصف دائرية من حضارة دلمون من الألف الثاني قبل الميلاد، حتى يمكنني القول: أنثروبولوجياً هذا الشخص يشبه ذاك.
حدثنا عن الورش التي قدمتها، هل عملت بها على محو ولو جزئي للأمية التي تحدثت عنها؟
- اليد الواحدة لا تصفق، ولكي لا أكون متشائماً فإن ما يخص الكتابة المسمارية هو طموح بعيد المنال، لكن لنبقى في مستوى طموح تواجد المختصين في تاريخ دلمون الوحيد، وبكل صراحة لم أجد من يهتم ويتحدث عن التاريخ القديم غير الخبير عبدالعزيز صويلح، والذي خدم تاريخ البحرين لأكثر من 40 سنة.
ومن هذا الحديث، أشدد على أهمية الاهتمام بالمختصين في حضارة دلمون ممن قضوا سنوات في التنقيب، وأدق ناقوس خطر حيال رحيل آخر من تبقى منهم، حيث أن الاستمرار على هذا الحال سيعمق من حالة الأمية بل ربما ينقلنا لوضع أسوأ، كما أن الاعتماد على الأجنبي بغض النظر عن هويته، ليس بحل، فمصيره العودة لبلاده، كما أنه ليس بحريص على تاريخك وتاريخ أجدادك من الابن البار لمملكة البحرين.
سننتقل للسؤال عن المحتوى الذي قدمته عبر نشاطك المكثف.
- تمكن المشاركون في الورشة من معرفة مبادئ الكتابة المسمارية، أما الجزء الخاص بالمحاضرات، فقد قدمت محاضرة تناولت فيها طبيعة الصادرات والواردات في حضارة دلمون، والإحصائية التي استعرضتها في المحاضرة، تؤكد بشكل قطعي أن دلمون هي المركز الاقتصادي والتجاري في الخليج العربي، وذلك من خلال الكميات الهائلة من البضائع التي كانت تصل إلى بلاد الرافدين شمالاً وتهبط إلى ماجان وإلى وادي السند جنوباً، وغالبية النصوص لا بد أن يذكر فيها اسم دلمون.
عرضنا بعض القطع الذهبية، وبالنسبة للنحاس، صحيح أن دلمون لا يتوفر في باطنها خام النحاس، لكن اكتشفنا في التنقيبات أن هناك معدن خام، تم جلبه على شكل كتل من ماجان (عمان) ليعملوا في موقع قلعة البحرين ورشة لصناعة النحاس، فإذاً كانوا يأتون بالخام لعيدوا تصنيعه. كانت دلمون تأتي بالنحاس والديورايت والأحجار الكريمة وتعيد صناعتها ثم تصدرها للخارج. البعض يعترض على هذا الحديث وأنا أرد (هل قرأتم محتويات البضائع (بالنص المسماري) والتي كانت تخرج وتذكر بشكل صريح اسم دلمون؟).
بالنسبة لهذه الصادرات والواردات، ما أكثر مالفت انتباهكم وربما اكتشافات حديثة؟
- أحدث الاكتشافات تقول إن هناك بضاعة يختص بها السومريين يصنعونها من أجل الدلمونيين، وهي عبارة كما ذكرتها النصوص المسمارية عبارة عن إناء فيه مكونات عبارة عن أشياء مبردة تضم حليباً، وسكراً، نكهة، كزبرة، فيها طعم حلو، كانت تورد خصيصاً لمجتمع البحرين، وهو ما يمكن تشبيهه (مجازاً) بالآيسكريم، بما يدلل على مستوى الرفاهية الاقتصادية.
حدثنا عن تفصيل ذلك، كيف عُرف؟
- عن طريق إشارات لكتابات مسمارية حول وجود بضاعة يصدرها السومريون إلى دلمون وإلى ممالك الخليج عبارة عن (طلب خاص) وضعت بين قوسين، هي بضاعة توضع في أواني وترسل لسكان ولمملكة دلمون، باعتبارها للرفاهية.
وكيف كان يصل هذا (الإيسكريم) السومري للبحرين؟
- يرسل محفوظاً، حيث أثبتت النصوص أن السومريين كانوا يستخدمون الثلج حتى في شهر أغسطس/ آب أي في الصيف، ففي الشتاء تهبط الثلوج بكثافة في الشمال العراقي، فيتم نقلها عن طريق نهر دجلة بالقوارب والسفن، ووضعها في باطن الأرض وتسمى (مخازن الثلج)، فإذا أتوا بكمية كبيرة من هذه الثلوج ووضعوها في باطن الأرض في السرداب، يذهب نصفها أو ثلاثة أرباعها، فيتبقى الربع، وقد تكررت النصوص وخصوصاً في زمن (كوديا) الملك السومري الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية مع مملكة دلمون، وقد عاش في الفترة من 2144 إلى 2124 قبل الميلاد، ويقول في أحد النصوص (أنا قدمت ماءً مثلجاً إلى الآلهة كاتوم دوك). قدمه في شهر أغسطس وذلك من المخازن، ونفس هذه البضاعة المميزة توضع في أوانٍ كبيرة من الخشب ربما ويتم إحاطتها بهذا المثلج ثم تصل على عجالة لتوزع رفاهية عند مجتمع دلمون، ولم تحدد النصوص إلى من وصلت ولكن النص يقول (بضاعة مصدرة إلى دلمون).
وفي المتحف العراقي كانت هذه الأواني معروضة إلى فترة قريبة، أواني صنع هذه الكؤوس الخاصة بهذه البضاعة التي مجازاً سميتها بالآيسكريم، وقد تواجدت هذه البضاعة نهاية الألف الثالث في زمن (كوديا) أي قبل 5 آلاف سنة، والنص موجود وصريح. أما صور الأواني والكؤوس فمنشورة ومعروضة، وأغلب البضاعة المخصصة تصنع من أواني الخشب ونتحدث عن 5 آلاف سنة تحت الأرض تنتهي، لكن لدينا نماذج مصنوعة من النحاس أو القصدير أو البرونز.
بالاستعانة بالكتابات المسمارية، ما الذي كان يميز الصناعة الدلمونية؟
- بضاعة دلمون تختلف عن كل بضاعات الدول المجاورة، وأعطتنا النصوص الأسباب، قالت إن السبب الرئيسي هو جودة نوعية البضاعة لدلمون، وأعطتنا أرقاماً ونسباً، بحيث أن الشوائب المخلوطة في المعادن التي تأتي من دلمون هي أقل منها في المعادن التي جاءت من سورية ومن تركيا ومن إيران في القديم، تفوق على بلاد عيلان القديم (إيران الحالية) وبلاد الحثيين (تركيا الحالية)...، والتفوق من حيث نوعية البضاعة خاصة بالنسبة للمعادن وأهمها النحاس.
والغريب أنه مع قلة هذه قلة الشوائب والجودة المرتفعة، يفترض أن يرتفع السعر، لكن الحاصل هو العكس، وبالتالي كانت الميزة الثانية عبر هبوط سعر البضاعة الدلمونية إلى أقل من النصف مقارنة بالحضارات القديمة.
دلمون كانت مورد رئيسي لبلاد وادي الرافدين، تورد الخشب، وكل البضائع التي كانت تصل لوداي الرافدين فيما تقول النصوص (خشب دلموني)، وهذا يعني أن دلمون كانت تأخذ الخشب من مناطق أخرى وخاصة من جبل عمان وتضعه في دلمون ثم تعيد توريده إلى بلاد وادي الرافدين، أي تجارة ترانزيت. كذلك الأمر مع النحاس الغير موجود في باطن أرض دلمون، فيما الكميات الهائلة من السبائك النحاسية ومصنع في قلعة البحرين يتحدثان عن إعادة صناعة النحاس الخام.
كذلك هناك الأحجار الكريمة، من بينها حجر مهم جداَ يسمى بالحجر المقدس، وتنقل النصوص عن الأمير (كوديا) صديق الدلمونيين قوله: (صنعت تماثيلي من حجر أغلى من الذهب وأغلى من الفضة...، إنه حجر الديورايت)، ويواصل (كوديا) حديثه (جلبته من ماء دلمون) أي سفن دلمون.
ماذا عن التجار الدلمونيين؟ هل وثقت أسماءهم النصوص المسمارية؟
- لدينا أسماء تجار دلمونيين، فالنصوص المسمارية في بلاد الرافدين أعطتنا أسماء، ونعرف هوية التاجر الدلمونية من الاسم فمثلاً أحد التجار اسمه (وَرَدْ انزاك)، وتعني عبدالإله إنزاك، وهو إله دلمون الرئيسي، وكذلك تاجر ثان هو (أيا - جميل)، وتاجر ثالث هو (أيا - ناصر) والذي هو أشهر تاجر دلموني، هو ليس تاجر بسيط بل لديه وكالة تجارية، حتى بلغ في فترة من الفترات بخبرته والكميات الهائلة التي يصدرها من النحاس والبضائع الأخرى، إنشاء مؤسسة (آلك دلمون) ومعناها (تجار دلمون) وكان هو من يترأسها ويصدر البضائع، وفي أحد النصوص الطريفة لهذا التاجر، أنه عندما كان يأتيه التجار وهو خبير بمعرفة النحاس، فإن أحد النصوص يقول إن أحد التجار اتفق معه على أن يورد له نوعاً من النحاس، ثم بعد ذلك وصلته بضاعة أخرى مختلفة عن البضاعة المتفق عليها، فماذا أجاب (أيا - ناصر)؟ قال له في النص المسماري (خذها أو اتركها)، وهذا دليل على سيطرته على السوق. والتاجر الدلموني (أيا - ناصر) تواجد في نهاية الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد.
وعن أي طريق تم اكتشاف هذا النص؟
- عن طريق رقمة طينية اكتشفت في مدينة أور في جنوب بلاد الرافدين، وهي التي كشفت عن التاجر (أيا - ناصر)، التاجر الرهيب.
ألم تكتشف نصوص تتحدث عن هذا التاجر هنا في البحرين؟
- قد تكون موجودة لكن للأسف لا وجود لقراءات للنصوص المسمارية، وهذا يعيدنا لأهمية النصوص المسمارية وقراءتها، فهذا التاجر (أيا - ناصر) حين يسافر ولديه وكلاء تجاريين في جنوب بلاد الرافدين، ففي بلده كيف سيكون؟ مرجح أن تكون تجارته أكبر في بلاده.
إذاً هناك كثير من الأسرار المطلوب فكها عبر قراءة النصوص المسمارية؟
- ولهذا أنا أؤكد مجدداً استعدادنا لقراءة هذه النصوص المخزنة في متحف البحرين الوطني، وبالمجان. وبالمناسبة نحن هنا نتحدث عن إرث حضاري متداخل وواحد ومشترك.
اجتماعياً، كيف كانت سمة قوانين الحياة في دلمون؟
- بصراحة، فإن ما كشف عن حضارة دلمون من داخلها غير كاف لدراسة الحياة الاجتماعية في الألف الثاني والثالث قبل الميلاد، ولكن من خلال طبيعة الأختام والمشاهد على الأختام الدلمونية المميزة، نتبين أن هناك اهتمام بالتدين، واهتمام بالمعبود وبالبناء المقدس للمعبد، كما أن الشعب الدلموني منذ القدم ميال للتدين.
بجانب ذلك، فإن بعض المظاهر الاجتماعية الخاصة بالملابس والأزياء، تظهر أن المجتمع الدلموني القديم مجتمع محتشم ولكنه في نفس الوقت يرغب في معرفة كل شيء على الصعيد الفكري، وبشكل خاص يركز على العلاقات الزوجية، وبالنسبة للمرأة لم تكن تعني أنها فقط مجرد زوجة تخدم الرجل، بل أظهر الفنان الدلموني حتى طبيعة الممارسات الجنسية الخاصة بالتعامل بين الرجل والمرأة.
وفي هذا الصدد، للأسف، نحن ننادي بضرورة الإفراج عنها الرقم الطينية المخزنة في متحف البحريني الوطني، نقول (أفرجوا عن هذه الرقم ونحن مستعدون لقراءتها)، فهذه الرقم (نحو 100) تتضمن الكثير من المعلومات وتكشف لنا طبيعة المجتمع، كما أنها من السبل المهمة للم شمل الشعب البحريني في معرفة تاريخه القديم بغض النظر عن طائفته وانتماءه.
وبين فترة وأخرى نسمع عن اكتشافات لنصوص مسمارية، كما هو الحال مؤخراً مع تلال عالي، لكن من قرأها أجنبي (وهو شيء محبب أن تستعين بالأجنبي) لكن السؤال لماذا لا تؤسس لكادر، فلديك مشاريع تنقيبية، وهذا شيء مفرح، لكن لماذا لا تؤسس لكادر محلي مؤهل لفك طلاسم هذه الرقم؟
وبالمناسبة، بحوزتي مشروع متكامل عن فتح قسم للآثار والسياحة في جامعة البحرين، بما يمكننا من كتابة تاريخ دلمون، وقد قدمته لجمعية تاريخ وآثار البحرين وتبنته ونأمل أن نقدمه للجامعة. كذلك بحوزتي مشروع آخر عبارة عن إعادة هيكلة وإحصاء الرقم الطينية التي أضرتها التنقيبات في تاريخ دلمون القديم والحديث وتبويبها وعمل فهرس، وقراءة وتحليل وترجمة، ثم نشر هذه المعلومات للمجتمع لأنها تساهم في الوعي الحضاري الموحد والمشترك لشعب البحرين، وآمل أن أجد الفرصة لتقديمه للمسئولين في هيئة البحرين للثقافة والآثار.
تحدثت في إحدى محاضراتك عن النظام الأسري المقنن لتعدد الزوجات لدى شعب دلمون... حدثنا أكثر.
- القوانين الموجودة في دلمون لا تختلف عن القوانين الموجودة في العالم القديم والحضارات الأخرى، فالقوانين تكاد تكون مشتركة، لكن لم نعثر بشكل علمي على نص قانوني يختص بحضارة دلمون. وفي دلمون لم نكتشف مادة قانونية واحدة لمشرع أعطى اسمه سواء ملك أو أمير أو أي شخص آخر، ولكن من خلال النصوص المسمارية وطبيعة العلاقات تبين أن الزواج بأكثر من زوجة لم يكن محبذاً والزواج بزوجة ثانية له شروط، من بينها أن تكون الزوجة الأولى عقيم أو أن تكون مريضة بمرض لا يرجى شفاؤه، وفي هذه الحالة يحق للزوج أن يتزوج امرأة ثانية، وعندما يتزوج أمرأة ثانية عليه أن يحترم خصوصية المرأة الأولى وتكون الزوجة الثانية بمثابة خادمة للزوجة الأولى (هكذا تذكر الإشارة)، في هذه الحالة يمكن الزواج بالزوجة الثانية. وهذا يكشف مكانة المرأة في مجتمع دلمون القديم، التي كانت تتسيد وتتزعم أغلب الطقوس.
كما يشير كل ذلك إلى أهمية قراءة جميع الرقم الطينية، بما يكشف طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والأفكار والفنون والقصص والأدب.
شوقتنا لمعرفت حضارة دلمون يا أستاذ
تاريخ مخفي و بتعمد مقصود!!