المبادرة الإيجابية التي اتخذها سمو رئيس الوزراء بإعادة النظر في قانون الصحافة حاول البعض مصادرتها ورفض اعتبارها تجميدا للقانون. هذا الرفض صاحبه أيضا صوغ خبر زيارة رؤساء التحرير لرئيس الوزراء بحيث يتصور قارئ الخبر أن المقابلة أساسا كانت لجمعية الصحافيين التي يرفض الانضمام اليها على الأقل اثنان من الذين حضروا اللقاء المذكور. هذه العقلية الرافضة للتعامل مع الواقع بشفافية هي نفسها التي كانت تصوغ أخبارا لا توجد على أرض الواقع اعتقادا منها بأن ذلك سيعزز مكانتها. والحال هو العكس، ودليل ذلك هو عدم ثقة الشارع البحريني بالإعلام الرسمي، إذ مازال المواطن بانتظار وسائل الإعلام غير الرسمية وغير المحسوبة على الخط الرسمي لتذكر الخبر كي يصدقه.
هذا النمط من التعامل مع شعب البحرين هو محاولة استغباء لشعب عريق وفاهم ويعلم كل ما يدور حوله. ونحمد الله، أن رفض قانون الصحافة الذي بدأ في اليوم الأول بعد صدور القانون في صحيفة «الوسط» وبعد ثلاثة أيام بدأت الصحف الأخرى والجمعيات الأهلية المعنية التحرك لرص الصفوف، نتج عنه مصلحة مشتركة للجميع. ولو سمح للقانون بالتنفيذ لأمكن القول بأن عهد أمن الدولة عاد الى البحرين.
وهناك من بعث برسائل يسأل: لماذا تحمست «الوسط» لرفض قانون الصحافة بينما لم تتحمس لرفض قوانين ومواد دستورية أخرى. والجواب على ذلك هو أننا نعتقد أن الديمقراطية لها أعمدة وخطوط حمر لا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال. والأعمدة هي: عدم الاعتقال التعسفي وعدم التعذيب وعدم منع التجمعات السلمية وعدم منع حرية التعبير. هذه هي الأسس الأولى للديمقراطية، وأي مجتمع تحققت فيه الديمقراطية امتلك هذه الحقوق أولا. وبعد تلك الأسس تأتي الحقوق المدنية الأخرى (المساواة أمام القانون والتعامل على أساس الكفاءة والمواطنة) والحقوق السياسة ( الحق في المشاركة الكاملة في إدارة البلاد والتشريع والرقابة) إلى آخره من الحقوق.
ولذلك، عندما ارتبط الأمر بأساس جوهري للديمقراطية لا يمكن التنازل عنه بأي شكل من الأشكال كان لا بد لـ «الوسط» ان تتخذ الموقف الذي اتخذته. على ان «الوسط» وقفت مواقف قوية أخرى في قضايا متعددة بعضها سياسية ومبدأية وأخرى حياتية وأخرى ترتبط بهيبة البلد وسمعته (مثل المحافظة على الآثار وعدم تدميرها تلبية للمصالح الأنانية الشخصية... الخ).
أما بالنسبة إلى الموقف من الدخول في الحياة النيابية فعلى رغم عدم الموافقة على طريقة التعديلات الدستورية ومحتوى عدد مهم منها فإننا كنا ومازلنا جزءا من الحوارات المتعددة على الساحة السياسية. إلا أنه وللأسف عندما اشتدت الأمور وتشددت المواقف من الطرفين (الرسمي والمعارض) اصبح أصحاب الأفكار التوفيقية لا مجال لهم. و كانت أيضا معنا رموز دينية وسياسية مهمة في البلاد وقيادات في جمعيات أهلية ترى وجهة النظر نفسها، ولكن ازدياد التشدد في الطرح أدى إلى ابتعاد كثير من الشخصيات عن التعبير عن آرائها لكي لا يُتهموا بأنهم «اتباع» للخط الرسمي ولكي لا يتهموا بأنهم «باعوا» قضية الشعب. ولذلك تطورت الأمور بالشكل الذي شاهدناه.
غير ان الامر ليس فيه إلتباس عندما صدر قانون الصحافة، وكان لابد من قول كلمة الحق لأنها كانت واضحة ولا يختلف عليها اثنان، وهذا دليل على ما ذكرناه سابقا من أن انعدام الوحدة في الصف المعارض وعدم السماح للحوار بعيدا عن الضوضاء منع من إيصال كلمة تحرك عملية الحوار باتجاه يرضي الطراف المختلفة (مع بعض التنازلات الملازمة لأي عمل سياسي).
مهما كان الأمر، فإن السياسة شأن متحرك مع الزمن، ولذلك فإننا جميعا في خندق واحد ندافع عن مصالح أمتنا وبلدنا بحسب قناعات كل واحد منا، فالذي يجمعنا أكثر من الذي يفرقنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 66 - الأحد 10 نوفمبر 2002م الموافق 05 رمضان 1423هـ