إلى ماذا تخطط «إسرائيل» الآن بعد ان حصلت الولايات المتحدة على ورقة قرار مجلس الأمن؟ انها أولا تستعد لمواجهة احتمالات كثيرة ومحصلتها هي ربط مصيرها بالاستراتيجية الأميركية الهجومية في العراق وعلى منطقة «الشرق الأوسط». الاستعداد تحصيل حاصل. نأتي إلى النقطة الثانية وهي ازدياد التنافس الداخلي في قطف ثمار «الانتصار الأميركي» على العرب في معركة تبدو موازين القوى فيها واضحة من الآن ونهايتها ليست سرا عسكريا. المشكلة في التداعيات السياسية واتجاهات المنطقة وصلتها بالغرب الأميركي بعد ان تكون الولايات المتحدة أوغلت وعبثت بالدم العربي. «إسرائيل» ستكون الدولة الإقليمية الأولى المستفيدة من مجرى التحولات الآنية التي ستنجم عن الضربة العسكرية إذا وقعت. بعد ذلك ستكون الدولة الأكثر تضررا. فالمقاييس السياسية لا تحسب بالأيام والشهور وإنما بالسنوات. والزمن أكبر بكثير من حدود قوة الإنسان وقدراته على التصور والتخطيط.
إذا، سنشهد في الداخل الإسرائيلي ليس نقاشا على اغتنام الفرصة لتحقيق السلام مع دول الجوار، بل الصراع السياسي بين الأحزاب والمزايدة على التطرف. فالفرصة بالنسبة إلى «إسرائيل» ليس كسب الوقت للتفاوض بل استغلال الضربة لتحقيق شروطها في فرض الاستسلام على العرب وانتزاع اعترافهم بالاستيلاء على الأرض والمياه والحقوق من طريق القوة (الأميركية طبعا).
قادة «إسرائيل» هم من نوع مثلث الشر (تيشيني، رامسفيلد، ورايس) الحاكم في واشنطن. فالمثلث يرى ان الاستراتيجيات ترسمها القوة وانه من طريق التسلط والقهر يمكن إعادة تشكيل الدول والشعوب وفق تصورات المصالح التي يرسمها الجنرالات لمصلحة شركات الاحتكار على أنواعها من مال ونفط وسلاح.
«إسرائيل» إذا تستعد سياسيا وعسكريا ونفسيا... وأيضا انتخابيا. فهناك معارك حزبية بين الليكود والعمل، وبين العمل والعمل، وبين الليكود والليكود. الأولى على المستوى العام، والثانية والثالثة على المستوى الخاص. والقاسم المشترك بينها هو التطرف والميل إلى المزيد من التطرف في كل من حزب العمل وتكتل الليكود وأخيرا في المجموع العام للسياسة الإسرائيلية.
هذا المزاج الإسرائيلي له سببه الداخلي أولا وهو طبيعة المشروع الصهيوني وأهدافه الكبرى في المنطقة. وسببه الخارجي ثانيا وهو ان «دولة إسرائيل» ليست نتاج التطور التاريخي - الطبيعي للمنطقة العربية. فالدولة أسقطت على المنطقة برعاية بريطانية وتحت مظلة دولية. وهي بالتالي ترى ان مصيرها ليس مرتبطا بتقدم المنطقة ولا بوحدتها ولا باستقلالها. مصيرها يقرره «الخارج» والخارج يغذي عندها نزعات التطرف أو يقلل من حدتها. فإذا كان المشروع الدولي يتجه نحو التفاوض والسلم تتجه «إسرائيل» في سياق المشروع مستفيدة من المناخ العام والغطاء الدولي. وإذا كان الاتجاه الدولي يتجه نحو التصعيد والحرب (كما هو حال العالم في ظل إدارة مثلث الشر) تتجه «إسرائيل» نحو الانسجام مع التوجه المذكور... وتستعد بدورها للاشتراك في الحرب إذا سمح لها أو للكسب وهو أمر مفروغ منه. فالكسب مسألة مضمونة لإسرائيل حتى لو لم تشترك في التضحية أو دفع الثمن. فحصتها محسوبة في (الكوتا الأميركية).
المناخ الدولي إذا يشجع «إسرائيل» على التطرف. فهي أصلا دولة متطرفة و«تسامحها» هو مجرد انحناء لتدارك الضغوط وهذا ما فعلته بعد حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) حين طلب منها المشاركة في مفاوضات مدريد فذهبت مجبرة وتحينت الفرص للتملص من كل الكلام والاتفاقات التي وقعتها أمام العالم وفي حديقة «البيت الأبيض» وبإشراف الدول الكبرى.
الحرب على العراق، هي في وجه من وجوهها، حرب «إسرائيل» على المنطقة. ومطالبة ارييل شارون قبل أسبوع بضرب إيران بعد ضرب العراق ليست صاعقة في سماء صافية وإنما هي قراءة استدراكية لتداعيات سياسية ستحصل في المنطقة بعد ان يضرب «مثلث الشر» ضربته.
وزير الخارجية البريطاني جاك سترو عاتب شارون على كلامه. والعتاب ليس بالضرورة عدم موافقة على تداعيات أفكار القيادة الإسرائيلية... بل رفض الانسياق وراء غباء شارون. إنها الحرب إذا. التوقيت بيد أميركا وحصاد الموت تكسبه «إسرائيل»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 66 - الأحد 10 نوفمبر 2002م الموافق 05 رمضان 1423هـ