عندما سمعت صوتها للوهلة الأولى مع أغنية «هاربة»، أحسست بقوة غريبة تغمر مشاعري، لم يكن الصوت هو ما استوقفني بل أيضا الموسيقى والكلمات التي نطقت بصوت وحنجرة «كريمة نايت»؛ فنانة أمازيغية، جزائرية متعددة المواهب.
كريمة ليست بفنانة عادية، فهي التي قالت في مقابلة سابقة مع الإعلامي اللبناني زاهي وهبي: «أنا بنت من «القبائِل الكُبرى» من الصحراء، ذهبت إلى «السويد» في شمال أوروبا إلى البرد، فلا يُمكنني أن اُقارِن؛ لأنّ عندنا ثقافة مُختلِفة ومررنا بظروف جدّا صعبة وخاصةً في التسعينات. تلك الصورة الغامضة ستبقى عندي ولا أستطيع أن أنساها. لا أعتقد أنّ أيّ جزائري يُمكنه أن ينساها، كما أن أي جزائري لا يستطيع أن ينسى سنوات الاستعمار. فعندي كلّ يوم هذا الإحساس من أرضٍ عانت الحروب، ومن أرض لا تعرِف الحروب».
مناسبة الحديث عن كريمة نايت هو كيف أصبحت الموسيقى اليوم لغة مشتركة في العالم تماما كما هي اليوم ليست بمنأى عن واقع مجتمعاتنا العربية التي تغرق في هموم وقضايا إنسانية شتى من المشرق الى المغرب العربي.
ما عاشته ابنة الجزائر في مراحل مختلفة، وهي سليلة عائلة ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي، يعكس ثراء إبداعاتها الفنية لاسيما في كتابة اغان تتكلم بصوتها القوي عن حرية مفقودة وحزن كبير يحمل هموما وأثقال مجتمعها. وهو ما يعكس ايضا واقع المجتمعات العربية بشكل عام التي تفتقد الحس الذي يحررها بشكل يعطيها حق حرية التعبير وحق التظاهر من أجل التنفيس.
كريمة نايت عكست ذلك في أسلوب فنها فهي التي قالت: «الكلام لوحده لا يوصِل أفكارنا. مشكلة الناس اليوم أنها لم تعُد تُحب أن تسمع، ترفض أن تسمع، تسمع ماذا؟ تسمع الحقيقة».
وبالفعل اليوم لا أحد يطيق ان يسمع الحقيقة ولا يحب ان ينتقد. اما عن خصوصية كل ثقافة وبلد ومجتمع، فان الامر يوجب احترام ذلك، لكن لا يعني ان نلغي التبصر والنضال ضد كل ما يكمم من وسائل التعبير اللغوية والفنية والفكرية لكل ما يذهب في اتجاه رتيب يلغي الحريات. ان معركة الدفاع عن بعض الحقوق وبعض التقاليد الثقافية، هي معركة تسعى للانفتاح وتعزيز التعددية دون استثناءات.
ومجتمعاتنا في الوقت الراهن تعيش في الجانب المهزوم، فظروف الاستقبال للتغيير والحداثة مختلف عن الذي هو موجود في جانب الحضارة المتطورة والمتفوقة. هناك جزء من السياسات والموروثات لم يعد يصلح لحاضرنا. وهناك أمور كثيرة يجب أن تتغير. والبعض يذهب في طرح هذه الأفكار من خلال الموسيقى والفن بأشكاله عبر التساؤل «ماذا بعد؟» على طريقة كريمة نايت.
الكاتب الفرنسي من اصل لبناني امين معلوف قال في كتابه «الهويات القاتلة»، «وانا الذي اجاهر بكل انتماء من انتماءاتي لا يسعني الا ان احلم باليوم الذي تسلك فيه المنطقة التي أبصرت فيها النور الدرب نفسه، مخلفة وراءها زمن القبائل وزمن الحروب الدينية وزمن الهويات القاتلة من اجل بناء شيء مشترك»... واعتقد ان هناك اكثر من شاب وشابة في عالمنا العربي يحلمون بهذا الشيء المشترك بعيدا عن الرغبة في الهوية وانحرافاتها القاتلة، ولكن شيء يطلق العنان للحرية التي تحترم الانسان قبل كل شيء آخر...
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 5300 - السبت 11 مارس 2017م الموافق 12 جمادى الآخرة 1438هـ
بلد المليون شهيد و لا يعرف كم عدد النساء وعدد الاطفال وغيرهم من قتلهم جنود من اوربا لا لاعمار الجزائر وانما كما شنق عمر المختار . ما بين ما وقع في ليبيا وما حدث في الجزائر يذكر ببربرية الدول الغربيه التي تدعي اليوم انها متقدمه بسبب ما سفكته من دم ونهبت . فهل تقدم الغرب تخلف ام جاهليه مقنعه?