للمرة الأولى يوثق أحد كبار مسئولي حزب الله في لبنان، كتابا يحمل عنوان «حزب الله... المنهج... التجربة... المستقبل» ما أثار فضول المهتمين، فاحتشدوا في قاعة نقابة الصحافة اللبنانية، لشراء الكتاب والحصول على توقيع مؤلفه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم... فما الذي أراد الشيخ ـ السياسي قاسم إيصاله من خلال إصدار كتاب حزب الله، وهو مازال فتيا بعمره، زاخرا بتجاربه؟
يتألف الكتاب الصادر عن دار الهادي من سبعة فصول. وشاء الفصل الأخير أن يحمل عنوان «مستقبل حزب الله»، فقرأ غالبية من اقتنوا الكتاب، الصفحات الأخيرة منه... فأي مستقبل لهذا الحزب في ظل الضغوطات والتهديدات وعلامات الاستفهام والأسئلة؟ وهل سيكون ما كتبه الشيخ قاسم الجواب الشافي للمتابعين والمتربصين على السواء؟
ونظرا إلى أهمية السؤال عن مستقبل حزب الله، سنورد هنا بعض ما أشار إليه قاسم عن هذا الحزب الذي «كان خروجه إلى العلن في مطلع العام 1985، فانهمرت عليه الاتهامات بالأصولية والإرهاب»... لكن الحزب ـ يقول قاسم ـ «إسلامي قبل أن يكون مقاوما والتزامه عقائدي ويحمل منهجا للحياة بشموليتها»... إلى أن يقول «إن الحزب الذي أحرز تقدما في النظرة إليه، وحصل تعديل نسبي في طريقة تعامل الغرب معه، وهذا يعود إلى حكمة الحزب، لا يمكن التعويل على هذا المؤشر ومدى استمراريته»، بما ان الهجمة شديدة على الحزب ووجوده ودوره وأهدافه، فإن السؤال عن استمراريته يبقى حاضرا، وان تطورات المنطقة قد تؤدي إلى إحدى الحالتين أو كلتيهما:
1- تحريك فتنة داخلية مع الجيش اللبناني أو مع قوى محلية تستدعي أداء سياسيا من الحكم اللبناني يلغي وجود الحزب بوصفه مقاومة.
2- مقايضة سورية بالتخلص من الضغوطات التي تمارس عليها مقابل التخلي عن دعم الحزب.
وبما ان الجبهة التي توفر الغطاء السياسي المساعد لاستمرارية المقاومة، فإن رفع الغطاء يكشف الحزب ويجعله مستفردا فيسهل ضرب المقاومة (ص 378 و379) ثم يذكر أن هذا الاحتمال غير وارد لأن العلاقة الاستراتيجية التي نمت بشكل تدريجي وهادئ بين سورية والحزب والقواسم المشتركة في النظرة إلى تطورات المنطقة، وجدية الموقف السوري من الاحتلال الإسرائيلي وحق تحرير الأراضي... كلها عوامل تؤكد استحالة هذا الاحتلال. (ص 379).
ويتساءل: هل يعني أن المقاومة مستمرة بشكل دائم ولا عائق أمامها؟ وماذا سيفعل حزب الله فيما لو تحررت الأراضي اللبنانية بالكامل وتم الإفراج عن الأسرى والمعتقلين؟
وهنا يؤكد قاسم «أن الأمور متشابكة، والتطورات تحمل الكثير من المفاجآت والمتغيرات... وإذ تؤدي الإجابة إلى تحقيق رغبة إسرائيلية، فالأفضل أن تبقى مبهمة، ولا داعي لأن تقيد المقاومة نفسها بأجوبة تلزمها أو تضعها أمام مساءلة من الآن إضافة إلى تعقيدات الساحات الفلسطينية، اللبنانية، والسورية، وما يمكن أن تفعله إسرائيل في المنطقة». ويضيف أنه «لم يسبق للعدو الإسرائيلي أن التزم بخيار مستقبلي محدد ليبقي الطرق مفتوحة أمامه».
عن لبنان وفلسطين يقول: «لا ننسى مسئوليتنا في مؤازرة الشعب الفلسطيني وترابط قضيته مع واقعنا... أما كيفية الدعم والمؤازرة التى تمارس عمليا لا ينفع الحديث عنها».
ويختم الشيخ قاسم بالحديث عن توقعاته المستقبلية بالقول: «إن التأهيل العقائدي والشرعي قد ربى جماعة متمسكة بالمنهج الذي يحمل قدرة ذاتية على الاستمرار... وهذا يعطيه حصانة التماسك والنمو والصمود أمام التحديات». فالسؤال عن المستقبل هو سؤال عن مستقبل أميركا وإسرائيل والعالم والمنطقة كما عن حزب الله لأن عوامل التغيير والضغط والظروف السياسية لا تختص فئة دون غيرها» (ص 387).
الكتاب الذي يتألف من 413 صفحة أهداه قاسم إلى «أصحابه المقاومين الذين سلكوا درب الجهاد والشهادة وعلى رأسهم الحبيب أبوهادي رمز المقاومين (ويقصد السيدحسن نصرالله) رمز المقاومين وقدوتهم، ثم إلى المستضعفين».
ومهد له بمقدمة شرح فيها دوافعه لإنجاز هذا الكتاب «الذي يصلح تصميما لمجلدات عن حزب الله».
وقد تناول في الفصل الأول: الرؤية والأهداف، ظروف التأسيس إذ «شهدت فترة الستينات بدايات حركة علمانية نشيطة» فبدأت الأضواء تتسلط على هؤلاء العلماء النشطين «الذين يحملون رؤية فكرية متكاملة ويملكون كفاءات ثقافية مهمة ويؤمنون بضرورة التحرك وإحداث التغيير المعاش»، وهؤلاء هم: الإمام موسى الصدر، آية الله الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين، وآية الله السيد محمد حسين فضل الله.
وفي حين يشرح دور كل واحد منهم، فقد أشار إلى ارتباط «اسم فضل الله بحزب الله بشكل وثيق في السنوات الأولى لتأسيس الحزب. فمع نشوء الحزب كان المنضوون تحت لوائه من الفئات الإسلامية المختلفة يعتبرون العلامة رمزا يمثل قناعاتهم ويحمل الرؤية الإسلامية الواعية والحركية والمؤيدة لقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (قده) ما دفع جماعة منهم إلى مناقشته في إمكان تصدر موقع مركزي في الحزب الوليد، لكن العلامة أكد رفضه الانخراط في العمل الحزبي التنظيمي... لذا تعاطى الإعلام الأجنبي والمحلي وأغلب القوى السياسية التي تتحرك في الساحة وانه المرشد الروحي لحزب الله» (ص20 و21) إلى أن يقول إن الإسلاميين توزعوا بين حركة أمل، واللجان الإسلامية، وحزب الدعوة، والمستقلين... ثم نجحت الثورة الاسلامية في ايران «ولم يكن الارتباط بالثورة موجودا قبل ذلك» (ص 22) ويعرض قاسم للعلاقة بالمرجعيات في النجف وكيف تحولت إلى إيران... ثم حصل الاجتياح الإسرائيلي العام 82 «فشاركت مجموعات من المؤمنين في التصدي له»، لكن لم يكن أي تشكيل إسلامي مهيئا، فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل إسلامي موحد يتمحور حول:
- الإسلام هو المنهج.
- مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
- القيادة الشرعية للولي الفقيه.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تم صوغها في ورقة نهائية، ثم انتداب 9 أفراد كممثلين... «وأنشئ تشكيل واحد جديد سمي لاحقا باسم حزب الله» (ص 24).
- كما لم يغفل قاسم الإشارة إلى دور الحرس الثوري الإيراني الذي «وافقت سورية على مروره إلى لبنان» وكذلك إلى التدريبات التي كان قد تلقاها الكثير من الشباب في المخيمات الفلسطينية.
وإلى ظروف التأسيس يتضمن الفصل الأول العناوين الآتية: الإيمان بالإسلام، إقامة الدولة الإسلامية، الجهاد في سبيل الله، إلخ.
وتحت بند الاستشهاد والانتحار ميّز قاسم بين الأمرين «فالشهادة لتحرير الأرض تتجاوز البعد المادي... وهو يختلف عن الانتحار لأن الانتحار تعبير عن يأس من الحياة» (ص 26).
كما تناول في هذا الفصل مسألة ولاية الفقيه.
أما الفصل الثاني فقد تناول التنظيم والعمل العام كالمقاومة وأساليب القتال، إلخ.
وفي الفصل الثالث عرض لمحطات بارزة في تاريخ حزب الله «من اجتياح 82 إلى الانسحاب الأول، اتفاق 17 مايو/ آيار، حرب المخيمات، معارك حزب الله وحركة أمل، اتفاق الطائف، استشهاد السيد عباس الموسوي، عدواني يوليو/ تموز 93 و96 إلى ثورة الجياع» إذ الخلاف مع الأمين العام الأسبق الشيخ صبحي الطفيلي لم يكن وليد ساعته «وصولا إلى التحرير...».
أما الفصل الرابع فقد تناول القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها التاريخية واستمرار عدوان إسرائيل ومسئولية العرب والمسلمين.
أما الفصل الخامس فبرز تحت عنوان «قضايا ومواقف» كالمشاركة في مؤسسات النظام وخطف الأجانب فيؤكد «أن بعض المجموعات الإسلامية الفاعلة كانت تحمل توجها إسلاميا وقد عبرت عن ذلك ببياناتها...»، ويقول: «إن أعمال الحزب بارزة... والحزب لم يكن معنيا ولا مسئولا عما جرى» (ص 333).
إلى أن يقول في الصفحة 335: «إن إصرار الإدارة الأميركية وحدها على فتح هذا الملف واتهام حزب الله إنما يستهدف الضغط على الحزب وابتزازه لتحصيل التزامات منه تجاه إسرائيل في الوقت الذي لا تملك هذه الإدارة أي دليل».
ويتناول الفصل السادس العلاقات الإقليمية والدولية، بدءا بإيران وسورية، الأنظمة العربية، أميركا «إذ لا مانع من اللقاء مع غير المسئولين والمرتبطين بإدارتها» أما مع الأوروبيين «فكانت العلاقات ممكنة لعدم وجود إجراءات عدائية مباشرة».
أما الفصل السابع والأخير فقد بدأنا الحديث عنه نظرا إلى أهمية الحديث عن مستقبل حزب الله
العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ