تحدث طوني بلير منذ أسبوعين منتقداً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي سيؤدي، برأيه، لإفقار وإضعاف بريطانيا. لكن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يحاكي خروج ترامب من أجزاء أساسية من العالم وذلك عبر هجومه على العلاقات التجارية مع دول كثيرة والسعي نحو الانعزال. وقد تضمن هذا التوجه الهجومي تحدياً لأسس أساسية للعلاقات الدولية مع مؤسسات راسخة في عالم الأمن والتجارة، كـ «نافتا» والأمم المتحدة و «الناتو». هذه السياسة الأميركية ستؤدي لإضعاف أميركا بالوقت نفسه. فحتى اللحظة لا بديل عن العولمة والانفتاح الدولي والتجارة العالمية والديمقراطية والحقوق لتطوير الحياة في قارات شتى بما فيها الولايات المتحدة. فالمشكلة ليست بالتجارة الدولية.
بل في سياسة رأسمالية في الولايات المتحدة لم تقم بالأساس التفكير جدياً في أسس جديدة للعدالة الاجتماعية المحلية. غياب هذا كله سيدفع نحو الأزمات والمغامرات.
في بيئة تتميز بالانعزالية ترتفع حالة العداء للمسلمين في الولايات المتحدة، كما ترتفع حالة تأهب وحشد القوى الأميركية الشعبية المقاومة لهذا التوجه والساعية لانتزاع حقها في العدالة الاجتماعية الأميركية التي لن يلتفت إليها الرئيس ترامب. فالتيار الشعبي الأميركي المقاوم الذي حشد في المطارات وسعى في كل إطار قضائي لمنع قرارات ترامب التعسفية من التنفيذ مازال في طور التشكيل والتطوير. لكن تيار اليمين الذي يسيطر على هرم السلطة الأميركية وجد في التركيز على الإسلام طريقة لترتيب شرعية العهد الجديد وتحالفاته الإسرائيلية بالوقت نفسه، ووجد في هذه الطريقة أفضل توجه لغياب المقدرة على تحقيق نتائج أساسية حيث يجب: حقوق الطبقات الشعبية وتحسين معيشتها. إن إلهاء الأميركيين في صراع الإرهاب والإسلام هدفه إبعادهم عن طبيعة الفشل الذي تحمله المدرسة الترامبية ووعودها.
إن ما تقوم به الإدارة الجديدة في ظل توجهات منظرها الأخطر ستيفين بانون تشويه للحقائق، فالمشكلة الأكبر تقع في تراجع مكانية الدولة الكبرى وتحول رأس المال لصالح الأقلية المتحكمة مالياً، المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الولايات المتحدة تكمن في تراجع الطبقة الوسطى وخوفها من المستقبل. صراع الحضارات والمواجهة مع الإسلام كما يبدو لليمين الأميركي هو البديل الأساسي عن حل المشكلات التي تعاني منها الولايات المتحدة.
وتواجه الولايات المتحدة بالوقت نفسه فضيحة سياسية في طور التكوين مصدرها مقدرة الاستخبارات الروسية على اختراق أجهزة الحزب الديمقراطي واستخراج معلومات وإيميلات وتسريبها لـ «الويكيليكس» بهدف إضعاف هيلاري كلينتون قبل الانتخابات بأيام. هذا التدخل لا يختلف عن سعي أنصار نيكسون الدخول لمركز الحزب الديمقراطي لأخذ بعض المعلومات التي تساعد على هزيمة المرشح الديمقراطي في انتخابات 1972. لهذا تكتسب عملية التحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية زخماً كل يوم. فبعد استقالة مستشار الأمن القومي بسبب لقائه مع السفير الروسي جاء الدور على شخصية أساسية هو المدعي العام الجديد المسئول عن القضاء والعدالة جيف سيشينس، إذ تبين أنه التقى مع السفير الروسي مرتين أثناء الحملة الانتخابية، وهذا أمر لم يعترف به أو يقر به في جلسة الاستماع التي أدت إلى تعيينه في المنصب.
أكثر ما يزعج الكثير من النقاد من المحللين الأميركيين والنشطاء والمعارضين أن الرئيس ترامب تصادم مع أستراليا ورئيس وزرائها وخلق توتراً مع رئيسة وزراء ألمانيا ميركل وهاجم الصين والأقليات ولم يبقَ أحد لم تصله جملة من جمله النارية. الدولة الوحيدة التي لم يهاجمها ترامب للآن هي روسيا وبالطبع إسرائيل نتنياهو. هناك شكوك في وسائل الإعلام والرأي العام بشأن طبيعة العلاقة بين الإدارة الجديدة والرئيس الجديد بالتحديد وروسيا. هل التقارب الروسي الأميركي مرتبط بقضية أخلاقية تمس الرئيس بسبب زياراته السابقة لروسيا؟ هل هناك صفقات تجارية كبرى بين روسيا وترامب أم أنها مرتبطة بدور روسيا في مساعدة ترامب على الفوز بالانتخابات في واحدة من أخطر التدخلات لدولة منافسة في السياسة الأميركية؟ لهذا يزداد الهجوم من أكثر من اتجاه على رجال الرئيس والشخصيات التي أحاط نفسه بها، تساقط هؤلاء سيترك ترامب مع الوقت بلا دفاعات، وهذا قد يفرض عليه تغير سياساته أو مواجهة مزيد من المخاطر وصولاً لأكثرها جموحاً.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5298 - الخميس 09 مارس 2017م الموافق 10 جمادى الآخرة 1438هـ
نثني على الرئيس الامريكي الجديد ترامب فهو رجل محترم و يفهم و ليس كسابقة اوباما الذي اشتهر بمحاباة التيارات..... المتطرفة ...منها و... و كذلك نتمنى من ترامب التشريع في تفكيك كل ما قام به اوباما من اتفاقيات و منصات دعم للجماعات المتطرفه و أولها الدولة الراعية للارهاب..