العدد 5301 - الأحد 12 مارس 2017م الموافق 13 جمادى الآخرة 1438هـ

زباري: على البحرين الاستثمار في تقنيات التحلية لتقليل تكاليفها المالية والبيئية

دعا للتوجه نحو الزراعات المائية ودون تربة لتقليل الهدر...

وليد زيباري
وليد زيباري

حث منسق برنامج إدارة الموارد المائية بكلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي وليد خليل زباري، على «امتلاك تقنية التحلية وتقليل تكاليفها المالية والبيئية كحلول رئيسية يجب العمل عليها للمستقبل، عبر الاستثمار المكثف والبحث والتطوير وربط القطاع الخاص بالجامعات ومراكز البحوث وتطوير المناهج التقليدية في كليات الهندسة وتوجيهها نحو تقنيات التحلية والمعالجة».

وأوضح زباري أن «التحول إلى الطاقات المتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة المد والجزر، سيخفف بشكل كبير التأثيرات السلبية على البيئة الهوائية والانبعاثات الغازية بشكل عام، وهذا الموضوع من الضروري أن يتم على مستوى دول المجلس لكي تكمل الجهود بعضها البعض من خلال تنسيق جهود البحث والتطوير وتوجيهها بين الجهات الفاعلة في المنطقة».

وأفاد بأن «الحل الأمثل لرفع كفاءة استخدام المياه هو في التوجه نحو الزراعات المتقدمة كالزراعة المائية والزراعة بدون تربة». وفيما يلي نص الحديث مع زباري:

هل تعتقد أن ندرة المياه العذبة في البحرين تتطلب إيجاد معالجات عاجلة وسريعة للاستخدام المستدام للمياه وخاصة في القطاع الزراعي؟

- هناك العديد من التعريفات للندرة المائية وأنواعها، وهذا ليس مجال للتنظير، ولكن بشكل عام هناك نوعين من الندرة المائية، الندرة المائية الطبيعية والندرة المائية التي تحدث بفعل تصرفات وممارسات الإنسان. الأولى هي نتيجة الظروف الطبيعية بالمنطقة وسماتها المناخية من انخفاض معدلات الأمطار وارتفاع معدلات البخر وعدم وجود الأنهار وانخفاض معدلات تغذية المياه الجوفية وهي ما تتسم به المنطقة منذ قديم الزمان. أما الندرة التي تحدث بسبب الإنسان فتنتج عن طريق الاستغلال الخاطئ وفي بعض الأحيان المدمر للموارد المائية من حيث هدرها واستنزافها، مما يؤدي إلى تدني نوعيتها بالإضافة إلى تلويثها من خلال الأنشطة الإنسانية وفقدان استدامتها.

وبالطبع هناك ضرورة لإيجاد معالجات سريعة للاستخدام المستدام للمياه، ويمكن أن يتأتى ذلك من العمل على جانبين، الأول هو جانب العرض ويتمثل في زيادة الموارد المائية من خلال حلول تقنية تتمثل في التوسع في بناء محطات التحلية وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. والجانب الثاني هو جانب الطلب ويتعلق بترشيد استخدام المياه وتقليل الهدر والمحافظة عليها.

حالياً في مملكة البحرين يتم التركيز على الجانب الأول بشكل كبير من خلال بناء محطات التحلية بشكل أساسي، وبدرجة أقل في إعادة استخدام مياه الصرف الصحي التي مازالت إمكانياتها غير مستغلة في تخفيف الندرة المائية بالشكل المطلوب، وكذلك في مجال تقليل التسربات التي تحدث قبل الوصول إلى المستهلك.

ولكن خيار التحلية هو في حقيقة الأمر من الخيارات المكلفة مقارنة بالخيارات الأخرى، فبالرغم من انخفاض تكاليفها المستمر مع الوقت إلا أنها مازالت مكلفة مالياً، ومستهلكة بدرجات عالية للطاقة، ولها جوانب بيئية سلبية، سواء على البيئة الهوائية أو البحرية. كما أن دول المجلس، ومن ضمنها البحرين، ما زالت مستهلكة لهذه التقنية بالرغم من مرور أكثر من 60 سنة على إدخالها المنطقة وبالرغم من امتلاك دول المجلس لأكثر من 50 في المئة من الطاقة العالمية، وبالتالي فإنها لا تضيف إلى اقتصادياتنا الوطنية بل تستنزفها.

ولولا توافر موارد الطاقة والموارد المالية في البحرين، لما أمكن اللجوء إلى هذا الخيار المكلف، وغير المستدام بسبب محدودية مصادر الطاقة لدينا، ولولا ذلك لكنا نعاني بما يسمى بـ «الندرة المائية الاقتصادية»، أي نقص الموارد المائية بسبب نقص التمويل لإنشاء البنى التحتية للمياه.

والحمد لله هذا غير موجود لدينا ولكن علينا أن نحتسب له في المستقبل، ولذا، سيكون من المهم الاستثمار في هذه التقنية ولكن سيتطلب هذا وقتاً ليس بالقليل من خلال الأبحاث والتطوير والاستثمار وترابط القطاع الخاص بمراكز البحوث وغيرها من المقومات لاستحداث هذه الصناعة في المنطقة.

الجانب الآخر هو جانب الطلب من خلال العمل على ترشيد استخدام المياه والمحافظة عليها باستخدام عدد من الأدوات المتاحة مثل الأدوات التشريعية/ البنائية والاقتصادية والاجتماعية/ التوعوية. ويمكن فرض الأدوات التشريعية أو البنائية بشكل سريع، مثل قوانين البناء ومواصفات الأجهزة المنزلية المرشدة للمياه أو في أجهزة الري في المزرعة وغيرها من الوسائل. وكذلك بالنسبة للأدوات الاقتصادية فيمكن فرض سياسات سعرية لاستخدامات المياه بشكل سريع نسبياً تؤدي إلى خفض في استهلاكها وتقليل الهدر منها والحصول على نتائج سريعة نسبياً. ولكن كما هي طبيعة العديد من الأمور المرتبطة بسلوك الإنسان الاستهلاكي، فإن تغيير السلوك للوصول إلى وضع مستدام للمياه يحتاج إلى وقت أطول نسبياً، وتكمن أهمية التوعية في أن الأدوات التوعوية تحمل في طياتها بذور الاستدامة أكثر من أي أداة أخرى، ومن الأفضل أن يكون سلوك الإنسان في الترشيد والمحافظة نابع من قناعة بدلاً من أن يكون خوفاً من دفع فاتورة أغلى. وعموماً بينت التجارب العالمية أن فاعلية هذه الأدوات تزداد إذا تم تنفيذها مع بعضها، فمثلاً تؤدي السياسات السعرية إلى زيادة الوعي بقيمة الماء.

هل تتفق معدلات استهلاك المياه العذبة في البحرين مع التوجه العالمي لتقليص الهدر وإيجاد ممارسات رشيدة في الاستهلاك؟

- نعم، الجهود المبذولة هي في هذا الاتجاه بشكل عام، ولكن مازال هناك الكثير الذي علينا القيام به، فعلى جانب العرض في القطاع البلدي، توجد في بعض مناطق البحرين نسب عالية من التسربات بسبب قدم الشبكة أو تعرضها للضغوط السطحية، ويجب أن لا ينظر لهذه التسربات ككميات مياه مفقودة فقط، وإنما كذلك ككميات طاقة مستخدمة في إنتاجها وكأموال صرفت على الجهاز المسئول عن إنتاجها وإمدادها، وحالياً يحاول المسئولون تخفيضها إلى الحد الأقصى، كما هو التوجه العالمي لإدارة مرافق المياه.

وفي جانب الطلب، أيضاً هناك استخدامات غير رشيدة للمياه تؤدي إلى فواقد عالية في بعض المناطق وبحسب طبيعة السكن. ولقد تم في هذا المجال اتخاذ خطوة في الطريق الصحيح ومع التوجه العالمي من مراجعة للتعرفة ومحاولة إعطاء إشارة للمستهلك بقيمة المياه البلدية ولتكون أكثر عدالة. وفي القطاع الصناعي تم مؤخراً فرض تعرفة، وإن كانت رمزية، على استخدام المياه الجوفية من الطبقة المائية الرئيسية لإعطاء إشارة لمستخدم المياه بقيمة الماء لتحفيزه على استخدامها بكفاءة.

أما في القطاع الزراعي فما زالت كفاءة الري منخفضة جداً، وقد تصل في بعض المزارع إلى 25 في المئة، بسبب استخدام طرق الري التقليدية المتمثلة بالري بالغمر، وهذا التصرف لا يتماشى مع الندرة المائية التي تمر بها البحرين. وحالياً يتم استخدام المياه الجوفية بالكمية التي يريدها أصحاب الآبار ومعظمها زراعية بدون أي ضوابط وبدون أي اعتبار لتأثير ذلك على المصدر المائي الجوفي ككل، وهذا بالطبع لا يتماشى مع التوجهات العالمية في القطاع الزراعي، حيث أن العمل قائم عالمياً على رفع كفاءة المياه وإنتاجيتها.

ولكن يجب الإقرار هنا بأن وضع القطاع الزراعي في البحرين معقد، ومن الصعب النظر إلى موضوع استخدام المياه ومحاولة حله بدون النظر إلى العديد من المواضيع والمتغيرات والمؤثرات الأخرى في القطاع مثل نظام الضمان الزراعي، وانخفاض الدعم الحكومي لمدخلات الإنتاج والإرشاد الزراعي، والمنافسة الخارجية من دول لديها الميزة النسبية في الزراعة، ومستوى تعليم المزارع، ومستوى المخاطر الزراعية، وغيرها من الأمور التي تؤثر في سلوك المزارع.

وأعتقد أن الحل الأمثل لرفع كفاءة استخدام المياه هو في التوجه نحو الزراعات المتقدمة كالزراعة المائية والزراعة بدون تربة، على الأقل لمحاصيل الخضر. وهذا لن يوفر هذا الماء فحسب بل سيرفع من انتاجية المُزارع ودخله. وأعتقد أن المبادرة الأخيرة للمسئولين في قطاع الزراعة بتوفير مساحات للاستئجار في هورة عالي بشرط توظيف التقنيات الزراعية الحديثة هي خطوة في الطريق الصحيح. ولدينا في تجربة دولة الإمارات العربية الحالية في هذا المجال مثال جيد، حيث تهدف استراتيجية المياه والزراعة للإمارات على تحويل جميع المزارع التي تنتج الخضر إلى الزراعة بدون تربة وتم إنشاء مركز خاص لإرشاد المزارعين وتدريبهم على هذه التقنيات ويتم تقديم الدعم المادي لهم للانتقال لهذه النظم الزراعية وذلك توفيراً للماء ودعماً للإنتاج الزراعي.

هل هناك أساليب مبتكرة لإيجاد مصادر أقل كلفة للمياه العذبة في البحرين بحيث تكون صديقة للبيئة؟ وهل تحثون الجهات المعنية على اعتمادها؟

- هناك العديد من الأفكار المتعلقة بتوفير المياه بتكاليف أقل، وأغلبها يتمحور حول استيراد المياه إما عن طريق أنابيب أو ناقلات وهناك أفكار حول تقنيات التحلية والمعالجة وغيرها.

ولكن أعتقد أن امتلاك تقنية التحلية وتقليل تكاليفها المالية والبيئية هي الحلول الرئيسية التي يجب العمل عليها للمستقبل، ولن يتأتى ذلك إلا بالاستثمار المكثف والبحث والتطوير وربط القطاع الخاص بالجامعات ومراكز البحوث وتطوير المناهج التقليدية في كليات الهندسة وتوجيهها نحو تقنيات التحلية والمعالجة. كما إن التحول إلى الطاقات المتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة المد والجزر، سيخفف بشكل كبير التأثيرات السلبية على البيئة الهوائية والانبعاثات الغازية بشكل عام، وهذا الموضوع من الضروري أن يتم على مستوى دول المجلس لكي تكمل الجهود بعضها البعض من خلال تنسيق جهود البحث والتطوير وتوجيهها بين الجهات الفاعلة في المنطقة.

وهناك حلول إبداعية تقنية أخرى لا تنتج مياه عذبة ولكنها تخفف الضغط عليها بالتالي تزيد من توفرها وتقلل التكاليف بشكل كبير في عمليات إنتاج الغذاء، وتقع هذه التقنيات في مجال الاستفادة من علاقات الترابط بين المياه والغذاء والطاقة، مثل إنتاج الطاقة من مياه الصرف الصحي، أو إنتاج المياه والغذاء والطاقة باستخدام مياه البحر، أو إنتاج الطاقة من المخلفات الزراعية، وجميع هذه الحلول الابتكارية تخفف من الضغوطات على المياه العذبة.

هل هناك مبادرات دولية أو أممية بهذا بادرت البحرين بالتوقيع عليها والانضمام لها؟

- دولياً صادقت مملكة البحرين على أهداف التنمية المستدامة أو ما يعرف بأجندة العالم ما بعد 2015 التي سيسعى جميع العالم إلى تحقيق مستهدفاتها بحلول العام 2030، وتحتوي هذه الأهداف العديد من القضايا ذات العلاقة بالمياه، فالهدف الثاني، المتعلق بالقضاء على الجوع، يدعو إلى الممارسات الزراعية السليمة والتي تشمل المحافظة على المصدر المائي من التدهور؛ والهدف السابع، المتعلق بالطاقة، يدعو إلى رفع كفاءة الطاقة واستخدام الطاقات المتجددة، وبلا شك فإن هذا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقطاع المياه وخصوصاً قطاع التحلية الذي يستهلك نسب عالية نسبياً من الطاقة؛ والهدف الحادي عشر، المتعلق باستدامة المدن والمجتمعات، يدعو إلى استدامة البنى التحتية والتي من أهمها بنى إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي؛ والهدف الثاني عشر، المتعلق بالاستخدام المستدام للموارد، ويدعو إلى الاستهلاك والانتاج المستدامين وتقليل الهدر في استخدام الموارد ومنها الموارد المائية؛ والهدف الثالث عشر، المتعلق بتغير المناخ، يدعو إلى خفض الانبعاثات الغازية وكما نعلم فأن محطات التحلية تمثل نسبة كبيرة من هذه الانبعاثات؛ والهدف الخامس عشر ، المتعلق بالاستخدام المستدام للأرض، ويدعو إلى وقف التصحر.

ولقد تم تخصيص الهدف السادس من هذه الأهداف تحديداً للمياه لأهميتها في خدمة أهداف التنمية المستدامة. ويدعو الهدف السادس بشكل عام إلى ضمان الوفرة والإدارة المستدامة للمياه والصحة للكل، ويحتوي على 6 غايات على الدول العمل على تحقيقها، وهي: حصول الجميع بشكل منصف على مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة بحلول عام 2030؛ حصول الجميع على خدمات الصرف الصحي بحلول عام 2030؛ تحسين نوعية المياه عن طريق الحد من التلوث وخفض نسبة مياه المجاري غير المعالجة إلى النصف، وزيادة إعادة التدوير وإعادة الاستخدام المأمونة بنسبة كبيرة على الصعيد العالمي، بحلول عام 2030؛ زيادة كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات زيادة كبيرة بحلول عام 2030؛ تنفيذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه على جميع المستويات بحلول عام 2030؛ وحماية وإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه، بما في ذلك الأراضي الرطبة ومستودعات المياه الجوفية بحلول عام 2020.

وعلى المستوى الإقليمي والعمل المشترك بين دول المجلس تم مؤخراً الانتهاء من الاستراتيجية الموحدة للمياه في دول المجلس التي تهدف إلى تحقيق أمن واستدامة المياه بشكل رئيس، وتم التصديق عليها من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في قمة دول المجلس في البحرين في ديسمبر 2016 الماضي. وبناء عليه تم على المستوى الوطني البدء في إعداد الاستراتيجية الوطنية لمملكة البحرين بما يتوافق مع الاستراتيجية الموحدة للمياه في دول المجلس ولترجمة وتفعيل التوجهات والسياسات الخليجية العامة على المستوى الوطني من خلال وضع الأهداف الاستراتيجية والسياسات والبرامج المطلوبة لتحقيق استدامة المياه في مملكة البحرين.

برأيي أن جميع هذه التطورات أعطت موضوع المياه واستدامتها زخماً غير مسبوق في المملكة وأعتقد بأن موضوع المياه الآن أرتقى إلى سلم أولويات الأجندة الوطنية في مملكة البحرين لما له من دور في خدمة أهداف التنمية الاجتماعية-الاقتصادية واستدامتها في البحرين.

العدد 5301 - الأحد 12 مارس 2017م الموافق 13 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً