العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ

المجتمع الدولي وحقوق الإنسان... إشكالات وتساؤلات

رضي السماك

كاتب بحريني

‏‫ على رغم الشوط الطويل الذي قطعه الفكر الإنساني في إرساء منظومة متطورة لحقوق الإنسان التشريعية العالمية، مازالت هذه الحقوق لم تبلغ بعد مداها المنشود على النحو الأكمل، فالكثير من دول العالم مازالت تعترض على تضمين بعض مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دساتيرها وتشريعاتها الوطنية، بحجة الخصوصية الثقافية أو الدينية كذريعة للتملص من التزاماتها حيال تلك المبادئ، ناهيك عن عجز الأسرة الدولية عن إلزام أي دولة بالانصياع لتطبيق، ولو على الأقل للتشريعات الحقوقية التي أقرها دستورها والاتفاقات التي صادقت هي عليها، إذ إن التذرع بمبدأ حق السيادة ورفض التدخل في الشئون الداخلية سلاح في يد الدولة المنتهكة تشهره وقتما تشاء في وجه أي جهة دولية تسوّل لها نفسها انتقاد انتهاكاتها الفظة بحق مواطنيها واتهامها بالتسييس، أو بأنها مُغرضة لأنها لم تستقِ معلوماتها منها (أي من الحكومة المتهمة بالانتهاك نفسه!) .

قبل أيام قرأت مقالاً قيماً للفيلسوف والمحلل الفرنسي جان كلود ميلنير في صحيفة «الحياة» السعودية تحت عنوان «حقوق الإنسان تنص على حقوق من ليسوا مواطنين»، ونظراً لركاكة الترجمة، فإني سأجتهد لإعادة صوغ وتبسيط أهم ما جاء فيه من أفكار مهمة، فالكاتب يعالج بصورة ما، تلك الإشكالية التي أشرتُ إليها آنفاً، وقد جاء المقال في وقت تتصاعد فيه النزعات اليمينية والشمولية المتطرفة في فرنسا والدول الاوروبية عامة، لإلقاء تبعية مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية برمتها على المهاجرين والفارين إليها من الحروب الاقليمية والداخلية ومن بطش الأنظمة المستبدة، فهو يتناول أساساً بالتحليل حقوق الإنسان غير المواطن المُقيم على أراضي دولة يتمتع مواطنوها بمظلة حقوقية متقدمة. وهنا يرى الكاتب أن الجمهورية (الفرنسية) كضامنة لحقوق الإنسان، لا تستقيم سمعتها النبيلة النقية إلا في ضوء معاملتها لغير المواطنين معاملة حقوقية إنسانية ناجزة بدون خلق فزّاعة «الرهاب» من الأجانب، وإن المعاملة التمييزية ضدهم هو ممارسة ضد الجمهورية ذاتها وضد مواطنيها أنفسهم ماداموا يحملون إرثاً حقوقياً إنسانياً أرقى تعاقدوا عليه وارتضوا به، وإن الاساءة للأجانب هي إساءة ضمنية للجمهورية وللمواطنين في آن واحد، وإنهم كما هو مُفترض، هم الأقدر على رؤية الحقوق المنقوصة الممارسة تجاه الأجانب الذين يعيشون معهم على أرض واحدة ماداموا يتمتعون بمزايا تلك الحقوق.

إن أهم هذه الحقوق، التي يذكّرنا بها الكاتب، الحق في التعبير جهراً وكتابةً، والحق والحرية في التنقل. وبالتالي، فإن طعن المواطن في انتهاك دولته هذه الحقوق، هو ليس انتصاراً لمن ليس مواطناً فقط، بل وهو انتصار للمواطنين وجمهوريتهم لأنهم يحملون هذا الإرث الحقوقي الشامل، وينزّه المواطنين من الانتهاكات المرتكبة باسمهم وباسم جمهوريتهم (وهذا التعبير مازال من صوغي بحسب فهمي النص المترجم الركيك). وعلى أي حال، فإذا كان الكاتب يُحذّر من الاستخفاف بحقوق الأجانب المقيمين فوق أراضي موطنه (الجمهورية الفرنسية) والمعروفة بعراقتها المديدة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلنا أن نتساءل: ما بالنا بأوضاع الأجانب المقيمين في دول العالم الثالث، وبضمنه عالمنا العربي وبخاصة من نواحي الحياة المعيشية وحقوقهم الاقتصادية كافةً؟ ثم إن هنالك دولاً عدة لا يقتصر الحال فيها على انتقاص حقوق الاجانب إلى أوضاع ينطبق عليها «الإتجار بالبشر» وهو مصطلح تواتر استعماله في الغرب منذ نحو عقدين تقريباً على رغم أنه المسئول الأول عن خلق هذه الحالة عالمياً واستفحالها، بل يمتد للمواطنين أنفسهم. ثم ماذا عن حالة المواطن في هذه الدول، والذي يصحو فجأةً، بكل معنى الكلمة، على خبر صاعق عن تحوله إلى شخص أجنبي، إقامته غير شرعية على أرض وطنه، وعليه تسويتها في الحال قبل ترحيله، بينما هو بات مُجرداً ليس من كل حقوق «المواطنة» فحسب، بل وحتى من حقوق الأجنبي المُقيم إقامةً شرعية أو غير شرعية على أرض وطنه، فتغدو أوضاعه أسوأ من أوضاع الأجنبي؟

أكثر من ذلك، فإن المنظومة التشريعية الحقوقية الدولية لم تنص حتى الآن على مسئولية الدول التي ترفض استقبال المُجردين من جنسياتهم، ولاسيما إذا ماكانت هذه الدول من الدول المعروفة بأنظمتها الديمقراطية العريقة، ألا ينبغي في هذه الحال توصيفها بأنها متواطئة في الجُرم في تبعات تجريد المواطن من جنسيته ومضاعفة مأساته اللا إنسانية؟ ولنفترض وجد نفسه في وضع ترفض فيه كل دول المعمورة المتوقع استقبالها له على أراضيها، وهذا أمر لايشط بالخيال بعيداً، وهو «حق» كما تزعم من حقوقها «السيادية»، فما هي ياتُرى مسئولية المجتمع الدولي الحقوقية والإنسانية تجاه مأساة هذا الإنسان، وبخاصة في ظل لفظه من كوكب الأرض، وعدم اكتشاف كوكب آخر اُختبرت صلاحية الحياة فيه لإقامة مثل هؤلاء المواطنين المجردين من جنسياتهم؟

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً