العدد 5300 - السبت 11 مارس 2017م الموافق 12 جمادى الآخرة 1438هـ

هيمنة الخوف على الحياة في الريف و«مزرعة القتل» لشنكل

أصبحت أداة في المدارس الثانوية للتدرُّب على عمل رجال المباحث...

أندريا ماريا شنكل
أندريا ماريا شنكل

تخلوالمراجعة التي كتبتها ألينا تاغند، في صحيفة «نيويورك تايمز» (10 يونيو/ حزيران 2014)، لرواية «مزرعة القتل» للروائية الألمانية أندريا ماريا شنكل، من تفاصيل مهمّة في الرواية: جريمة القتل التي لم تنتهِ إلى حل لغزها. تفاصيل تضع القارئ ولو في عناصر أساسية يستطيع من خلالها الربط فيما تمت إضاءته.

رواية يمكن القول عنها بأنها رواية هيمنة الغضب الخوف على الحياة في مجتمع الريف. الجريمة في الريف تبدو طارئة. الجريمة في المدينة جزء من ملامحها، بحكم ذلك التعدد والتنوع ومنصَّات الإغراء أيضاً، والبحث عن مكانة سريعة بقتل سريع. في الريف قليل من ذلك يحدث، وأحياناً يكاد الريف لا يعرف الجريمة إلا حين الخروج على نص الحياة، وطبيعة المكان الوادع، ببشره الذين من المفترض أن يكونوا وادعين. البيئة لديها القدرة الخلَّاقة على تشكيل الداخل (نفسيات) لدى بشرها. المدينة تعبث بذلك التشكيل. إنه متحول بتحول إيقاع الحياة والحركة فيها.

ليس مطلوباً من مُراجع الأعمال أن يقدم الملامح الغالبة منها، وبالتالي يعمل على إفساد طزاجتها بالنسبة على القارئ. كل عمل يظل طازجاً ولو كتب قبل قرون مادام لم يُقرأ، وقد يكون بالحال تلك حتى وإن تمّت قراءته؛ بقدرته على وضع القارئ أمام اكتشاف جديد، وبقدرته على منحه الفضاء اللانهائي من التأويل، وبقدرته على أن يجعل القارئ شريكاً رئيسياً في العمل. مثل تلك الأعمال تحتاج إلى مراجعات من نوع آخر، تستطيع الوقوف على كمِّ المكْر الذي يكتنفها، وكمِّ الاستدراج الذي لا تخلو منه.

حساسية التعامل

التعامل مع مثل تلك الأعمال يجب أن يحوي حساسيته الخاصة، وقدرته على النفاذ بأدوات لابد أن تكون قادرة على وضع القارئ أمام الصدْمة. هل لابد من الصدمة؟ ألا تحمل مثل تلك الأعمال صدمتها الخاصة؛ لذا لابد من قراءتها للوقوف على تفاصيل تلك الصدمة؟

الصدمة التي تحويها بعض المراجعات، أو التي يجب أن تكون حاملة لها ترتبط بالمنحى الذي لا يجعل القارئ قادراً على التوقع. قادراً على الإمساك ببعض ملامح النهايات. وهنا يجب القول: اروع الأعمال تلك التي لا نهايات لها. تلك التي تظل مفتوحة على الاحتمال... التفسير... التكّهن. الأعمال التي تجعلنا مُعلَّقين من دون أن نعرف متى ستستقر أقدامنا على الأرض.

لكن لابد من ملامح تتركها المراجعات للقارئ كي يكون مستعداً للدخول في اشتراطات وتفاصيل العمل. أن يكون مُهيَّئاً له.

التدرُّب على عمل رجال المباحث

في العام 1922، احتلَّت جريمة قتل مُروّعة لمزارع وعائلته حيّزاً في قرية معزولة بجنوب ألمانيا. بعد أكثر من 80 عاماً، تم إعادة تخيّل المقتلة تلك في رواية «مزرعة القتل» للروائية الألمانية أندريا ماريا شنكل (من مواليد 21 مارس/آذار 1962 في روزنبرغ بألمانيا. تعيش مع عائلتها قرب ريجنسبرغ).

نشرت شنكل في العام 2006 بألمانيا روايتها الأولى التي بين أيدينا، وباعت أكثر من مليون نسخة، ومطلوب من الطلاب اليوم في المدارس الثانوية الألمانية، قراءتها كأداة للتدرُّب على عمل رجال المباحث، وتم تحويلها إلى فيلم صدر في العام 2009 وتُرجمت إلى 20 لغة عالمية.

الرواية تتطرَّق إلى قتل جميع أفراد الأسرة - المزارع وزوجته والأطفال والخدم، وعمَّال المزرعة، كلهم في ليلة واحدة. لم يحبَّ أحد الأسرة تلك؛ لأنها كانت غير ودودة وجشعة. بعد الجريمة يُهيمن غضب وخوف على الحياة في الريف بقرية بافارية صغيرة. ووسط تحقيقات يشوبها البطء والقلق والصدمة، يبرز شهود يدلون بإفاداتهم حول القضية.

مليئة هي الرواية بالتكهُّنات والافتراضات بأسلوب ومعالجة تثيران الإعجاب. الرواية لا تمتلئ بالإثارة فحسب؛ إنما بالخيال أيضاً، وتقدّم صوراً وما يشبه اللوحات عن عدم الشفقة في المجتمع الريفي وتعصُّبه وخلوه من الرومانسية؛ ما يولّد صدمة في العلاقات تؤدّي في النهاية إلى الموت.

كأن ريفاً من هذا النسق والنوعية استدعاء للمدينة في جانبها المتوحِّش والبارد في عواطفه. العواطف التي لا تجعل أحداً في المدينة يتردَّد في القتل بدم بارد كبرودة عواطفها.

صدرت الرواية في الولايات المتحدة عن «Quercus Press»، مع أمل أن تلفت شنكل الاهتمام بالأسرار الألمانية كتلك التي فعلها ستيج لارسون في الجريمة السوداء الإسكندنافية، التي حظيت باهتمام عالمي.

لا رجل مباحث في الرواية

في واقع الأمر، استحوذت الشركة البريطانية (Quercus) على حقوق النسخة الإنجليزية لروايات لارسون من خلال»MacLehose» ومن بعدها منحت الحقوق إلى «Knopf» في الولايات المتحدة الأميركية. ونشرت رواية «مزرعة القتل» في بريطانيا العام 2008. كتاب شنكل ذو الصفحات المعدودة - تزيد قليلاً على 150 صفحة باللغة الإنجليزية - يتناول العديد من وجهات نظر الحياة الواقعية لمقتلة هنتركافيك في ولاية بافاريا، والتي لقي فيها المزارع وزوجته وابنته واثنان من أحفاده والخدم، مصرعهم، وعدم استبعاد فرضية إعمال الفأس فيهم حتى الموت. وقالت شنكل (52 عاماً) في مقابلة هاتفية إنها كانت مهتمة في إعادة صوغ المأساة في شكل الرواية. وأضافت «ظننت أنني سأبدأ رواية قصة، كثيرٌ من الناس ربما يعرفونها، ولكنني سأحكيها بطريقة مختلفة وغير اعتيادية».

«مزرعة القتل» (The Murder Farm) وعنوانها بالألمانية (Tannöd)، وحملت العنوان نفسه للفيلم، لا يوجد فيها رجل تحريات، بل هي في واقع الأمر لا تتضمن أي محقق على الإطلاق.

الرواية تتكوّن من فصول قصيرة جداً، وكثير منها عبارة عن مونولوجات لقرويين مختلفين، تقوم بعملية شرح لمذيعين لم تتم رؤيتهم ممن كانت له/ لها صلة بالأسرة القتيلة بلوغاً إلى اليوم الذي تمت فيه المَقتلة.

بعد أن صدرت الرواية في يناير/كانون الثاني 2006، كتب واحد من أكثر النقاد نفوذاً في ألمانيا، توبياس غوليس، في «Die Zeit» الأسبوعية، واضعاً الكتاب على قائمته الشهرية لأفضل عشر روايات للجريمة متاحة باللغة الألمانية، وقال: «لقد كانت قطعة أدبية من العمل تحتكم إلى السوق الضخمة»، واضاف غوليس «لم تكن لدينا رواية للجريمة مثل هذه. لقد كان الكتاب بمثابة استهلال للعقل. معظم أفلام الإثارة التي تتناول الجريمة في ألمانيا تحتوي على محققين وقتلة مضحكين في الوقت نفسه. هذا العمل قاتم وكئيب».

وأضاف، أنه بدلاً من إضفاء صفة المثالية على قرى الريف، يصور الكتاب «جو الكاثوليكية المتعصبة والضيّقة للغاية».

التقاط صوت الناس

وقال محرّر وناشر Das Buch als Magazin»» «الكتاب كمجلّة»، والتي تنشر الأدب الكلاسيكي، والصحافة الحديثة، بيتر واغنر: «منذ العام 1990، تحوّلت أكثر روايات الجريمة في ألمانيا شعبية إلى أفلام رعب في أجزاء إقليمية من البلد، ولكل إقليم محققُه الخاص، تبعاً لإمكاناته وحواسه وغرائزيته المختلفة عن الإقليم الآخر».

وأضاف واغنر «من جانب آخر، الرواية كانت بسيطة وقليلة الصفحات، ولكنها معبّرة للغاية في الوقت نفسه». وبالعودة إلى شنكل، أوضحت «إنها الرواية التي تلتقط في الواقع صوت الناس. كنت قد بدأت للتو العمل كصحافية عندما أنجزتها وتمت طباعتها، وساعدتني حقيقة في وضع معايير لي تتعلق بكيف يجب أن تكون الكتابة».

وقالت شنكل، إن الهجوم الشعبي كان مثيراً ومخيفاً، على حد سواء، وخاصة بالنسبة إلى كاتبة في تجربتها الأولى. وأضافت أنها كانت تريد الكتابة طوال حياتها، ولكنها تفتقر إلى الثقة - أو التشجيع - لمتابعة ذلك. تركت المدرسة في سن السادسة عشرة، وعملت في شركة للهاتف تابعة إلى الدولة لسنوات عديدة، وتزوجت ولديها ثلاثة أطفال. وحينما كانت في الأربعين من عمرها، توفيت إحدى صديقاتها بسرطان الثدي، وتدرك شنكل أن لديها «الكثير من الخطط، وحين أريد إنجازها، عليّ إنجازها الآن». لذلك، جلست لنحو تسعة أشهر قضتها في الكتابة. ولكن الناشرين الذين بعثت لهم بمخطوطها لم يكونوا متحمسين لروايتها التي اعتبروها غير تقليدية.

لقد تم رفضها من قبل جميع دور النشر الكبيرة، وأطلقوا عليها أحكاماً مثل: غير ممتعة، وأنها يجب أن تكون مواكبة للحاضر، وغارقة في اللغة الأدبية. وفي النهاية وافقت دار نشر صغيرة «نيوتيلوس» عليها، دافعة مقدماً هو عبارة عن ألف يورو، أو ما يعادل 1360 دولاراً، وطبعت بضع آلاف من نُسَخِها.

ويعود أوليس إلى الحديث عنها «كانت أندريا ماريا شنكل ربة بيت غير معروفة تماماً، وجميع المجلات أرادت قصصاً عنها». وفي الجولة الأولى من طباعتها بيعت الرواية في غضون شهر.

وقالت شنكل: «لم يكن الأمر كما كان عليه عندما خرجت الرواية إلى النور». «ويوماً بعد يوم لم يتوقف رنين الهاتف طوال الوقت من أجل إجراء المقابلات - كان الناس يقفون أمام سياج البيت كما لو كنتُ بْرَادْ بيت وأنجلينا جولي في الفناء الخلفي لبيتنا».

فازت «مزرعة القتل» في العام 2007 بجائزة دويتشر كريمي، وتعد أعلى وسام ألماني لأفلام الرعب والجريمة، وفي العام نفسه، أصدرت أندريا ماريا شنكل روايتها الثانية «جليد بارد» وكانت من أكثر الكتب مبيعاً وفازت بالجائزة المذكورة أيضاً في العام نفسه، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب بالجائزة نفسها في عامين متتاليين. ولا يبدو أن شنكل لديها عديد ممن تقلّدهم في خطها الروائي. «هي نوع من صياغة الماس النادر» بحسب تعبير غوليس. لكنها أثارت اهتماماً متجدّداً بهذا النوع من الكتابة عموماً، وألهمت غيرها من الكتّاب في ألمانيا.

وقال واغنر، إن أسلوب السماح للشهود بالحديث عن أنفسهم، ومنحهم صوتاً، والسماح للهجة المحلية بالتحكّم في القصة - ذلك من وجهة نظري، مستمد في كتب أندريا من قوة وتأثير الأدب المناطقي من قبل الكتّاب الشباب». وتأمل دار «Quercus» أن يمتد حضورها خارج أوروبا أيضاً. وقررت دار النشر التوسع في الولايات المتحدة.

من ناحيته قال مدير المبيعات في (Quercus) إريك برايس، إنه يعتقد أن أسلوب «مزرعة القتل» وموضوع الوحشية التي لا يمكن تفسيرها ستجذب القراء الأميركيين.

وأضاف أن «جريمةً لم يتم حلّها ستخلق مكيدة؛ إذ كيف يمكن لمجتمع أن يتفاعل مع قصة عنف دون حل، كل ذلك سيتردّد صداه»، بحسب تعبير برايس.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:49 ص

      شكرا للكاتب بالتعريف على هذه الرواية و هذه الكاتبة ساحاول الحصول عليها باسرع وقت الشكر موصول لجريدة الوسط كذلك.

اقرأ ايضاً