ليست بريطانيا وحدها التي تحتل فيها القصة القصيرة المشهد الأدبي هناك. تكاد تكون ظاهرة عامة في العالم اليوم. هل لأن القصة القصيرة أقدر على اختزال الحالات الإنسانية، بعيداً عن الإطناب والتعقيد، في زمن لم يعد فيه الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة؟ ربما. هل لأن القصة القصيرة اليوم تتماشى والإيقاع السريع الذي يسم العالم؟ ربما أسباب أخرى. في المقابل ثمة حديث قائم، ليس في أوساط النقاد والمحررين الأدبيين في الصحف والمجلات ومحطات التلفزة فحسب، بل حتى في الأوساط الجامعية المتخصصة، يتعلق بدخول عصر أفول الرواية في بريطانيا.
الحوارات هادئة، وكل طرف يمسك بحجَّته. بعض استند إلى مراكز الرصد في هذا الشأن. بعض لم يخف اندفاعه بالتمسك بهذا الرأي، في قراءة يراها مستقبلية لواقع حال الرواية اليوم من حيث تراجعها، والاهتمام بها، والاقبال عليها، مقابل الحضور الطاغي للقصة القصيرة التي امتد حضورها إلى المدارس الحكومية والخاصة؛ بل وتثبيت بعض المدارس لها كجزء من المقررات التعليمية.
نحن من حيث القراءة أمام عصر أفول الرواية باحتلال القصة المشهد هناك. كأن القصة القصيرة هي المعبّرة عن هذا الزمن واللحظة أيضاً؛ بحسب تعبير نقاد ومعنيين بريطانيين. على الأقل الزمن واللحظة هناك. الجوائز العالمية في الداخل والخارج تحصدها القصة القصيرة. حتى الذين فازوا بالجوائز الكبرى خارج بريطانيا هم في الأساس كتّاب للقصة القصيرة بارعون. هذا الجدل في المقارنة بين الأفضل حضوراً في المشهد الإبداعي البريطاني تسبقه أسئلة جدلية في الوقت نفسه تتعلق بـ : هل هناك كتّاب بريطانيون أساساً؟ ذلك هو المختلف عن بيئاتنا. الفرادة في جانب لا تهمل التساؤل المستفز والمشروع من قبيل السؤال عن الوجود أساساً!
عربياً طرح مثل هذا التساؤل، لا السؤال، لأن السؤال يذوي وينتهي بالإجابة، فيما التساؤل يظل متحركاً ومعتملاً ومستفزِّاً، طرح مثل ذلك التساؤل يُعد انتهاكاً لمناطق مُحرَّمة، وتجاوزاً من العار أن يتم التغاضي عنه، أو السكوت عليه.
ما المناسبة؟ استطلاع أجرته «صنداي تايمز» لتلقِّي إجابات ومشاركات حول أهم قصة قصيرة في بريطانيا تزامن مع فعاليات مهرجان القصة القصيرة البريطانية التي عقدت في الفترة ما بين 20 و22 يونيو/ حزيران 2014، قامت صحيفة «الغارديان» البريطانية يوم الثلثاء (10 يونيو 2014)، بنشر عدد من الأعمال والتوصيات والاستشهادات بأسماء كبيرة في هذا المضمار.
الشكل الأدبي للحظة
هل القصة القصيرة هي الشكل الأدبي للحظة؟ يعتقد أعضاء لجنة التحكيم بذلك. عندما تم التحكيم ضد الرواية فازت القصة القصيرة بجائزة «مان بوكر» الدولية، وجائزة نوبل، وجائزة فوليو مؤخراً، وجائزة «الإندبندنت» الخارجية لروايات الخيال.
وحين سألتْ أيه إس بيات، الأبَ الروحي للقصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية جورج سوندرز الحائز جائزة فوليو في شهر مارس/ آذار الماضي: هل البريطانيون كتّاب؟ عند تقييم برنامج لندن لمهرجان القصة القصيرة في إحدى دوراته المتوقعة في العام 2014، بدأ التفكير في كبار كتّاب القصة القصيرة الذين أنجبتهم بريطانيا، وأي أعمالهم أفضل؟
وبسؤال مؤسِسة جائزة القصة القصيرة بصحيفة «صنداي تايمز»، كاثي غالفين، قالت، إن صالون القصة القصيرة يجمع القرّاء والكتّاب، واختيار قصة واحدة مهمة صعبة من «حقل يكتنف الجميع من دي إتش لورنس إلى بي جي وودهاوس؛ ومن تشارلز ديكنز إلى إتش جي ويلز؛ ومن فرجينيا وولف إلى أيه إس بيات».
توصيات بيات الحالية هي «الشاي في ميدلاند» لديفيد قسطنطين» (لأنها أنيقة، وتعويضية وإنسانية») و «كل الغضب» التي كتبها آل كينيدي.
وتكمل «إذا كنت تبحث عن البهجة البسيطة في قصة واحدة، فحاول مع كلايف سينكلير في تفسيره للسلوك التدميري للحاخام الذي يتحول إلى خنزير في «نهاية سيئة» منذ مجموعته الأخيرة «الموت وتكساس».
الكاتب فيليب هينشر يقوم الآن بفرز مختارات لأفضل الكتابات في القصة القصيرة البريطانية، ونحن متفقون على التألق في الجانب الفكاهي المنسي، عبْر مجموعة الطبقة العاملة التي خلقت توْقاً وإقبالاً على القصة القصيرة لكل منا: في عمل بيل نوتون «ثأر حارس المرمى».
ابنتي الماكرة... المنارة
فما هي أفضل قصة قصيرة بريطانية؟ شرَعْنا باب السؤال للقراء والكتّاب في كل مكان، والأصوات ترِد الآن إلى موقع مهرجان القصة القصيرة.
رواية جاكي كاى «ابنتي الماكرة» هي واحدة من الترشيحات. إنها في دور التوصيات. «واحد من أفضل كتاب القصة القصيرة لدينا والأكثر إهمالاً لنتاجه هو الكاتب الأسكتلندي أغنيس أوينز. وإذا اضطررت الى اختيار قصة واحدة فقط، فستكون «المنارة». أحب صوت هذه القصة فأسلوبها وبنيتها ستفاجئكم».
آدم ماريك هو النجم الصاعد في عالم القصة القصيرة البريطانية؛ تم ترشيح روايته «تماغوتشي» عبر الموقع الإلكتروني.
تصويته سيذهب إلى ذكريات عصر الفضاء الذي جسده جيه جي بالارد: «إنه يضع الكثير من الضغط على قصة فردية لاختبارها كي تكون في هيئتها الأفضل».
ولكن من سيْر المتابعة لكتّاب القصة القصيرة البريطانيين، سأختار جيه جي بالارد باعتباره واحداً من أفضل كتّابها لدينا، أكثر من أي وقت مضى.
يذكر، أن ديفيد هربرت لورانس أحد أهم الأدباء البريطانيين في القرن العشرين. ولد في سبتمبر/ أيلول 1885 وتوفي في 2 مارس/ آذار 1930. تعدّدت مجالات إبداعه من الروايات الطويلة إلى القصص القصيرة والمسرحيات والقصائد الشعرية والكتابات النقدية. من أشهر أعماله «عشيق الليدي تشاترلي».
كتب في أدب الرحلات وترجم أعمالاً عديدة من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية وله لوحات عديدة مرسومة، وكان التأثير السلبي للحضارة الحديثة على الجوانب الإنسانية للحياة وتجريد هذه الحياة من البعد الإنساني هو محور أغلب أعماله، ويرى بعض النقاد أن الرجل أسرف في سوداويته وكذلك في الاعتماد على المشاهد الجنسية الفجة في توصيل أفكاره.
كما يشار إلى أن هربرت جورج ويلز، أديب، مفكر، صحافي، عالم اجتماع ومؤرخ إنجليزي. ولد في 21 سبتمبر 1866 وتوفي في 13 أغسطس/ آب 1946. يعتبر من مؤسسي أدب الخيال العلمي، وقد اكتسب شهرته بفضل رواياته التي تنتمي إلى ذاك الصنف الأدبي. بعكس معاصره جول فيرن فقد حوت روايات ويلز انتقادات اجتماعية هادفة ولم يكتف بسرد المغامرات.
أما هـ. ج. ويلز، فقد ولد في بروملي في مقاطعة كنت في إنجلترا. كان أصغر إخوته الثلاثة لأب صاحب دكان ولاعب كريكيت وأم ربة بيت وكانت عائلته من الطبقة الوسطى السفلى. لم يكمل ويلز تعليمه المدرسي إذ اضطر لترك مقاعد الدراسة والعمل مساعداً لتاجر أقمشة بعد إفلاس والده. قام لاحقاً بوصف عمله هذا ما بين السنين 1880 حتى 1883 في روايته «Kipps». العام 1889 بدأ ويلز دراسته في مدرسة «ميدهيرست» وفي سن الـ 18 عاماً حصل على منحة تعليمية في مدرسة العلوم في لندن. درس ويلز علم الأحياء لدى عالم الأحياء المعروف ت. هـ. هاكسلي واشترك في حلقات علمية وكتب في مجلة الجامعة العلمية. في تلك السنين بدأ اهتمامه بالإصلاحات الاجتماعية، ومال نحو الأفكار الاشتراكية.
كانت رواياته منذ البداية من الخيال العلمي، نشرت روايته الأولى العام 1895 وحملت عنوان آلة الزمن وقد حظيت بنجاح بين القراء. نشر روايته الثانية العام 1896 بعنوان «جزيرة الدكتور مورو» عن عالم مجنون يحول الحيوانات إلى كائنات بشرية.