العدد 68 - الثلثاء 12 نوفمبر 2002م الموافق 07 رمضان 1423هـ

الإسلاميون... وقوتهم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سؤال هناك أكثر من جواب عنه: لماذا ينجح الإسلاميون في كل انتخابات تعقد في البلدان العربية والاسلامية؟

الأجوبة كثيرة تمتد من «نظرية المؤامرة» وتنتهي إلى كلام متداول عن بديهية ان المجتمعات مسلمة واختياراتها السياسية ستكون إسلامية بالضرورة.

نظرية المؤامرة ساقطة سلفا لأن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن «المؤامرات» كانت ضد وصول الاسلاميين إلى الحكم ومع ذلك نجحوا في نيل ثقة الناس. وأحيانا كانت المؤامرات تزداد ضدهم بعد كل جولة انتخابية تمهيدا لاسقاطهم عن طريق القوة أو افشالهم باتباع أساليب المقاطعة والعزل والحصار.

و الجواب البديهي الآخر الذي يقول ان طبيعة المجتمعات العربية هي مركبة من مجموعات دينية الغالبية الساحقة منها مسلمة وبالتالي فإن الناس حين يصوّتون يختارون المترشح الذي يشبههم ويفضلون «الاسلامي» أو المسلم على غيره من الأصناف السياسية المتعددة.

نظرية المؤامرة غير صحيحة. فالغرب يفضل التعامل مع أي قوى سياسية غير الاسلاميين لأن مخاطبة القوى الاسلامية أصعب عليه من مخاطبة غيرها من القوى. ومع ذلك فإن الغرب لا يمانع عندما لا يجد أمامه من قوى للتعامل معها غير القوى الاسلامية. فالسياسة عنده ركيزتها المصالح وليس الايديولوجيات. وحين تسقط الايديولوجيات في الانتخابات يجد نفسه أمام خيار التعامل الواقعي مع القوة السياسية الفائزة حتى لو كان لا يتوافق مع توجهاتها.

إلى الواقعية السياسية هناك الحاجة. أحيانا الغرب (الدول الكبرى فيه) يضطر إلى التعاون تسهيلا لأمر محدد فرضته الظروف الموضوعية كما حصل مثلا في افغانستان بعد الغزو السوفياتي وتكرر مثلا في البوسنة بعد الغزو الصربي. الضغوط الخارجية (العسكرية والسياسية) تفرض على الدول صاحبة المصلحة في مواجهة الهجمة المضادة والتعامل مع القوى الأكثر شعبية والقادرة على تعبئة النفوس لمواجهة تداعيات الموقف والحد من مخاطرها في المستقبل. فالدول الكبرى تضطر في مثل هذه الحالات النادرة للتعامل مكرهة مع قوى سياسية لا تنسجم معها ولكنها بحاجة إليها لحسم موقف طارئ ومحدد.

الحالات النادرة ليست بالضرورة تعكس استراتيجية ثابتة. فكل الاستراتيجيات في النهاية مرنة ومتغيرة. وأحيانا تتبدل لائحة الأصدقاء والأعداء وتختلف الأولويات بحسب الظروف والحاجات. لذلك تلتقي مصالح الخصوم في موقف مشترك وتختلف مصالح الأصدقاء في موقف آخر. المسألة إذا ليست مؤامرة بقدر ما هي مصالح متبادلة التقت عند حاجة مشتركة: الغرب بحاجة إلى قوة بشرية والعالم الاسلامي بحاجة إلى دعم الغرب لحسم مشكلة طارئة.

وغير هذه المنطقة من المنافع المتبادلة يصعب الحديث عن «مؤامرة» أوروبية - أميركية تريد من الاسلاميين الوصول إلى الحكم لتخريب العلاقات وتبرير التدخل الغربي في المنطقة العربية - الاسلامية. فالغرب اصلا موجود منذ أكثر من قرنين في معظم البلدان العربية - الاسلامية وليس بحاجة إلى توسط الاسلاميين لتبرير تدخله.

«نظرية المؤامرة» خاطئة كذلك الرد عليها غير صحيح. فالرد ينطلق من بديهية ان المجتمعات مسلمة وبالتالي فهي تختار الاسلاميين لتمثيلها في الحكم. هذا الجواب ليس دقيقا. فهناك الكثير من الحالات اختار فيها الناخب جهات غير مسلمة وأحيانا شارك الحكام في معاركهم ضد المسلمين. فالأمر ليس بهذه البساطة.

اذا من أين جاء الاسلاميون من باكستان إلى المغرب مرورا بتركيا بكل هذه الشعبية؟ من الصعوبة تلخيص الأجوبة لأنها في النهاية ستقع أيضا في التبسيط، ولكن يمكن تحديد ثلاثة مكامن لقوة الاسلاميين:

الأول: تسلط النخبة (الحزبية، العسكرية) الانقلابية على الدولة وسرقة السياسة من الناس.

الثاني: فشل التحديث أو بالأحرى وصول «الحداثة» إلى مأزق تاريخي فهي غير قادرة على مواصلة طريقها ولا تستطيع التراجع عن منطقها التجريبي.

الثالث: أزمة الهوية. المجتمعات العربية - الاسلامية تعيش في «غربة» تاريخية فهي تمر في فترة تاريخية «نصفية» بين الحديث والقديم، الماضي والحاضر، الديني والعلماني، وفشل النصف «الحديث» و«العلماني» يعزز بالضرورة قوة النصف الآخر.

هذه «النصفية» التاريخية لا تعني بداهة أنها مرحلة انتقالية بل قد تعني عند البعض بداية نكوص أو تراجع إلى الوراء. والعودة إلى السلف ليست دائما سيئة فهي أحيانا قد تكون قفزة تاريخية إلى الأمام وخصوصا حين يكون السلف من الصالحين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 68 - الثلثاء 12 نوفمبر 2002م الموافق 07 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً