يحتفي العرب بلغتهم في شهر مارس/ آذار من كل سنة، بمناسبةاليوم العربي للغة العربية، فتتعدّد المؤتمرات وتنشط روابط حماية اللغة العربية، وتتكاثر توصياتها... وما من مجيب. وتؤكد هذه التحركات المحمودة، بما لا يدع مجالاً للشك، الحالة التي وصل إليها «استعمال» لغة الضاد عند أبنائها، ولا سيما في الحاضنات الرسمية لها، وأعني المدارس والجامعات ووسائل الإعلام وكذلك المؤسسات الحكومية والإدارية في معظم الدول العربية.
ولا يشذّ وضع استعمال اللغة العربية في المغرب العربي عن نظيره في مشرقه، بل ربما لا يزال يعاني الأمرّين جرّاء تركة استعمارية ثقيلة حاول معها المستعمر الفرنسي تكريس ثقافته منذ مطلع القرن العشرين عبر فرض التدريس باللغة الفرنسية؛ إذْ «أنّ إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية في مختلِف الأقطار العربية، لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما فرضته سياسة الاستعمار، عندما كانت الأقطار العربية ترزح تحت نيره، ولعل المحتل كان يخطط بذلك لفترة من الاستعمار الثقافيّ تعقب فترة الاحتلال العسكريّ» كما يذهب إلى ذلك إسلمو ولد سيدي أحمد من موريتانيا.
وما زال أبناء موريتانيا يكافحون دفاعاً عن اللغة العربية؛ فقد تظاهر الموريتانيون حديثاً، طلباً لترسيم اللغة العربية بمناسبة اليوم الوطني للغة العربية. وأصدرت «جمعية الضاد لنشر اللغة العربية والدفاع عنها» بياناً دعت فيه إلى إحلال اللغة العربية المكانة اللائقة بها فى موريتانيا، وتساءلت لماذا تبقى لغة البلاد الرسمية «لغة ثانية» في موطنها؟
ونظراً لدور الإعلام الكبير في نشر اللغة وتأصيلها، اهتم الكثير من المثقفين بأثر الصحافة والإعلام بكل أشكاله في واقع استعمال اللغة العربية. ويشد انتباهنا من تونس الرئيس السابق الدكتورالمنصف المرزوقي الذي ما انفكّ يمارس فعل الكتابة، ما بين المقالات والكتب، وفي آخر تدوينة له على صفحته على «فيسبوك»، أشار لما تتعرّض له اللغة العربية من «مجازر» على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التونسي. واعتبر ذلك «ناقوس خطر يهدّد اللغة العربية»، مشيراً إلى خشيته على اللغة العربية نتيجة اختلاطها عند التونسيين باللهجة العامية وباللغة الفرنسية. ورأى أن «الآخرين لا يسمحون بانتهاك لغتهم عكسنا نحن... إذْ لا أعرف بلداً غربياً مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أو شرقياً مثل اليابان والصين، يسمح لمن هبّ ودبّ، بليِّ عنق اللغة في وسائل الإعلام العامة وصفحات التواصل الاجتماعي» على حدّ قوله.
وفي الرباط بالمغرب الأقصى، انعقد يوم 10 مارس 2017 المؤتمر الرابع للغة العربية الذي ينظمه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، وفيه حمّل عبد العزيز بن عثمان التويجري الإعلام العربي جانباً كبيراً من المسئولية فيما تردّى إليه وضع استعمال اللغة العربية، حيث قال «إن الإعلام في جملته يبخس اللغة العربية ويلحق بها أضراراً كثيرة تفسد اللغة وتفقرها». واعتبر مدير المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أن إغراق اللغة العربية في بحر من العاميات والدوارج يمثل ضرراً جسيماً في جسم الفصحى .
وعلى هامش أعمال هذا المؤتمر، أطلق الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب، بشراكةٍ مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية مساء السبت 11 مارس، العهد الصحافي للدفاع عن العربية، وتتمثل أهداف هذا العهد أساساً في التصدي لـ»الفرانكفونية». وقد عبّر الصحافيون المغاربة عن التزامهم بالتعبير عن استهجان مخطط الحرب على العربية، كما تحثّ وثيقة العهد الصحافي للدفاع عن اللغة العربية الصحافيين على «مضاعفة العناية باللغة العربية، وسلامتها وتحسين أدائهم بها».
وتأتي هذه التحركات تتويجاً لجهود محلية ووطنية ومغاربيّة وعربية مشتركة في الدفاع عن استعمال اللغة العربية الفصحى. ومن الجهود المغاربية المشتركة، ننوّه إلى تأسيس الرابطة المغاربية للدفاع عن اللغة العربية بتونس في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2016، والتي من شأنها أن تساهم في المحافظة على استعمال اللغة العربية في الدول المغاربية وحمايتها من كل انتهاك. غير أنّ صلاحياتها تبقى محدودةً، لذا وجب التفكير في آليات أخرى لوقف هذا التيار الجارف.
ولا يخفى على أحدٍ أنّ الصحافة الوطنية، وخصوصاً في المغرب وتونس والجزائر، كانت في طليعة المقاومين للاستعمار الثقافي سواءً قبل الاستقلال أو بعده. غير أنّ الطفرة الإعلامية التي شهدها التشجيع على خصخصة قطاع الإعلام أفرز منتوجاً إعلامياً عربياً ينتهك في معظمه اللغة العربية ويكاد يعصف بهويتنا.
وعليه فإنّ الدول العربية التي نصت دساتيرها على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، مدعوةٌ لأخذ قرارات موجعة بحق من ينتهك اللغة العربية ولا سيما ممّن يفترض أنهم من المدافعين عنها، والحامين لها، وأعني رجال الإعلام والتعليم.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5302 - الإثنين 13 مارس 2017م الموافق 14 جمادى الآخرة 1438هـ
تتواصل المعركة بين الفصحى والعامية، منذ دعوة لطفي السيّد إلى اليوم ..
هجرة العقول مشكلة أخرى ستساهم في مزيد تردّي هذه اللغة.
اللّسانيات العربيّة التي عجزت عن إيجاد خط لها بين الخطوط.
تلوث اللّسان العربي.......
لكن النصر للفصحى، رغم كل (الظروف التابوتية) المحنطة والمثبطة والمعرقلة وقوى الشدّ والجذب للخلف......
الرسالة واضحة أستاذ سليم
وعليه فإنّ الدول العربية التي نصت دساتيرها على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، مدعوةٌ لأخذ قرارات موجعة بحق من ينتهك اللغة العربية ولا سيما ممّن يفترض أنهم من المدافعين عنها، والحامين لها، وأعني رجال الإعلام والتعليم
تأكيدا على ذكركم الصحافة الوطنية ودورها في الدفاع عن هوية بلاد المغرب العربي، أستاذ سليم، فإن نفس الموضوع أثير منذ قرن مضى، وظل يذكر كلما اقترن الحديث عن الهوية واللغة العربية... وقد استشعرنا ذلك الخطر، إلا أنّ "التنديد" و "البيانات" و"صيحات الفزع" التي أطلقها المختصون والمهتمون باللغة العربية، لم يؤت أكله،إلا ما ندر.
مع ذلك يبقى التفاؤل،نحبّب أبناءنا في اللفةالعربية، ونكتب بها،بل و نتحدث بها كلما سمحت الفرصة مع الأصدقاء مثلا.التفاؤل يتضاعف حين أسمع الكثير من المبدعين،رغم عدم تخصصهم،يتحدثون بها
اللّغة كائن حي، إذَا حذفت ما به تستطيع أن تستمر والمتمثل أساسا في مواكبة روح العصر ماتت .
على سبيل الذكر لا الحصر الموسوعة الفرنسية الشهيرة Larousse تحذف سنويا ما يعادل الألف )كلمة، أو مصطلح(، لإدخال مصطلحات جديدة محلّها، لأنّها (مصطلحات) أصبحت غير قادرة على التكيّف مع الظروف الجديدة.
والعربية، عموما، ليست قوالب جاهزة كما يعتقد البعض، بل هي كائن حي، تحتاج إلى تجديد مستمر، لقد كانت العربية لغة علم وستظلّ كذلك إذا اهتمّ بها أهلها وسعوا إلى تطويرها.
شكرا لك أستاذ سليم، وفاؤك للعربيّة لا حدّ له.
سبب الداء:
الطفرة الإعلامية التي شهدها التشجيع على خصخصة قطاع الإعلام أفرز منتوجاً إعلامياً عربياً ينتهك في معظمه اللغة العربية ويكاد يعصف بهويتنا.