يقول محمد الرطيان: «الأوطان التي لا تتقبل النقد تترهل، النقد عافية وغيابه مرض. إذ ليس من الوطنية أن تمتدح أخطاء بلادك».
يبدو أن هذا النقد توقف في بلداننا إلا قليلاً، خصوصاً بعد الحوادث الأخيرة التي رافقت موجة الاحتجاجات التي طالت البلاد العربية أو أكثرها.
صار كثير من الكتّاب والإعلاميين يطبّلون أكثر مما يشيرون بأقلامهم إلى مواطن الضعف والوهن في الأداء الحكومي والمؤسساتي في بلداننا، إضافةً إلى تلك الظواهر التي تنتشر في مجتمعاتنا، فبعد أن صرنا نقيس الوطنية بمقدار التطبيل والتصفيق لكل شاردة وواردة، أصبح الداعون إلى الإصلاح وتقويم الاعوجاج محل شبهةٍ كلّما تكلموا عمّا يضر بالبلاد من ممارسات وسرقات وفساد وتجاوزات.
كان الإعلام سلطةً تتحدّى كل ما هو مخفي غير معلن لتسعى إلى فضحه وكشفه؛ فتشير إلى المقصر، وتطالب بمحاسبة المتجاوز، وتنادي بأخذ حق الضعيف، وترتب الأولويات في سلّم اهتمامات المسئولين، ولا تقبل بالفساد الذي طالما نخر كراسي الوزارات والمؤسسات الحكومية. فكم من حملة إعلامية نشرت في الصحافة بشأن ظاهرة ما، أو مشكلة يعاني منها الشعب، أو قضية فساد، وأدت إلى فتح الملفات المغلقة ليجد المسئولون أنفسهم أمام ضرورة حل هذا الموضوع أو ذاك؟ وكم من موضوع نوقش في الإعلام بشكل حازم فطالب فيه المتخصصون بحل جذري لمشكلة ما، ولاقى ذلك صدى لدى الجهات الحكومية وسعت لحله خوفاً من استمرار طرق الموضوع أو رغبة في تصحيح مسار جهة ما؟
لكن الإعلام اليوم يقف عاجزاً أمام كثير من القضايا المهمة والملحّة التي تعصف بالبلاد، وكأن ما أصاب بقية السلطات من وهن أصابه، والسبب أن بعض العاملين فيه باتوا يخشون التخوين واتهامهم باللاوطنية ومن ثم اتهامهم بالعمالة إلى جهات خارجية أو دول أخرى، وهي التهم التي صار يُرشَق بها أي وطني يخاف على وطنه من السرّاق والمفسدين، ويخاف على مجتمعه من تفشي ظواهر سلبية غريبة عليه، إضافةً إلى خوف بعضهم من غضب السلطات والمسئولين ورغبة بعضهم الآخر في تلميع صورة الوطن ومسئوليه بأي شكل كي تبدو الأوضاع بكل خير، ناسين أن البلاد لن تتعافى إلا بالنقد وإصلاح كل خلل.
لو التزم كل إعلامي بكشف ما يراه وما يعرفه من مشكلات وقصور وفساد لاستطعنا أن نوجه الرأي العام إلى ضرورة عدم الخوف من «فضح المستور»، ولاستطعنا أن نفكّك كثيراً من المجموعات التي طالما شكلت أقطاب فساد وسرقة في الوطن. نعود ونذكّر: البلاد التي لا تنتقد لا يمكنها أبداً أن تحقق نجاحاً أو تحرز تقدماً ولذلك فهي تشيخ وتهرم وتضمحل كل فرصها في مواكبة عصرها.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5301 - الأحد 12 مارس 2017م الموافق 13 جمادى الآخرة 1438هـ
نعود ونذكّر: البلاد التي لا تنتقد لا يمكنها أبداً أن تحقق نجاحاً أو تحرز تقدماً ولذلك فهي تشيخ وتهرم وتضمحل كل فرصها في مواكبة عصرها.
صار الإعلام مثل حال الشعراء أيام العباسيين....من يتكلم في سفاسف الأمور يحصل يجزل له العطاء...
آه لو يجدي الكلام... هذه امتكم ماتت والسلام... أحمد