تعتبر السياحة من العلوم الحديثة التي ازدهرت في العقود الأربعة الأخيرة، وقد نشأت بداية في أوروبا وأميركا مع تطور الحركة السياحية من خلال أقسام العلوم الاجتماعية، ولكن مع ازدهار السياحة اشتد الطلب على العمالة السياحية، فظهرت معاهد وكليات وجامعات متخصصة في كل من: سويسرا وايطاليا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، أما في مجال الفندقة فقد كان الأمر مبكرا، حيث ظهرت المدارس والجامعات الفندقية في بدايات الثلاثينات من القرن الماضي، نذكر منها لوزان/سويسرا وميلانو/ايطاليا وكورنيل/الولايات المتحدة. وفي الوطن العربي كانت جامعة حلوان السباقة في جمهورية مصر العربية، ثم تلتها دول المغرب العربي ولبنان والأردن وسورية، وأخيرا دول الخليج العربي وخاصة البحرين وعُمان والإمارات المتحدة والسعودية.
إن البرامج الأكاديمية التي تقدمها المعاهد والكليات في الخليج العربي تركز على المهارات الأساسية والعملية في صناعة السياحة، في حين أن البرامج الأكاديمية التي تقدمها الجامعات العالمية تركز على المهارات الإدارية والوظيفية والعملية المتخصصة. إن وجود المراكز والمعاهد والجامعات المتخصصة في مجال السياحة والفنادق هو مؤشر هام لتطور السياحة في البلد، حيث يعزى نجاح السياحة والفنادق أولا إلى مدى جاهزية واستعداد الأيدي العاملة في مجال الخدمات السياحية، وثانيا لا جدوى من السياحة إن لم تكن الأيدي العاملة في مجال السياحة محلية المنشأ ومدربة بشكل مهني.
أولاً: البرامج الدراسية السياحية والفندقية
يمكن تقسيم البرامج الدراسية في مجال السياحة والفنادق إلى 3 أنواع:
1 - البرامج المهنية أو العملية
تقدم الكثير من الدول برامج تدريبية في السياحة في مستوى الدبلوم، حيث يركز على الجوانب العملية والمهنية، وهي تتيح للطالب الحصول على وظيفة مباشرة، وتشرف على هذه البرامج معاهد ومؤسسات متخصصة في إنتاج الطعام وفنون الطهي والتدبير الفندقي والمطعم وشركات السياحة والسفر. وتمتد فترة التدريب عادة ما بين 6 شهور و3 سنوات. وقد انتشرت المعاهد المتخصصة بالدراسات الفندقية منذ سنوات طويلة في أوروبا مثل سويسرا وفرنسا وايطاليا، ولكن في مجال السياحة والسفر فهي حديثة العهد.
2 - البرامج الأكاديمية
تطرح البرامج الأكاديمية عادة في الجامعات، حيث يدرس الطالب مقررات عامة في السنتين الأوليين، ثم مقررات متخصصة في السنتين التاليتين وبعد إتمام دراسة الأربعة اعوام يحصل على درجة البكالوريوس. وتركز معظم البرامج على المهارات الإدارية في الفنادق والسياحة، بالإضافة إلى مهارات تدريبية عملية في أحد الفنادق لمدة فصل دراسي واحد. أما برامج بكالوريوس السياحة فيتم التركيز على المقررات الإدارية والاجتماعية والجغرافية.
3 - البرامج التدريبية أثناء العمل
تقدم الشركات الكبيرة العاملة في صناعة السياحة مثل سلاسل الفنادق العالمية وشركات السياحة الدولية برامج تدريبية متنوعة، حيث تقدمها كل شركة بالصورة التي تناسب توجهاتها. وبالرغم من الكلفة الباهظة لهذه البرامج إلا أنها توصف بأنه ضيقة التخصص وسطحية وتناسب فقط متطلبات شركة بعينها ولا تقدم للمتدرب مهارات مهنية عامة.
ثانياً: البرامج الأكاديمية: تجربة البحرين
لقد بدأ التعليم السياحي والفندقي في البحرين بإنشاء مركز التدريب للتموين والفندقة في عام 1976، وفي عام 1997 تحول إلى كلية الخليج للضيافة والسياحة بالتعاون مع جامعة مانشيستر البريطانية. وفي عام 2001 أنشأت جامعة البحرين قسما للسياحة من ضمن أقسام كلية الآداب ويرتبط بقسم الإعلام. وينبثق عن القسم 3 تخصصات هي: الإدارة الفندقية وشركات السياحة والسفر والإرشاد السياحي. وقد ركزت الخطط الدراسية على الجوانب المعرفية واللغات الأجنبية ومهارات الحاسوب، بالإضافة إلى التدريب العملي والذي خصص له فصلان دراسيان. لقد أولت الجامعة اهتماما كبيرا لهذا التخصص، وقد تمثل في إنشاء مختبرات محوسبة، كما تم افتتاح مكتبا للسياحة والسفر في حرم جامعة البحرين، يساهم الطلبة في تشغيله والتدريب على مهامه، كما تم عقد اتفاقيات مع فنادق الخمس نجوم لتدريب الطلبة في مجال الضيافة والفنادق.
إن أهم ما يميز قسم السياحة في جامعة البحرين ما يلي:
أ- يستقطب القسم أصحاب المعدلات المتدنية، ما ينعكس على أداء الطلبة، وهم بالتالي يشكون الضعف في الجوانب المعرفية واللغات الأجنبية.
ب- تهيئ الجامعة كل السبل من أجل إنجاح برنامج التعليم السياحي، وذلك من خلال استقطاب أفضل المدرسين والخبراء في المجالات السياحية، كما تدعم قيام طلبة القسم بزيارات إلى دول سياحية مرموقة من أجل إكساب الطلبة المهارات والخبرات المطلوبة.
ج- إن تعاون المؤسسات السياحية والفندقية الخاصة والعامة في دعم ومؤازرة البرنامج التعليمي السياحي لامثيل له في الوطن العربي، حيث تقدم هذه المؤسسات كل الدعم المادي والمعنوي للبرنامج التعليمي.
د- تدني مستوى الرواتب والأجور لخريجي الجامعات ربما هو السبب الذي لا يشجع الشباب على الإقبال على هذه المهنة.
ثالثاً: مقترحات لتطوير التعليم السياحي والفندقي في البحرين
إن نجاح العملية التعليمية في المجالات السياحية والفندقية باتت عملية ضرورية؛ لأنه يصب أولا في تنمية وتطوير القطاع السياحي، فنجاح السياحة في أي بلد من البلدان يعزى إلى مهارات وخبرات العمالة السياحية المحلية التي تتفهم احتياجات السياح وتعمل على إرضائهم، إضافة إلى ضرورة تناغم وانسجام مخرجات التعليم مع احتياجات القطاع السياحي حتى لا نخرج عمالة فائضة لا لزوم لها، ومن ناحية أخرى فإنه إذا ما ضمنا جودة التعليم السياحي والفندقي فإن المنطقة برمتها متوجهة نحو السياحة، عندها تستطيع البحرين أن تجد لها موطئ قدم في التعليم السياحي على المستوى الخليجي.
وفيما يلي بعض المقترحات لتطوير التعليم السياحي والفندقي في البحرين:
-1 ضرورة أن تولي هيئة السياحة والمعارض موضوع التعليم السياحي جل اهتمامها، لا بل إنشاء دائرة خاصة للتعليم السياحي والإشراف والتنسيق على كافة مؤسسات التعليم السياحي، ومن الضروري أن يكون قطاع التعليم السياحي شريكا فاعلا مع وزارات وادارات السياحة الرسمية.
-2 إنشاء جمعية لخبراء السياحة، تجمع جميع الأكاديميين في المجال السياحي والفندقي، وأن يكون لها حضور على مستوى البحرين والخليج العربي، وأن تكون النواة للأكاديميين والخبراء السياحيين العرب.
-3 ضرورة إعطاء وزن كبير لبرنامج التدريب العملي في البرامج والخطط السياحية، لا سيما أن معظم الخطط الدراسية طابعها نظري.
-4 التركيز على مهارات اللغة الأجنبية في البرامج والخطط الدراسية، ولا بأس أن تكون لغة التدريس في تخصصات السياحة اللغة الإنجليزية.
-5 تنمية وتطوير مهارات الحاسوب في الخطط والبرامج، ولا سيما أن الخدمات الالكترونية بدأت تفرض نفسها وبخاصة في مجال شركات السفر والسياحة والفنادق.
-6 أن يكون هناك نقاط تلاق مع القطاع السياحي، وقد يتمثل ذلك من خلال إشراك القطاع السياحي بمجالس أقسام التعليم السياحي، وذلك كي يلبي التعليم السياحي احتياجات السوق السياحي.
-7 ضرورة تحسين بيئة العمل في القطاع السياحي والفندقي، وذلك من خلال تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للعاملين، من أجل استقطاب الطلبة المتميزين للانخراط في هذه المهنة لكلا الجنسين؛ الذكور والإناث.
-8 القيام بحملات إعلامية وتوعوية عن أهمية السياحة ودورها في تنمية المجتمعات المحلية، وذلك من أجل تغيير نظرة المجتمع نحو السياحة، والتأثير على ثقافة العيب.
-9 ان غالبية المهن التي يشغلها البحرينيون في قطاع السياحة والضيافة، هي في الأغلب مهن بسيطة وثانوية، ونتمنى أن يعاد النظر في تلك المهن ودراستها، والعمل على خلق حوافز على استقطاب الكفاءات المحلية للانخراط في المهن المفصلية في القطاع السياحي والفندقي، ولو بشكل تدريجي.
وفي الختام، أود أن اقول ان السياحة تنهض بفعل مواطنيها، ويجب أن نعمل مثلما قامت به سلطنة عُمان، وذلك من خلال تشجيع انخراط السكان المحليين على العمل في القطاع السياحي والفندقي، ووضع نسبة من العمالة المحلية يجب تحقيقها مع قادم السنوات، وأن نرتقي بالتعليم السياحي والفندقي، بما يتماشى مع التعليم العالمي، ومركزين على مهارات اللغات الأجنبية، وحسن الاتصال، ومن ثم تحسين بيئة العمل السياحي والفندقي. ولهذا فوضع عدد من المحفزات وتشجيع شباب البحرين على الانخراط في مجالات التعليم السياحي المختلفة، ستساعد على زيادة الإقبال على التعليم الفندقي والسياحي والولوج إلى مهن سياحية راقية يشغلها الشباب البحريني.
إقرأ أيضا لـ "حابس السماوي"العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ