مثلما استطاعت تنظيمات الجهاد الإسلامي التكفيري العنفي تغيير مسمياتها ووسائل عملها وأهدافها المرحلية عبر العقود من السنين، فإنها ستستطيع بعد كل معركة تخسرها في العراق أو سورية أو اليمن أو ليبيا، وفي أي مكان في الأرض العربية وفي العالم، أن تغير من ملامحها وأقنعتها لتستمر في الوجود. من هذه التغيُيرات المنتظرة حديث قادتها عن الاستعداد للانتقال من مرحلة الجيوش واحتلال الأراضي وإقامة حكم الخلافات إلى مرحلة الذئاب المنفردة.
تقول إحدى تعليماتهم إلى أتباعهم: احلقوا لحاكم واستبدلوا ملابسكم بالملابس الغربية وتعطروا بالعطور التي تحتوي على الكحول.
نحن إذاً أمام امتداد في الأفق المستقبلي البعيد، بتكيفات لاحصر لها ولاعد، ولكن ببقاء ذات الفكر ونفس الفهم الديني الكامنين وراء أكبر وأعقد ظاهرة سياسية - أمنية - اجتماعية - ثقافية سيواجهها العالم طيلة هذا القرن.
وعلى رغم أهمية الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تقف وراء هذه الظاهرة، إلا أننا نعتقد مع كثيرين آخرين، بأن السبب الأهم والأخطر يكمن في علل وأزمات المجال الديني الإسلامي الذي أحاط بمنطوق الوحي وبفهم مقاصده الكبرى وقيمه السامية.
وإذا كانت محاولات إصلاح تلك العلل والأزمات قد توجهت إلى الإصلاح الذاتي الديني في حقول من مثل علوم الحديث والفقه والاجتهاد، منذ المحاولة الكبيرة لمحمد عبده ومجموعة متميزة من الإصلاحيين الإسلاميين المبدعين، إلا أن الإصلاح الذاتي ذاك لن يكفي. إنه جناح واحد لن يكفي لتحلق حركة الإصلاح في الفضاء الحضاري السامي الإنساني.
فهناك حاجة للجناح الإصلاحي الثاني: جناح التعامل الإسلامي مع عدد من أطروحات الحداثة التي تتحدى المجتمعات العربية والإسلامية في العصر الذي نعيش. ونحن هنا لا نتحدث عن تعامل متبنٍ تقليدي وسلبي أعمى، وإنما عن تعامل تلاقحي تفاعلي، فكري ومنهجي، ندي وإبداعي.
لكن ذلك التعامل التحليلي النقدي التجديدي لمقولات الحداثة يتطلب أن يسير يداً بيد مع الإصلاح الذاتي للمجال الديني الذي ذكرنا. وبدون ذلك لا يمكن الوصول إلى حداثتنا العربية والإسلامية الذاتية.
ولنتذكر بأنه لا توجد حداثة واحدة وإنما حداثات بظلال ومستويات متعددة.
من بين هذه الشعارات والتعابير والقضايا التي أصبحت في صلب الواقع الذي يعيشه الفرد المسلم وتعيشه المجتمعات الإسلامية، ويتفاعل بألف شكل وشكل مع الواقع الذي يعيشه غير المسلم وتعيشه المجتمعات غير الإسلامية ... من بينها وأبرزها الآتي:
1 - العلمانية: سواء أجرى الحديث عن العلمانية (من العلم) أو العلمانية (من العالم الدنيوي)، أو قسم الموضوع إلى علمانية إيمانية وعلمانية إلحادية، أو إلى علمانية جزئية وعلمانية شاملة، أو إلى تقسيمات أخرى، فإنُ الموضوع يحتاج إلى الحسم من خلال جهد فكري وفلسفي عميق يخرجنا من المشاحنات التي طال عليها الزمن. فحسم هذا الموضوع له تأثيراته الكبرى على عوالم السياسة والاجتماع والثقافة والفنون والدين.
2 - موضوع العنف: هذا موضوع أصبح حديث الساعة. ولذلك لابد من حسم جوانبه النظرية والإيمانية ومحدداته ومشروعيته، التي تستقى من المقاصد الكبرى لمنطوق الوحي الإلهي في الدرجة الأولى.
3 - قبول الآخر: أصبح موضوع التعايش السلمي بين أتباع الدين الإسلامي والديانات الأخرى يحتاج إلى قراءات جادُة تزيل ما علق بهذا الموضوع من سوء فهم للرسالة المحمدية.
4 - التخلص من ترسبات التاريخ في الذاكرة الجمعية، أي تطهيرها الذهني والنفسي من مشاحنات وبلادات وآلام الماضي، سواء أكان تاريخ المسلمين فيما بينهم أو تاريخ المسلمين مع غيرهم.
5 - الديمقراطية، فما عاد استرجاع تعابير البيعة وأهل الحل والعقد والشورى والخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكريم المرأة كافياً. هناك استحقاقات للديمقراطية، مبادئ وممارسة، تحتاج إلى حسم نهائي وواقعي.
في داخل هذا الموضوع تكمن متطلبات كثيرة من مثل المواطنة، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد والضمير، ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، والحريات الشخصية والاجتماعية، وممارسة الفنون، وغيرها. وفي السياسة هناك مواضيع تبادل السلطة والتعددية والايديولوجية وأسس قيام الدولة والمبادئ الدستورية. كل ذلك يحتاج إلى أن يصل إلى الوقوف على أسس مقبولة مجتمعياً وغير متحاربة ليل نهار.
من الضروري الاستيعاب الكامل بأن الشروط السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية في بلاد العرب قد تغيرت، وعليه فان معاني منطوق الوحي الإلهي، تحتاج أن تتعامل، بقوة وإلحاح وإبداع وتفهُم، مع كل التغيرات.
موضوع إصلاح المجال الديني الذي يقود إلى إصلاح حداثي هو وحده الذي سيقف في وجه الأهوال التي ستفرضها ظاهرة الذئاب المنفردة على بلاد العرب والمسلمين وعلى العالم كله.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 5298 - الخميس 09 مارس 2017م الموافق 10 جمادى الآخرة 1438هـ
لا يقال ان للجهل اخوه الا ان اليوم للجاهلية ينابيع !
فمن ينابيعها الانقلاب الانعكاسي . عندما يعكس الرجعي تراجعه
للوراء فلا بد له الا اضهار جاهليته . وهذه اقرب إلى الحتميه منها. إلى غيرها . ...
كلامك يا خير ونعم المفكرين يعتبر خارطة طريق ودستور لحياة يمكن أن يتعايش فيها الجميع بمختلف مشاربهم ومعتقداتهم فهل هناك أذن تسمع وعقل يعي
كيف يتم اصلاح المجال الديني اذا سلمنا بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان
..., نعم أنا معك مادمت أنت حر , لاني من سلاله الاحرار . لايمكن لله تعالى أن يختار نبي إلا من هو من سلاله الاحرار قلبا وقالبا , تريدني أن أتبع ملل العبيد , لن أتخلى ولن أتخلى فإن تخليت فهناك أناس في نيجيريا يحيون , فهناك أناس في افريقيا يحملون الرايه . وفي الصين وفي الهند وفي وفي ......
البصري
الحضاره هي تراكمات , الاختراع هو تراكمات , الاجتماع هو تراكمات . لا يمكن يا سعاده الدكتور التخلص من تبعات الماضي , الماضي هو توصيات للحاضر , والحاضر هو المستقبل , المطلوب فقط فقط احترام الآخر لا أن أنسلخ من جلدي .
البصري
صباح الخير دكتور...أولاأقترح جمع مقالاتك في كتاب للتسهيل و الحفظ و لنسمي الكتاب ..قصاصات..نثريات..جمعيات(من جمعة)..ألخ.ثانيا أردت أن أعرف رأيك استكمالا لمقالاتك حول صنوف الإصلاح..رأيك حول تأثير التركيبة السكانية الحالية حيث الأغلبية غير عربية و قريبا ستكون غير اسلامية..
ليس واضحا كيف يكون الإصلاح في بلاد مواطنوها أقلية..هل عرف التاريخ مثالا نستدل به..هناك امبراطورات واسعة ترك فيها الأقاليم لشأنهم الداخلي..لكنني هنا أقصد الدولة ...
(داخل هذا الموضوع تكمن متطلبات كثيرة)
لا فضّ فوك ، وهذه المتطلبات هي مربط الفرس وهي التي لا يريدون للشعوب ان تحصل عليها .
كل امكانيات دول بقضّها وقضيضها وثرواتها مسخّرة لكي لا تحصل الشعوب على هذه المتطلبات
كلام من دكتور صاحب خبرة وعلم واضطلاع وصاحب قلب سليم محبّ لوطنه ولكن للأسف فكر الدكتور ثروة كبيرة تهدر ولا يستفاد منها وليس فكر الدكتور لوحده وانما هناك الكثير من أبناء الوطن الذين يشار لهم بالبنان ركنتهم السياسة جانبا .
هكذا نحن أمّة نبذّر ثرواتنا وندخل اوطاننا في متاهات وصراعات تخسرنا الأمن والأمان في الوطن وتخسرنا الآخرة ايضا حين يتم التعدّي على الناس و اغتصابها حقوق بل وسحقها