عندما عبر يوليوس قيصر نهر الربيكون كتب في كتابه «الحروب الغالِيَّة»: «لقد تقرر الأمر». وفي يوم الجمعة الماضي بعد الساعة الخامسة مساء بقليل عند ما صوّت مجلس الأمن بالاجماع لصالح نزع سلاح العراق، عبر الرئيس الأميركي جورج بوش نهر الربيكون وقال: «يجب أن يصر العالم على تنفيذ الحكم».
ونهر الربيكون هو نهر واسع وكان عمقه كافيا لفيالق قيصر، أما نهر دجلة فهو أقل عمقا - ولذا فأعتقد أن أول دبابات أميركية ستعبر عن طريقه في الأسابيع الأولى للحرب - ولكن ماذا بعد ذلك؟
بالنسبة لروما، تلى عبور قيصر للنهر حرب أهلية، فلنثق بأن حربا أهلية ستتبع أي غزو أميركي للعراق. وقد أخبرنا بوش أيضا بأنه «لن يتم تحمل المزيد من الغش والتراجع» متناسيا بالطبع قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338 اللذين يطالبان اسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة خلال حرب 1967 بين العرب واسرائيل.
وبعد ثمانية أسابيع من المناقشات في مجلس الأمن لم يتحدث أحد عن الجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لأنه بالطبع ليس للعراق اية علاقة بـأحداث سبتمبر، ولكن اذا احتلت الولايات المتحدة العراق فيجب أن نتذكر ذلك.
وما الذي سنحصل عليه من بوش؟ بالتأكيد لن تكون هناك اي اشارة منه تجاه العالم العربي، ويمكن حينها تصور مدى بهجة رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون.
وأضاف بوش في حديثه: «اذا تطلب الأمر منا استخدام جنود فسوف تتحرك الولايات المتحدة مع الدول الصديقة بسرعة مستخدمة القوة للقيام بعملها». بكلمات أخرى، سوف يغزو العراق، والأصدقاء على ما يبدو هي بريطانيا.
وتستطيع الأمم المتحدة أن تبحث موضوع اتخاذ اي قرار تجاه أي عراقي لا يمتثل لمفتشي الأسلحة، ولكن الأمم المتحدة ستقرر ما اذا كانت العراق قد انتهك قرارات الأمم المتحدة. أي أن أميركا ستعلن الحرب دون اذن من الأمم المتحدة. فكم من الدبابات الأميركية التي ستدخل بغداد سترفع راية الأمم المتحدة؟ أشك في أن تفعل واحدة منها ذلك.
محطة الـ «بي بي سي» والـ «سي ان ان» وكل المحطات التلفزيونية الأخرى أعلنت أن القرار 1441 هو الفرصة الأخيرة لصدام حسين، ولكنه في الحقيقة الفرصة الأخيرة للأمم المتحدة. والآن على الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ان يكرر ما قاله مسبقا عن أن الطريق سيكون صعبا وخطرا.
وأصر الممثل الأميركي في الأمم المتحدة جون نيغروبونت على أن قرار مجلس الأمن ليس له دوافع خفية، ولكن ذلك بالطبع غير صحيح. فالقرار يسمح لبلاده بتقرير ما اذا كان العراق قد عارض القرار كما يسمح لمجلس الأمن بمناقشة عدم امتثال العراق، ولكنه لا يردع الولايات المتحدة عن مهاجمة بغداد.
وتصريح نيغروبونت بأنه «سوف يتم نزع السلاح من العراق بطريقة او بأخرى»، هو ما يجب أن يقلق الأمم المتحدة... هذا بغض النظر عن تلاعب ال «سي آي ايه» بالطبع بآخر فريق لمفتشي الأسلحة ارسلته الأمم المتحدة الى العراق.
العراقيون يريدون السلام وانهاء العقوبات - لننس صدام للحظة واحدة - ولكن يبدو ان بوش يريد الحرب. وهكذا فان بوش يجب أن يبتهل لكي يقوم الرئيس العراقي بأي أمر يمكن أن يعيق مفتشي الاسلحة التابعين للأمم المتحدة. وفي تلك الحال - سأقتبس كلام بوش - «سنقوم بما فيه مصلحة العالم». تريد واشنطن من الأمم المتحدة ان تستر عليها في حربها مع العراق، وهي مستعدة لأن تتدخل في عملية التفتيش على أمل أن يقوم العراق باعاقتها. وقد تحدث عنان في يوم الجمعة الماضي عن «الشرعية الوحيدة للأمم المتحدة» ولكن ديكتاتور بغداد القاسي يحرص على هذا الأمر بمقدار حرص الرئيس بوش عليه
العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ