العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ

الإجماع... والخيار الوحيد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاثة إجماعات حصلت في أقل من شهر واحد. الاول حصول الرئيس العراقي على مئة في المئة من الاصوات. والثاني حصول القرار الدولي في مجلس الأمن على 14 / 14 من اصوات مقاعد دورة الامم المتحدة. والثالث اجماع وزراء الخارجية العرب على تأييد القرار الدولي بتصويت 22 / 22 عليه.

شهر الاجماعات لا يبشر بالخير. لأن الموافقة الكلية لا تعني بالضرورة ان الخطوات صحيحة انها تدل على وجود عصر يتصف بالشمولية وكل من يعترض يقع خارج دائرة الأمم المتحضرة بحسب وصف الرئيس الأميركي للقرار الدولي. القرار ضد العراق هو المدخل لذاك العصر الشمولي. فهو بداية اختيار لفعالية الدول ومدى استعدادها للقبول بالشروط الاميركية لا على منطقة حيوية واستراتيجية تدعى «الشرق الاوسط» بل ربما تكون خطوة اختبار لسخونة الماء على اكثر من صعيد ومنطقة.

«الشرق الاوسط» هو الحلقة الاضعف وليس الاخيرة بل الاولى في سلسلة حلقات تريد الولايات المتحدة الامساك بها لضمان سيطرتها الكلية في مناطق حيوية واستراتيجية تريدها نقاط ارتكاز تستند اليها في رسم خريطة سياسية لجغرافيا دول انتجت أو اعيد انتاجها في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى أو بعد الحرب العالمية الثانية... أو كما هو حال الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي سابقا التي تشكلت سياسيا في نهاية «الحرب الباردة».

العالم يمر الان في فترة «السلم البارد» وهي بدأت على سخونة منذ اكثر من عقد. فالسلم البارد شهد في البلقان مجموعة حروب انتهت إلى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي. وشهد «الشرق الاوسط» مجموعة معارك بدأت في «ام المعارك» وانتهت بانسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان معترفا بفشل الاحتلال. وشهدت منطقة حوض «بحيرة فيكتوريا» مجموعة معارك حدودية وقبلية وحتى الان لم تنته فصولها الدموية. وفي افغانستان وعلى امتداد طريق الحرير، أو ما يطلق عليه «قوس الازمات»، شهدت دوله من غرب الصين إلى جورجيا سلسلة حروب داخلية وحدودية انتهت إلى تمزيق الكثير من المجتمعات. إلى هذه المعارك الممتدة والمتقطعة يمكن اضافة الكثير من الازمات الدائمة كتلك التي شهدها العالم في تيمور الشرقية (اندونيسيا) أو مسألة كشمير التي تعتبر من اقدم ازمات العالم إلى جانب قضية فلسطين منذ العام 1947.

كل هذه الحروب التي حرثت شعوب العالم ودوله جرت في فترة «السلم البارد» أو بعد نهاية «الحرب الباردة» وهي معارك لم تشهد الامم المتحدة منذ تأسيس منظمتها على شاكلتها في بشاعتها ودمويتها وقلة احترامها للمواثيق الدولية والاعتبارات الانسانية.

مع ذلك هناك ما يشبه الاجماع على اطلاق تسمية «السلم البارد» على فترة ما بعد «الحرب الباردة». فتلك الحروب الساخنة التي شهدها العالم هي برأي الدول الكبرى معارك في حوض أو حدائق «الامم المتحضرة» وهي بقدر ما تمس مصالحها تعطى الاهمية والاهتمام. فاذا كان «السلم البارد» هو فترة انتقالية لموحلة ما بعد «الحرب الباردة» فما هو شكل السلم أو الحرب بعد فترة انتهاء البرودة؟ هناك اكثر من احتمال. الاول: السلم الساخن. والثاني: الحرب الساخنة. ما جرى في مجلس الامن هو القرار الاول في سياق تأسيس مرحلة جديدة (عصر جديد) يراد له ان يكون اكثر سخونة. وحتى لا تنزلق الدول الدائرة في فلك «الامم المتحضرة» نحو حروب غير محسوبة ولا يمكن السيطرة عليها لاحقا كان لا بد من ربط السخونة بقرارات دولية تميل الان إلى «السلم الساخن» اكثر من «الحرب الساخنة». فالسخونة في اطار «السلم» يمكن التحكم بدرجة حرارتها وضبطها وفق نظرية «توازن المصالح» أو «نظام الحصص». اما «السخونة» في اطار «الحرب» فهي كارثة لانها يمكن ان تطيح بالدول والشعوب. السلم الساخن يغير الخريطة السياسية، اما الحرب الساخنة فانها تغير الجفرافيا.

الموافقة بالاجماع على القرار الدولي في مجلس الامن تشبه العودة إلى نوع من نظام الحماية (الانتداب) الذي اتفقت عليه الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الاولى. وموافقة وزراء خارجية الدول العربية بالاجماع على قرار مجلس الامن هو اعلان غير مباشر على القبول بنظام الحماية الدولية في فترة السلم الساخن.

وفي هذا المعنى تشبه الموافقة الاولى (مجلس الامن) والموافقة الثانية (مجلس وزراء خارجية العرب) الاجماع الثالث على صدام حسين. والاجماع هنا يأتي في معنى انه لا خيار امامك سوى القبول بالخيار الواحد والوحيد: اميركا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً