العيد الوطني هذه السنة جاء مختلفاً، شكلاً وموضوعاً، وبالذات من دول الخليج العربية، وأظنه أمراً يستحق التقدير.
غمرنا أهلنا بالخليج وأكرمونا بمشاعر جياشة فاضت بها قريحتهم، لا غش فيها، كاملة الدسم والمحتوى، وأخص بالذكر، دون انتقاص غيره، ما بثه على «يوتيوب» المهندس عبدالمحسن الحمادي من الإمارات، شارحاً لماذا يحب الكويت ويقدرها.
وكان حجم الأغاني الوطنية أو شبه الوطنية كبيراً، منها ما هو غث، بطبيعة الحال، ومنها ما هو سمين. صديق لي من هواة البحث يؤكد أنه عبر السنوات هناك ما يزيد على 120 نصاً وعملاً ولحناً يمكن تصنيفها على أنها أعمال وطنية، وأسعدني أيضاً ما قرأته عن الجهد الفردي للكاتب حمد الحمد في إنجاز موسوعة عن الشعر الغنائي.
ومن بين ما تتميز به الكويت، ضمن أمور أخرى، قدرة أبنائها على تحويل المعاني إلى مشاهد، وأصوات، وألحان، وكلمات. ليس كلها جميلاً بالضرورة، ولكن بها ما يبقى، ويرسم ملامح للشخصية في هذا البلد الصغير المسالم.
هناك الكثير من الأغنيات التي يتغنى بها الشعب الكويتي راسخة في الأذهان والضمائر وتحكي معاني عميقة للوطن والشعب والأرض، وصموده في وجه الصعوبات، وبناء وطن حر مسالم، وإنساني.
التفاعل مع العيد الوطني وعيد التحرير كان غير مسبوق هذه المرة، وكانت حصيلته على المستوى العملياتي مصادرة أطنان من المسدسات والبنادق المائية، والحمد لله أنها كانت مائية، لأنها في بلاد أخرى ليست كذلك، كما كانت الحصيلة أيضاً أطناناً من المخلفات والقمامة، وهي دلالة غير طيبة.
ما يلفت الانتباه أيضاً أن المديح الزائد للذات قد يصيب الناس بالغرور، «وإحنا مو ناقصين»، بل ذهبت بعض التعبيرات إلى حد كاد يوصلنا إلى الملائكية، ونحن لسنا إلا بشراً، بيننا الطيب، وبيننا من هو دون ذلك.
أما ما يميّز الكويت حقاً، فهو قدرتها على التعبير، وتعايش مكوناتها الاجتماعية، وتنوعها العرقي والمذهبي، وسلميتها، وحريتها، وبالتأكيد ديمقراطيتها، ودستورها حتى في حده الأدنى. فإن فقدت الكويت مزاياها في التعددية، وقبول الآخر، وحريتها، فلن تصبح إلا بلداً عادياً، لا توجد فيه إلا «شوية» آبار نفط، وغالبية من الوافدين «الشغيلة»، وأقلية من المواطنين الذين يريدون ترحيلهم، ويحملونهم أعباء التراجع الذي تشهده البلاد منذ مدة.
نحن للأسف نعيش في حقبة تراجع على صُعُد كثيرة، كالحريات، والتعليم، وتزايد في معدلات الفساد. فبعد أن كانت الكويت في مقدمة الدول الصانعة للثقافة والتعددية، صارت الكتب تُمنَع فيها حسب المزاج، وفي ذات الوقت يسعى بعض السياسيين إلى محاولة إلغاء تلك الهوية التعددية، واحتكار الرؤية، وربما يأتي اليوم الذي يصدرون فيه قانوناً يمنع الاحتفال بالعيد الوطني، أو يعزل المحتفين به من وظائفهم، أو ربما يمنعهم من الترشح للانتخابات. من يدري؟!
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ