من سوء الحظ أن تسمى إحدى أهم مؤسسات مجتمعنا «مأتما»، ومازال اخواننا من المصريين واللبنانيين وغيرهم يتقززون عندما نتحدث عن «مأتم» تقام فيه مختلف الأنشطة الاجتماعية والدينية والسياسية. إلا أن «المأتم» خرج عن اسمه الحزين في مخيلة البحرينيين ولم يعد يرمز الى مكان للحزن... فهو مؤسسة دينية أساسا لنشر قضية الإمام الحسين (ع) والتذكير بها، وهو أيضا مكان لأفراح الزواج والاحتفالات والابتهاجات والاجتماعات السياسية وغير السياسية والتدريس وغيرها من الأنشطة المتنوعة.
وكشعب لسنا الأوائل في استخدام مصطلح تكون له معان غير حسنة عند الآخرين، وحتى حزب المحافظين في بريطانيا له مصطلح مستخدم بصورة يومية في الصحافة وهو «توري» وهذه الكلمة تعني «عصابة قطاع الطرق» التي كانت تثير قلاقل في إيرلندا في الزمن الماضي.
وعلى رغم ان معنى المصطلح قبيح، فإنه خرج من مخيلة المواطن البريطاني ولم يعد هناك حرج في استخدام المصطلح من قبل أفراد الحزب، لأنهم لم يعودوا يقصدون به ذلك المعنى.
والشيء نفسه مع مصطلح «المأتم». فالمأتم ليس كما ترجمه بعض من كتب عن البحرين «بيت دفن الأموات» وإنما هو مؤسسة اجتماعية مهمة جدا تحدد نفوذ شخص ما وعائلة ما واتجاها ما في القرية والمدينة والمنطقة. وعلى هذا الأساس يتنافس التاجر والوجيه والناشط السياسي والمثقف والانسان العادي على ربط اسمه بالمأتم الناجح، ويتنافس الكثيرون في قيادة المأتم لأنه ليس «بيتا لدفن الأموات» كما يقول أحد الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية، وإنما هو مركز أساسي في حياة جزء كبير من مجتمع البحرين.
ولذلك فإن انتخابات المآتم كانت ومازالت مجالا خصبا للتنافس بين المواطنين الذين يعلمون أن نفوذهم يكبر أو يصغر مع دورهم في المأتم. والمأتم مؤسسة معقدة لها أعرافها وبروتوكولاتها وأسس تنظيمها ونشاطاتها المختلفة. ولكن بصورة عامة المأتم يتكون من هيئة راعية له، وهذه في كثير من الأحيان تكون العائلة التي تبرعت بالمأتم في بادئ الأمر. وهذه العائلة لها سلطة معنوية رمزية ومحبتها تزداد لدى الناس بقدر ما تسمح لأكبر عدد من الفئات الاجتماعية المشاركة في الأنشطة من دون تسلط دكتاتوري. ثم هناك هيئة العزاء وهي منتخبة بصورة دورية سنوية ويتم تحديد مسئولي المواكب الحسينية. وبعد ذلك تنشأ في بعض المآتم لجان أخرى، مثل لجنة التدريس، لجنة الاحتفالات... الخ، وكل لجنة تقوم على أساس الانتخاب والمنافسة الشريفة.
غير ان المشكلة تقع عندما يحدث اختلاف على الرعاية الرمزية للمأتم... فأية عائلة وأية مجموعة سترعى المأتم سيكون لها الأثر الأكبر في سير الأنشطة الأخرى.
وهذا هو جوهر المشكلة في الصراع على المأتم، وهذا هو ما يحدث في مأتم الهملة وما يحدث في مأتم إسكان جدحفص والمآتم الأخرى، والمؤسف له هو أن تتوصل الخلافات في بعض الأحيان إلى العراك بالأيدي ما يعبر عن عجز القائمين على المأتم عن حل الإشكالات بصورة سلمية.
إلا أن الإشكال الأهم هو عجز إدارة الأوقاف الجعفرية، التي يتهمها البعض بالانحياز في بعض الأحيان وعدم الاكتراث في أحيان أخرى. كما أنها كانت هناك محاولة لتكوين هيئة مواكب للقرى على غرار هيئة المواكب الموجودة في المنامة، إلا أن فشل الهيئة في المنامة وعدم ديمقراطيتها وعدم السماح لأحد بانتخاب رئيسها او سكرتيرها أدى إلى تعطيل فكرة إنشاء هيئة مواكب في القرى.
مع كل هذ الأزمات فإن الغالبية العظمى من مآتم البحرين تعيش ديمقراطية حقيقية منذ زمن بعيد يسبق مرحلة الانفتاح السياسي الذي نعيشه، وعلى هذا الأساس فإن خلافات المآتم الحالية بحاجة إلى مأتم ديمقراطي على غرار المآتم البحرينية الناجحة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 68 - الثلثاء 12 نوفمبر 2002م الموافق 07 رمضان 1423هـ