أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن العدل بين الأبناء يعين على البر، ويحقق المحبة والأخوة، بيد أن تفضيل أحدهم على الآخر يعد ظلماً، ويجلب الهلكة، ويهدد استقرار الأسرة.
القطان في خطبته أمس الجمعة (3 مارس/ آذار 2017)، التي وسمها بـ «العدل بين الأبناء»، قال إن: «الأبناء هم عدة المستقبل، ورجال الغد، وهم ثمار القلوب، وعماد الظهور، وفلذات الأكباد، حبهم مغروس في النفوس، فالمرء يرى فيهم مستقبله المشرق وامتداده الطبيعي بعد الوفاة، وما من أحد من الناس إلا وهو يحب الأبناء، ويسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقه الأبناء والأحفاد».
وأشار إلى أن «الإسلام حرص أشد الحرص على بناء الأبناء البناء السليم، الذي يُقوِّم سلوكهم وأخلاقهم، وينشئهم النشأة الصالحة، التي تعتمد على التربية والتوجيه، وغرس الإيمان في القلوب، وإقامة الدعائم الأخلاقية، والقيم الاجتماعية في قلوب الأبناء».
وأوضح أن « الإسلام أناط مسئولية التربية والتوجيه إلى الوالدين، وخصّ الأب بعظيم المسئولية في هذا، وجعل القوامة بيده ليحسن التصرف والتربية، وإن من مقتضى هذه القوامة أن يحسن تربية الأبناء التربية الإسلامية التي تقربهم إلى الله زلفى، وأن يحرص في ذلك على إقامة العدل بين الأبناء، فإنه إن أقامه بينهم فقد أحسن لهم، وأعانهم على البر، وحقق بينهم المحبة والأخوة».
وأضاف «إن اندفع مع هواه، واتبع عاطفته، أو تأثر بأي عامل من عوامل التأثير، فمال إلى تفضيل بعض الأبناء على بعض بتفضيل الذكور على الإناث، أو الصغار على الكبار، أو أولاد الزوجة الجديدة على القديمة، أو غير ذلك من ألوان التفريق، فقد أوقع نفسه في الظلم، وساق بها إلى الهلكة، وساهم في تصدع بناء الأسرة، وتفكك أعضائها، وإيجاد العداوة والبغضاء بين الأبناء، فأدى ذلك إلى عقوقه في الحياة وبعد الممات، وأدى ذلك إلى ظهور العدوان وكثرة الخصام والشقاق بين الإخوان».
ورأى أن «مثل هذه التصرفات تجعل الأسرة في صراع دائم وتفكك مستمر، والسبب في ذلك عدم العدل بين الأولاد، واستبدال ذلك بالظلم الذي نهى الشارع عنه، إن بعض الرجال من الآباء الذين شذت طباعهم، وغلظت أكبادهم، وجمدت عواطفهم وغاب عنهم ما أمر الله به من العدل يقومون بحرمان البنات من المال، وإيثار الذكور من الرجال بذلك، والحجة لهم في هذا أن الذكور امتداد لهم، فهم أولى بحمل الراية من بعدهم، فهم أولى بالمال من البنات، بل إن البنت إنما تأخذ مالها لتعطيه لزوجها الذي هو في نظر بعض الآباء غريب عن الأسرة، ليس له في المال من نصيب، وهذا الفعل من الظلم الذي نهى الله عنه، فإن الله سبحانه قد أعطى كل ذي حق حقه، فالواجب على الآباء تحقيق أمر الله، وترك الظلم الذي يقع على الأبناء، والإنسان لا يدري أين الخير في الذكور أم في الإناث».
وأردف قائلاً: «إذا كان الواحد منا يحب بعض أولاده أكثر من الآخرين، فلا يجوز له أن يظهر هذه المحبة أمام أبنائه، فإن هذا يقتلهم، ويجعل الحقد في قلوبهم، ويزرع البغضاء في نفوسهم، فالأولى أن يجعل حبه هذا في قلبه حتى تسلم أخوة الأبناء من التصدع، بل من الواجب عليه لو قبَّل أحد أبنائه، وغيره ناظر إليه، أن يقبل الآخر حتى يكونوا في البر سواء، فالواجب علينا -إخوة الإسلام- أن نعدل بين أبنائنا في القسمة، وأن نجعلهم سواء في العطية والهبة، وأن نتركهم من بعدنا إخواناً متحابين، يعاون قويهم ضعيفهم، ويساعد قادرهم عاجزهم، ويشد ذكرهم أزر أنثاهم، دون أن يكون هناك شقاق أو خلاف أو عداوة بينهم.
وأشار إلى أن «من أراد أن يبره أولاده، وأن يترحموا عليه إذا مات، وأن لا تثور الأحقاد ويقع الظلم وتقطع الأرحام ويدعى عليه بعد موته بدلاً من أن يدعى له، فليتق الله وليعدل وليسوّ بين أولاده».
وأوضح أن «تخصيصُ بعضِ الأولاد لمعنى يَقتضيه تخصيصُه من حَاجَةٍ أو دين أو نَفَقَة للولد أو مَرضٍ أصابَه أو كَثرةِ عيالٍ عنده أو لاشتغالِه بعلمٍ ونحوه، فإنه لا بأس حينئذٍ؛ لعدمِ قصد التخصيصِ والأَثَرة، ولا يلزمُ الأَب حينئذٍ أن يسوِّيَ في ذلك، بل يعطي كلاًّ على حسبِ حاجته، بدون أن يقصد التفضيلَ أو الأَثَرَةَ له على غيره، والأعمالُ بالنّيّاتِ كَمَا ثَبَت ذلكَ عَنِ النبيِّ (ص).
ونبّه إلى أن «العدل بين الأولاد مما أمرنا به شرعنا الحنيف، فاسلكوا طريق ربكم تستقم لكم الحياة، ويكونوا لكم في البر سواء»، مؤكداً أن «أحقَّ النّاس بالعدل أولادُك وبناتك الذين هم فلذةُ كبِدك، والذين أنعَم الله عليك بِهم، فإنّ الأولادَ نعمةٌ مِن نِعَم الله على العَبد، فهم امتدادٌ لحياته، وذِكرٌ له بعد موتِه، وحياةٌ ثانية له بعدَ مفارقتِه الدّنيا، أمِر الشارع بالعنايةِ بهم؛ بتربيّتِهم وتوجيهِهم وتأديبِهم بالآداب الحَسَنة، حتى يكونوا عوناً له على كلّ خير وسبباً لسعادتِه في دنياه وآخرته».
واعتبر القطان أن «من ظلمِ الأولاد أن يفرّق الأبُ بينهم، وأن يبتعِد عن العَدل فيما بينَهم، فيظهر لهم محبّتَه لبعضهم، وكراهيتَه لبعضهم، يميل مع هذا دونَ هذا، هذا يقرّبه ويدنيه، ويهَب له الهباتِ ويذلِّل أمامَه الصِّعاب، ويلبّي طلباتِه، ويعطيه مِن أمور الدّنيا ما يعطيه، وأولئك أولادٌ قد أُبعِدوا وأُقصُوا وجُفوا وحُرِموا ولم يُعطَوا مثلَما أُعطِي إخوانهم، لماذا؟! ألستَ أبَ الجميع أيّها الأب؟! أليسوا جميعاً أولادَك؟! فلِمَ هذه التّفرِقة؟! ولم هذا التجنّي؟! ولِمَ هذا الظّلم والعدوان؟! لقد عصيتَ الله فحابيتَ بعضَهم دونَ بعض، عصيت الله بظلمِك لهم وحرمانِك بعضَهم وتفضيلِك للبعض، فأنتَ بهذا عاصٍ لله قبل كلّ شيء، ويومَ القيامة ترى مصيرَك السّيّئ، تلقى الله وأنت من الظّالمين».
وتابع «مع هذا العصيان ستجد العقوق من أولادك بسبب هذا الظلم، فيعقّك أولئك الأولاد، ويجفونك، وتكون سبباً في عقوقِهم لك، وقطيعتِهم لك، ومعصيتهم لك، وعدم رأفتهم بك؛ لأنّهم يرونَ منك القسوةَ والجفاء والغِلظة وسوءَ التصرّف».
وخاطب إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الآباء قائلاً: «ألا تعلم أيها الوالد الكريم، والأب الرحيم، أنك أججت نار الفتنة بين أولادك، علمت أم لم تعلم، فضَّلتَ بعضَهم على بعض فأوقدتَ بينهم نارَ العداوةِ، وأشعلتَ بينهم الفِتنة، فرّقت قلوبَهم، مزّقتَ شملَهم، أحدثتَ بينهم القطيعةَ، تركتَهم متناحرين متقاطعين متباعدين، يبغِض بعضهم بعضاً، ويكرَه بعضهم بعضاً، فمَنِ المتسبِّب؟ ومَن الجانِي؟ إنّ الجاني أنتَ أيّها الأب، إذا لم تتَّق الله فيهم، إذا لم تعدِل بينهم، فستحمِل أوزارَهم؛ أوزارَ قطيعتِهم وتناحُرهم وشِقاقهم»، مبيناً أن «كثيراً من هؤلاء الآباء ذريعتهم في عدم العدل بين أولادهم، أن هذا ابنٌ يسمَعُ ويطيع، وهذا بارّ بي، وأولئك بعيدون عنّي، وأولئك لم أنتفِع بهم، وأولئك وأولئك... نعَم قد يكون مِن بعض الأولاد شيءٌ مِن هذا، وهذا ليسَ بمستبعَد، لكن هل الخطأ يُعالجَ بالخطأ؟! وهل القطيعة تُعالَج بالقطيعة؟! لأن التفضيل يزيد في القطيعة والبغضاء، أمّا العدل أيها الأب الكريم، إذا عدلتَ بينهم فإنّ عدلَك بينهم بتوفيقٍ من الله يقرّب قلوبَهم، ويجمَع شتاتَهم، ويحبّب بعضَهم إلى بعض».
العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ