أظهرت أحدث دراسة من «ديلويت» لجيل الألفية، مخاوف هذا الجيل من المستقبل وخصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، إذ تنتابهم مخاوف من عالم مليء بالمخاطر ويشكك في توجهاتهم الشخصية. كما أظهر الاستطلاع أن كثيراً من ابناء جيل الألفية غير واثقين من الوعود التي تقدمها لهم دولهم.
واعتمدت نتائج البحث على دراسة أجرتها شركة ديلويت العالمية في شهر سبتمبر/ أيلول 2016 لحوالي 8,000 شخص من أبناء جيل الألفية يمثلون 30 دولة من مختلف أنحاء العالم.
ويؤكد التقرير أن جميع المجيبين ينتمون إلى جيل الألفية ممن ولدوا بعد عام 1982 وحصلوا على شهادة جامعية ويشغلون وظيفة بدوام كامل ويعمل غالبيتهم في شركات خاصة كبيرة.
ويتكون التقرير من 6 أجزاء، هي: الجزء الأول: المشاعر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية: وجود فجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية. الجزء الثاني: العمل التجاري كقوة من أجل التغيير الإيجابي. الجزء الثالث: الشعور بالتمكين، جيل الألفية، والتداعيات المتلاحقة.
الجزء الرابع: جيل الألفية يبحث عن الصراحة، والعاطفة، وليس عن التطرف. الجزء الخامس: الاستقرار والمرونة والأتمتة (التشغيل الآلي)، ولاء متنام ورغبة في الحصول على الثقة. الجزء السادس: قدرات ومهارات الجيل Z تحظى بإعجاب جيل الألفية.
وخلص التقرير إلى نتائج أساسية، تتمثل في أن أبناء جيل الألفية في الدول المتقدمة يشعرون بالتشاؤم، في حين يسود التفاؤل في الأسواق الناشئة. وفي البيئة الحالية، يبدو أن جيل الألفية أكثر ولاء لأرباب العمل من العام السابق. وفي فترة تتسم بالغموض، يميل أبناء الجيل إلى الاستقرار ورفض عروض العمل المستقل أو الوظائف الاستشارية. وتوفر الشركات في كثير من الأحيان فرص عمل لجيل الألفية لمساعدتهم على التفاعل مع «أعمال الخير» لتعزيز العلاقة الإيجابية بين الأنشطة التجارية والأثر الاجتماعي. ولايزال العاملون في الشركات ذات المرونة العالية يتمتعون بنسبة ولاء أعلى إضافة لما لها من تأثير إيجابي على الأداء. كما أن الأتمتة -وهي الاعتماد على الآلات بدلاً من الإنسان- تسبّب بعض القلق، في حين يعتقد آخرون أن استبدال الوظائف البشرية بمختلف التقنيات والآلات يوفر أنشطة خلّاقة أو ذات قيمة مضافة إضافة إلى بروز الحاجة إلى التدريب.
يعزو التقرير أسباب التشاؤم وتزعزع الثقة لدى جيل الألفية إلى «الاضطرابات التي شهدها العام 2016، بدءاً من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية، ومروراً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتهاء بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لا تزال تثير جدلاً».
وتحدث المشاركون في الاستطلاع، عن تضاؤل احتمال تركهم وظائفهم، وأبدوا قلقهم من الصراعات السياسية وتأثيرها في الأسواق ومستقبلهم.
ووفقا لما جاء في التقرير، يعترف أكثر من نصف أبناء جيل الألفية بـ «حصولهم على فرص للمساهمة في قضايا ومشكلات المجتمع الجديرة بالاهتمام في أماكن عملهم»، إذ تظهر نتائج الاستطلاع أن الذين يحصلون على مثل هذه الفرص يبدون لشركاتهم مستوى ولاء أعلى، الأمر الذي ينسجم مع العلاقة بين الولاء وبين جدوى وقيمة العمل التي ظهرت في دراسة العام الماضي. ومن الملاحظ أن لهذا الشعور بالجدوى والقيمة فوائد تتجاوز استبقاء الموظفين، فمن حظي بفرصة المساهمة يكون أقل تشاؤماً من أوضاع بلدانهم الاجتماعية-السياسية العامة، ويتسم بإيجابية أكثر حول سلوك الشركة.
ويتوقع أبناء جيل الألفية في الأسواق الناشئة أن يكون وضعهم أفضل من وضع آبائهم من الناحيتين المالية (71 في المئة) والنفسية (62 في المئة) وذلك بخلاف نظرائهم في الأسواق المتقدمة إذ توقّع 36 في المئة منهم فقط أن يكون وضعهم المالي أفضل من وضع آبائهم، في حين أفاد 31 في المئة أنهم سيكونون أكثر سعادة. وانفردت الولايات المتحدة لوحدها بين الأسواق المتقدمة التي يتوقع فيها غالبية أبناء جيل الألفية أن يكون وضعهم أفضل من وضع آبائهم؛ بينما لم تظهر هذه الأغلبية التي تتوقع أنها ستكون «أكثر سعادة» من جيل الآباء سوى في 11 دولة فقط من الدول الثلاثين التي شملها الاستطلاع.
وقد يترجم جزء من قلق أبناء جيل الألفية في رغبة المزيد من هؤلاء بالبقاء في وظائفهم. ففي العام الماضي، بلغت «نسبة الولاء» 17 في المئة بين أولئك الذين توقعوا مغادرة الشركات التي يعملون فيها خلال سنتين وأولئك الذين توقعوا البقاء فيها لأكثر من 5 سنوات؛ أما في العام الجاري، فرصيد أبناء جيل الألفية الذين يتوقعون «المغادرة قريباً» لا يتجاوز 7 في المئة.
كذلك، تُظهر نتائج الاستطلاع رغبة المشاركين الشعور بالأمان في وظائفهم؛ نظراً للمزايا التي يحصلون عليها في عملهم سواء كانوا مستقلين أو استشاريين، مثل فرص العمل في قطاعات مختلفة، وتعلّم مهارات جديدة، والقدرة على السفر، أو العمل في الخارج، حيث فضّل حوالي الثلثين من المشاركين الوظيفة بدوام كامل؛ وقد حلّت البطالة في المرتبة الثالثة بين 18 مجالا للمخاوف الشخصية التي تم قياسها.
ويشعر أبناء جيل الألفية بمسئوليتهم تجاه العديد من المسائل في كل من مكان العمل والعالم، ولكنهم يشعرون أن التغيير الذي يمكنهم إحداثه يكمن بالدرجة الأولى في مكان عملهم. فمشاركتهم في «قضايا ومشاكل المجتمع» على المستوى المحلي بدعم من الشركات التي يعملون فيها، تسهم في حس التأثير الإيجابي الذي يطمح إليه أبناء جيل الألفية بدءاً بالفرد إلى مكان العمل الأوسع وصولا إلى المجتمع ككل.
ويعترف أكثر من نصف أبناء جيل الألفية بحصولهم على فرص للمساهمة في قضايا ومشاكل المجتمع الجديرة بالاهتمام في أماكن عملهم.
وبشكل عام، يعتقد أبناء جيل الألفية إنهم ينوون البقاء لفترة أطول لدى الشركات التي تنخرط في القضايا الاجتماعية كالتعليم والبطالة والرعاية الصحية؛ وهذه المسائل الاجتماعية والاقتصادية التي تنخرط بها شركاتهم ستشعر هؤلاء بالتفاؤل أكثر بشأن تقدّم بلدانهم.
كما يستمر تحسّن مواقف أبناء جيل الألفية بخصوص الشركات عموماً؛ فللعام الثالث على التوالي، يرى غالبية المشاركين في الاستطلاع أن الشركات وقادتها يولون اهتماما أكبر بالمجتمع ويتصرفون بطريقة أخلاقية، في حين يشعر عدد أقل أن الشركات تركز على الأرباح بشكل صرف وترتب الأولويات على جداول أعمالها مع إعطاء القليل من الاهتمام للمجتمع.
وفي حين أكّد 6 من بين كل 10 مستطلع أن الشركات المتعددة الجنسيات أحدثت تأثيراً إيجابياً على الصعوبات التي يعتبرها أبناء جيل الألفية مخاوفه هامة، إلا أنهم يعتقدون أنه يمكن للشركات الكبيرة أن توظف جهوداً أكثر في هذا السياق.
المرونة في دوام العمل تحسّن مستوى الأداء
بشكل عام، يفيد 84 في المئة من أبناء جيل الألفية أن شركاتهم توفر نسبة مرونة ضئيلة في العمل، مقابل 39 في المئة ممن يعتبر أن شركاتهم توفر بيئة عمل مرنة للغاية. وهم يعتقدون أن ترتيبات العمل المرنة تساعد على زيادة الإنتاجية وتعزيز شعور الانتماء لدى الموظفين وتزيد في الوقت نفسه من مستوى رفاهيتهم وصحتهم وسعادتهم الشخصية.
كذلك يتمتع العاملون في الشركات ذات المرونة العالية بنسبة ولاء أعلى وهم يعتقدون أن لممارسات العمل المرنة تأثيراً إيجابياً على الأداء المالي بنسبة تتعدى الاثنين والنصف مقارنة مع العاملين في شركات أكثر قيوداً. كما يفيد ثلاثة أرباع المستطلعين الذين توافرت لهم فرص عمل مرنة أنهم على ثقة بأن زملاءهم يحترمون ذلك، بينما يشعر 78 في المئة بأنهم يحظون بثقة مدرائهم المباشرين.
كما توصل الاستطلاع إلى أن «الأتمتة تخلق تهديدات وفرصاً»، إذ إنه لا شك في أن الأتمتة -وهي الاعتماد على الآلات بدلا من الإنسان- تسبّب بعض القلق، إذ يعتقد 40 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن وظائفهم تتعرض للخطر بسببها؛ ويرى 44 في المئة منهم أن الحاجة لمهاراتهم ستقلّ؛ في حين تعتقد الأغلبية أنهم سيضطرون للتدرّب مجدداً؛ ويرى 53 في المئة أن مكان العمل أصبح يفتقر إلى اللمسة الشخصية والعنصر البشري.
وفي المقابل، يرى العديد من المستطلعين -وخصوصاً أولئك المطلعين أكثر على الأتمتة وفوائدها- أن استبدال الوظائف البشرية بالتقنيات الإلكترونية يوفر أنشطة خلّاقة أو ذات قيمة مضافة إلى جانب خلقها فرص لتعلّم مهارات جديدة.
وفيما يخص «البحث عن الوضوح في التعامل والابتعاد عن التغير المفاجئ الجذري»، فإنه بشكل عام، لا يؤيد المستطلعون القادة الذين يأخذون مواقف مثيرة للجدل أو مسبّبة للخلاف والشقاق أو يسعون إلى تحول جذري بدلاً من التغيير التدريجي. وهم أيضاً أكثر ارتياحاً للصراحة والوضوح من قبل مدرائهم وشركاتهم.
وبالنسبة إلى شكوك حول التعاون بين الشركات والحكومات، ففيما يتعلق بمعالجة الصعوبات التي يواجهها المجتمع، ينقسم أبناء جيل الألفية بالتساوي بين أولئك الذين يعتقدون أن التعاون بين الشركات والحكومات أمر جيد (49 في المئة) وأولئك الذين لا يحبذون ذلك (48 في المئة). كذلك، يعتبر 27 في المئة فقط من المستطلعين أن المواطنين / المجتمع هم المستفيد الأساسي من التعاون بين الشركات والحكومات.
وتوصل الاستطلاع إلى أن «إبداع ومهارات الجيل Z محطّ ترحيب»، إذ يميل أبناء جيل الألفية إلى الإيجابية عموماً حول الجيل Z (أي إلى جيل ما بعد الألفية والذين لا يزيد عمرهم عن 18 سنة حالياً والذين سينضمون إليهم في أماكن عملهم) حيث يعتقدون أن هذه الفئة تمتلك مهارات عالية في تقنية المعلومات بالإضافة إلى القدرة على التفكير بطريقة إبداعية. ويعتقد 6 من بين كل 10 أشخاص ينتمون إلى جيل الألفية أنه سيكون لأبناء الجيل Z تأثير إيجابي مع ازدياد تواجدهم في مكان العمل؛ ومستوى هذا الاعتقاد أعلى في الأسواق الناشئة (70 في المئة) مقارنة مع الأسواق المتقدمة (52 في المئة).
العدد 5300 - السبت 11 مارس 2017م الموافق 12 جمادى الآخرة 1438هـ