للشعوب والأمم تقاليدها في الاحتفاء بروادها التاريخيين، ومبدعيها، ومفكريها، ونشطائها في العمل الاجتماعي والوطني، ويسجل التاريخ الإنساني ثوابت تاريخية مهمة تبرز كيف كانت المجتمعات البشرية تحتفي بروادها، والاهتمام بالأشخاص وتكريمهم بعد رحيلهم، وتشير الحقائق التاريخية إلى أن هناك الكثير من الرموز التاريخية الفاعلين في ميادين العمل الإنساني المختلفة في مجال الإبداع العلمي والثقافي والأدبي والفني والاجتماعي، وكثير منهم تُجهل أسماؤهم وجهودهم وتكون أسماؤهم غير معروفة، ولم يُنصفهم التاريخ على رغم إسهاماتهم المميزة والمثمرة في مسيرة التنمية والتطور الحضاري للمجتمعات، والقليل منهم بمجرد رحيلهم يجري الالتفات إلى الفراغ الذي يحدثه رحيلهم في الحراك المجتمعي والتنموي، ويجري العمل في تسجيل إنجازاتهم وإبراز الفعل الذي قدمه الأفراد في تغيير واقع الحياة المجتمعية، ذلك ما تجسد في مبادرة الاهتمام بإبراز المآثر التاريخية لحياة فقيد العمل الاجتماعي محمد مهدي عياد «أبوعلي» بعد رحيله إلى العالم الآخر، وتسليط الضوء على ما تركه من أثر في الواقع الاجتماعي.
إن ما يميز قيمة الفرد ويجعله حاضراً في الوسط الاجتماعي أثناء وجوده وبعد رحيله إلى العالم الآخر، المواقف والأفعال، وتلك خصال مهمة في البناء الشخصي للفرد، تتجسد في القيمة الأخلاقية في العلاقات الموزونة للفرد مع المجتمع، وفي المبادرات الذاتية للفرد التي تُجسد مسئوليته الاجتماعية، وتلك خصال مهمة ونادرة الوجود في هذه المرحلة التاريخية للتطور الاجتماعي، وتلك المميزات والصفات الشخصية ميزت شخصية الراحل وهي صفات خبرناها في شخصية «أبوعلي» طوال علاقاتنا الممتدة من سبعينات القرن الماضي حتى رحيله.
من المعروف أن هناك شخصيات تعمل بصمت، وعلى رغم ما تقوم به من مبادرات قيمة وملموس فعلها الاجتماعي، لا تجد لها حضورا شخصيا ويكون جهدها خلف الستار، وذلك أمر مفهوم بُعده في المكون الذاتي في ثقافة مفاهيم هذا النوع من الأفراد في العمل والإنجاز، إذ ينصب جهدهم وهمهم وهدفهم الرئيسي في الإنجاز بخلاف ما يتبناه البعض في توظيف النشاط الاجتماعي في الظهور والبهرحة الاعلامية والشخصية، وتغليب الذات على الهدف الرئيسي فيما يتبنونه من جهد، دون أن يكون هناك فعل ملموس يعود بالنفع على حياة المجتمع، وعلى رغم حرص نشطاء العمل الإجتماعي الذين يتميزون بالفعل الايجابي في العمل والإنجاز في عدم إبراز ذاتهم والابتعاد عن المشهد الدعائي والإعلاني والإعلامي، يبقى ما يقدمونه من جهد في المشهد الاجتماعي شاهداً على فعلهم المسئول، ويؤكد حضورهم في الموقف الاجتماعي في الاحتفاء بمكانة وقيمة هذا النوع من الأفراد بعد رحيلهم، ذلك ما لمسناه في حركة تأبين الراحل محمد مهدي عياد التي شهدها مأتم الرضا في قرية باربار وفي المنبر التقدمي، ويجري التحضير مساء الأحد الموافق 12 مارس/ آذار2017 لتنظيم حفل تأبين في نادي باربار الثقافي والرياضي، يحضره شخصيات اجتماعية مهمة، ويجري في برنامجه تسليط الضوء على مناقب الفقيد في ما قدمه من جهد للعمل الاجتماعي وخدمة المجتمع في قرية باربار.
الحقيقة المؤكدة في الاهتمام الملحوظ بمآثر المرحوم «أبوعلي» تجسد في برامج التأبين النوعية والمتنوعة في برامجها في إبراز اهتمامات وأنشطة الفقيد، إذ كان له حضوره في الأنشطة الدينية والفعاليات الخيرية والتطوعية في قرية باربار، وفي النشاط النقابي وتمثل ذلك في مشاركاته الفاعلة في حركة العمل النقابي التي شهدت تفاعلاً ملحوظاً في بداية حركة الإصلاح الديمقراطي في البحرين.
الشهادات التي سجلها من عرفوه تشير إلى مآثره التاريخية في الحراك النقابي، إذ كان للفقيد إسهاماته الملموسة في تأسيس نقابة العاملين في وزارة الأشغال، ذلك ما بينه نائب الأمين العام للشئون السياسية في المنبر التقدمي فلاح هاشم في كلمته في حفل التأبين الذي نظمه التقدمي، إذ سلط الضوء على جوانب مهمة في مميزات أخلاقيات «ابو علي»، مشيراً إلى أن الفقيد «على رغم نشاطه الحيوي والبارز في تأسيس نقابة وزارة الأشغال جرى إبعاده عن قيادتها، بيد أنه على رغم ذلك كان يؤكد على أهمية تجاوز ما حصل، ومواصلة العمل والتشديد على ألا يكون ذلك عائقاً دون المساهمة في الحراك النقابي، وكان وفياً للعمل النقابي ومتسامحاً مع الجميع، ويدعو إلى تغليب العمل النقابي دون سواه، مبتعداً عن المشاحنات أو المناكفات، واضعاً نفسه رهن الحاجة في كل النشاطات والتحركات العمالية».
إن الثوابت والدلالات التي تُميز مآثر الفقيد التاريخية التي سردها من عرفوه ورافقوه في دروب العمل الاجتماعي، تؤكد حقيقة التميز في نشاطه الاجتماعي في قريته باربار، وتشير تلك الثوابت إلى أن نشاطه الأكثر فعلاً في مسيرة حياته تتمثل في مساهماته الملحوظة في الأنشطة التطوعية والثقافية والاجتماعية، التي تصدرت أنشطة نادي باربار منذ ثمانينات القرن الماضي، إذ كان يُمثل معادلة مهمة في تخطيط وتنظيم وإدارة الأنشطة، ويصف ذلك المشهد من عمل معه عن قرب في مرحلة «فريق الكوكب» في سبعينات القرن الماضي، ومجلس إدارة نادي باربار في تخطيط وإدارة الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تصدرها النادي في باربار، إذ يشير عضو مجلس الإدارة السابق في نادي باربار يوسف فاخر الوداعي أن الراحل «لايتصف بدماثة الخلق وحسب، بل هو أيضاً صاحب عزيمة لاتقهر في تحدي الصعاب والوصول إلى الهدف الذي يبتغيه، حتى وإن كان ذلك على حساب صحته». إنه يتحدى نفسه في أحياناً كثيرة عندما تسند اليه مهمة ويرفض أن يتقاعس في أدائها، فمنذ ريعان شبابه عندما بدأ الانخراط في العمل التطوعي في سبعينات القرن الماضي الذي بدأه مع اخوانه في «فريق الكوكب» ولاحقاً في «نادي باربار» الذين كانت لهم مبادرات كثيرة في مساعدة الفقراء في بناء وإصلاح منازلهم، كان المرحوم «أبوعلي» يندفع بقوة في الأعمال الشاقة في البناء دون أن يتبرم من هذا العمل، وكانت له مساهماته البارزة في إدارة حملات النظافة وتشجير القرية، كما ساهم في إدارة الكثير من الأنشطة الرياضية، والمبادرة في تبني فكرة تنظيم وإدارة فعاليات المهرجان الصحي، وفي تكوين الفريق الثقافي في النادي الذي انتزع المركز الأول على مستوى البحرين، وكان للمرحوم شرف تمثيل الوطن في المسابقة الثقافية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في الإمارات في العام 1989».
النشاط البارز في الاحتفاء بجهد وشخصية الراحل، يمثل في مضمون جوهره تكريم لنشطاء العمل الاجتماعي في شخص «أبوعلي»، ونرى أن تلك مبادرة مهمة في تخليد جهود من رحلوا لتكون مدرسة للأجيال المقبلة، ومن الطبيعي أن يترك ذلك أثره الإيجابي في تحفيز جهود نشطاء العمل الاجتماعي، وذلك الجهد مؤشر مهم ينبغي تعميمه، وجعله تقليدا في الاحتفاء بجهود نشطاء العمل الاجتماعي والمبدعين وهم في قيد الحياة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5298 - الخميس 09 مارس 2017م الموافق 10 جمادى الآخرة 1438هـ