لم يكن مساء يوم الخميس (29 مارس/ آذار 2001) سعيدًا لدى الكثير من عشاق العطاء الفكري والمعرفي في البحرين. ففي ذلك المساء، وكان يصادف الخامس من المحرم من عام 1422، ودعت البحرين علمًا من أعلامها في الأدب والتاريخ وهو الكاتب والمؤرخ الراحل مبارك بن راشد بن جاسم الخاطر، وهو من أعلام مدينة المحرق، حيث ولد فيها عام 1935 وأسهم منذ مرحلة شبابه في إثراء الحركة الفكرية والأدبية والثقافية ليس على مستوى البحرين فحسب، بل على مستوى منطقة الخليج والعالم العربي.
وتجول الأستاذ الجامعي والباحث خليفة بن عربي في محاضرته بعنوان «جوانب من حياة مبارك الخاطر من خلال مؤلفاته «ضمن فعاليات الموسم 63 بجمعية تاريخ وآثار البحرين مساء يوم الأربعاء (1 مارس/ آذار2017) في مؤلفات هذا العلم الذي عمل في مجال قطاع الثقافة والآثار كباحث في الوثائق والمخطوطات، زد على ذلك أنه تقلد عضويات في جمعية الإصلاح، رابطة العالم الإسلامي العالمية، واتحاد المؤرخين العرب، وحمل (وسام المؤرخ العربي)، فضلًا عن نيله جائرة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري.
ومن خلال العرض، يذهب المحاضر بن عربي إلى سرد نبذة عن جهود الراحل الخاطر في مجال التأليف والبحث والدراسات والكتابات المتنوعة، والتي تعتبر عناوين لكتب شهيرة ألفها ضمن سلسلة (من أعلام الخليج العربي): نابغة البحرين عبدالله الزايد – القاضي الرئيس قاسم بن مهزع – الأديب الكاتب ناصر الخيري، ثم الكتابات الأولى الحديثة لمثقفي البحرين – المتدى الإسلامي بالمنامة – المسرح التاريخي في البحرين والخليج – التعليم الأهلي في الخليج ما قبل التعليم الحديث والمؤسسات الثقافية الأولى في الخليج.
ومن العجيب أن بن عربي كان دقيقًا في اختيار عناوين ليضعها كمنطلقات للحديث عن مؤلفات الخاطر، فتحت عنوان (الشعوب بإحباط المثقفين)، استعرض مقدمة الطبعة الأولى من كتاب (القاضي الرئيس قاسم بن مهزع... رجل من أرض الحياة 1847 – 1941)، وفي تلك المقدمة حيث ورد فيها أن هذا الكتاب محاولة للكشف عن العوامل التي أدت –عمومًا– إلى إهمال المتنورين وأعلام العلم في هذه الجزر في ذلك الوقت، لتدوين حيثيات حياتهم بألوانها المتعددة، والتي تلزم إلقاء نظرة فاحصة على المناخ العلمي للجزر آنذاك، حيث يتبين لأول مرة أن المناخ العلمي في أواخر القرن التاسع عشر، كان من بقايا المناخ الفكري الذي عاشه العرب منذ حوالي القرن الثالث عشر الميلادي لغاية القرن التاسع عشر، وأن كان هناك من حولنا ما بدا يومذاك أنه حركة بسيطة في تدوين التراث الذي كان أكثره دينيًا، كما حدث في نجد والحجاز، وقلة قليلة في الاحساء، إلا أن مناخ عدم التدوين لما أصبح تراثًا حديثًا، فيما بعد لهذه الجزر كان مكثفًا.
وعن الإخلاص للتاريخ وأهله، تطرق المحاضر بن عربي إلى كتاب (القاضي الرئيس قاسم بن مهزع)، واختار لتوضيح الغاية صفحة من الكتاب تتحدث عن المصاعب التي تكتنف تدوين التراث عبر أعلامه، فهي تبدأ من عدم يسر المصادر، مرورًا بقلة رواة أحداث هذا التراث، إذ قد لا يكون بقي منهم في قيد الحياة إلا القليل، وتنتهي بقلة حصيلة المدون نفسه مما يريد تدوينه، وفي سلسلة (دراسات خليجية 3) وتحت عنوان (المسرح التاريخي في البحرين) والصادر عام 1985، اختار المحاضر نسخة من رسالة الأديب عبدالرحمن جاسم المعاودة إلى مبارك الخاطر مؤرخة بتاريخ 6-1-1985)، تحدث فيها المرسل المعاودة عن الإعجاب والاعتزاز بالجهد المبذول في تأريخ مسرح البحرين الأدبي والعملي في الجيل السابق، لكنه يلفت نظر الخاطر إلى أنه ما ذكره عنه شخصيًأ وما نسبه إليه من فقر مدقع وعوز (فهذا ولله الحمد تعالى صغير صحيح) ولو رجعتم إلى كتيب (كلمات) لقرأتهم فيه تاريخ حياتي بقليمي، على (إنني والله العظيم لست بعاتب ولكنه من باب تصحيح الواقع... هذا وأنني لأكرر الشكر والامتنان).
ولعله من الجميل الإشارة إلى كتاب (رجل... ومولد قرن 1900 - 1982.. مبارك سيف الناخي) ضمن المجموعة السابعة من سلسلة أعلام الخليج العربي حيث أورد بن عربي تحت عنوان (خدمة الأجيال... الدور الإصلاحي للخاطر)، حيث تختصر فقرة يسيرة ما آمن به الخاطر «إن الذي ليس له إلمام بالحقب التاريخية التي مرت ببلاده، وليس له حظ من المعرفة بأدبيات واجتماعيات واقتصاديات تلك الحقبة، فستنطبق عليه صفة النزيل المؤقت في وطنه، ذلك الذي يصبح ضعيف الوشائج بأرضه التي يعيش عليها مما يعرضه للاقتلاع بسهولة».
العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ