لا تخلو الخطة الإستراتيجية لأية مؤسسة تجارية ربحية أو تطوعية غير ربحية، من تحليل متكامل وشفاف لبيئتها ولظروفها الداخلية والخارجية، لتتمكن إدارتها من فهم هذه الظروف والبيئات والاستفادة منها في تطوير مؤسستها.
إحدى أدوات التحليل هي ما يسمى في الإدارة، التحليل الرباعي (swot) ذو العناصر الأربعة، وفيه يتم استخلاص عوامل القوة والضعف في البيئة الداخلية والفرص والمخاطر المحتملة في البيئة الخارجية للمؤسسة.
في هذا المقال سنتطرق، بعيدا عن التعقيد، إلى تحليل قمنا به بحسب هذه الأداة الإدارية المتعارف عليها دوليا ومنذ السبعينات، لظروف الجمعيات الخيرية في البحرين التي وصل عددها إلى 108 جمعيات في أغسطس/ آب 2016، وهي جمعيات تعمل ضمن المجتمع المدني، أهلية، غير ربحية، وغير حكومية. يتضمن هذا التحليل بعض المشكلات الرئيسية والحلول المقترحة لها.
عوامل القوة
نعتقد بوجود عدد كاف من الجمعيات وانتشار جغرافي ممتاز لها على مستوى مملكة البحرين، باستثناء المناطق الجديدة المستقبلية مثل المدينة الشمالية، حيث لا تخلو منطقة في البحرين من وجود جمعية واحدة على الأقل، توفر الخدمات الأساسية للأسر المحتاجة وتنمية مجتمعها. تتوافر أيضا موارد مالية جيدة لدى بعض الجمعيات مع وجود بعض الخبرات الإدارية والتجربة الفعلية على مستوى قيادات هذه الجمعيات. بالتأكيد هناك تفهم من قبل إدارات الجمعيات وتقبلها لأهمية وجود لجنة تنسيق أو اتحاد عام كمظلة لهذه الجمعيات إضافة إلى جهوزية مسودة نظام أساسي لهذا الاتحاد.
عوامل الضعف
تؤكد الإحصاءات أن أغلب الجمعيات ذات إمكانات مادية ضعيفة أو محدودة (53 في المئة منها دخلها أقل من 20 ألف دينار سنويا) بما في ذلك صعوبة الحصول على موارد مالية جديدة داخليا وخارجيا، وعدم توافر دخل منتظم لمعظم هذه الجمعيات، وذلك لعدم إمكانية الاستثمار في السوق. تتضمن هذه العوامل مشكلة ازدواجية العمل بين المؤسسات الأهلية في بعض المناطق، والتي تؤثر سلبا على عملها، إضافة للعزوف المتزايد من قبل الرجل والمرأة، بشكل أكبر، من الدخول في إدارات هذه الجمعيات، ما تسبب في ضعف ونقص في الجهاز الإداري القيادي لمعظم الجمعيات. عامل آخر وهو عدم تمكن هذه الجمعيات من تملك أراض استثمارية لها إما بالشراء أو بالتخصيص من قبل الحكومة لتريحها من عناء دفع المبالغ الطائلة لاستئجار مقراتها، واحتياجاتها من المساحات التي تتطلبها مهامها الخيرية.
الفرص المتاحة
وهي قليلة ولا تتعدى الاستفادة من تفهم السلطات حاليا لأهمية وجود اتحاد عام واحد كمظلة للجمعيات والبناء عليه، وإمكانية إشهار هذا الاتحاد ليضم جميع الجمعيات الخيرية. هناك إمكانية لزيادة القوة التفاوضية للمواقف الجماعية للجمعيات مع زيادة الوعي بالعمل الخيري التطوعي.
المخاطر المحتملة
من المخاطر التي قد تقوض عمل هذه الجمعيات هي زيادة تسلط ومراقبة السلطات المختصة، وهي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لهذه الجمعيات، بما في ذلك تدخل سلطات إضافية في عملها. هناك تخوف من أن لا تكون الظروف السياسية مهيئة بصورة أفضل عما هي عليه الآن مع إمكانية زيادة الحساسية الطائفية، لا قدر الله، مما سيعيق بشكل أكبر عمل وأداء هذه الجمعيات. بالنسبة لمظلة هذه الجمعيات وهي إنشاء اتحاد واحد، فهناك أيضا تخوف من إمكانية عدم انخراط بعض الجمعيات في هذا الاتحاد أو إمكانية إشهار اتحاد آخر منافس من قبل بعضها.
مشكلات اليوم
بدون شك هناك وعي عند الجمعيات بالدور التنموي لها قبالة الدور الرعوي الخيري، ولكن للأسف الممارسات قليلة بسبب نقص في المعرفة والخبرة. التنسيق والشراكة محدودة جدا بين الجمعيات؛ لعدم وجود ما يساعد على تفعيل هذا التنسيق لسبب أو لآخر، ومن ذلك عدم جدية السلطات بحجة القوانين التي لا تسمح بذلك. ولذلك تعتمد هذه الجمعيات على حل قضاياها ومشكلاتها المادية والاجتماعية على نفسها وبمصادرها الذاتية الشحيحة.
هناك قصور واضح في الإمكانات المادية، وعزوف شديد في الموارد البشرية، إضافة لتسلط وعدم تسهيل السلطات لأداء هذه الجمعيات الخيرية، وكثيرا ما يتم تعقيد عملها أكثر وما مشكلة جمع المال إلا مثال فقط لهذه التعقيدات.
حلول للغد
هذا التحليل يحث على البناء على نقاط القوة وتخفيف نقاط الضعف في الجمعيات، كما يشجع على اقتناص الفرص ومواجهة الأخطار والتحديات التي تعترضها.
باستطاعتنا إذاً أن نستخلص من هذا التحليل المهم عددا من المقترحات والحلول التي قد تساعد على تطوير أداء هذه الجمعيات مستقبلا بشرط الجدية في ذلك من قبل السلطات المختصة وقادة الجمعيات أنفسهم. من هذه الحلول تطوير أداء الجمعيات في مجال التخطيط الإستراتيجي والإدارة الإستراتيجية، وإدارة المشروعات وجذب التمويل والاستثمار وتحسين آليات الحكم الداخلي. ضرورة الاستفادة القصوى من فرص المنح المالية للمشروعات التنموية التي تقدمها الوزارة عن طريق صندوق العمل الأهلي الاجتماعي، والتي يجب على الوزارة أيضا تنميتها وتوسيع نطاق توزيعها وزيادة مبالغها وزيادة التنسيق والشراكة بين الجمعيات في مجال تنفيذها وحل المشكلات المشتركة.
الدولة معنية بصورة أكبر لوضع آليات أو تشريعات لتشجيع المسئولية المجتمعية وبناء علاقات فعالة مع السلطات والبرلمان والقطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار وتخفيف القيود الكثيرة على عمل الجمعيات ومنها آلية تصاريح جمع المال كمثال. إضافة لعمل دراسات ميدانية مع تنفيذ توصيات تساعد على تشجيع الانخراط والعمل في هذا المجال الخيري الحيوي المهم. ومن هذه الحلول هي سرعة إشهار الاتحاد العام لجمعيات البحرين الخيرية والذي توجد مسودة نظامه الأساسي على أحد رفوف الوزارة المعنية.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 5295 - الإثنين 06 مارس 2017م الموافق 07 جمادى الآخرة 1438هـ
شكرا استاذنا العزيز لمساعيك الجليلة وإستمرارك الجاد في تحريك هذا الهم "الواجب الإجتماعي والديني والأخلاقي" هو ذلك الدور الذي تقوم به الجمعيات - الصناديق الخيرية وهو منطلق صحيح وراسخ في وجدان وقيم المجتمع البحريني الأصيل ودعوتي للمسؤولين عدم التخلي عن أصالة هذا الدور مهما حاولت ..... حسب ما تجاهر من تنظيم وتقنين وذهبت بعيدا في التفنن في - التضييق والتقييد والتعقيد لإفراغ أدورا الإداريين *المتطوعين* والتحكم في طريقة عملهم وخنق خبراتهم في خدمة وتنمية المجتمع المحلي.
صراحة فى ضل هادى الظرووف الصعبه الى امروون بها العوائل الفقيرة لابد من ازدياد هادى الجمعيات ولابد من الحكومة الدعم اليه صراحة الجمعيات الخيرية ماقصرت زوجت شباب وساعدت عوائل بكثرة الله يوفقهم والله كريم وشكرا للكاتب
بارك الله فيك يا أستاذ حسين لقد لامست كل الحقيقة ، نعم أصبح تشكيل اتحاد للجمعيات الخيرية ضرورة ملحة وعلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الدفع في هذا الاتجاه لمافيه خير الأعمال الخيرية التطوعية في البلاد