في محيطنا الخليجي والعربي والإسلامي برزت البحرين على مر العصور بثقافاتها وحضارتها وسماتها وخصالها العربية والإسلامية، فكان رجالها الأفذاذ ومنذ أكثر من 14 قرنا من الزمان قد أثبتوا للعالم أجمع أنهم أهل علم ومعرفة، وأن الصعاب والمعوقات والتحديات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية لم يثنهم عن تميزهم في مختلف المجالات العلمية، وهذا ليس خافيا على المهتمين بالتراث الثقافي لعلماء ومفكري البحرين، وليس في قولنا مبالغة حتى بمقدار واحد في المئة، فالمكتبات العربية والإسلامية والمتاحف العالمية العامرة بمؤلفاتهم ومخطوطاتهم، العلمية والأدبية والفقهية والعقائدية، وفي مختلف فنون الثقافة والمعرفة، شاهدة على كثرتهم وغزارة نتاجاتهم العلمية.
فهناك الكثير من المخطوطات لعلماء البلد من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري، موزعة في الكثير من المكتبات العالمية، وهي تمثل مفخرة كبيرة للبحرين ولأهلها، لما تحويها من العلوم والمعارف القيمة، التي مازالت مصدر إشعاع لمن يريد الإستزادة في علومه ومعرفته وثقافته، في أحايين كثيرة تطرح تساؤلات على ألسن الكثيرين من أبناء البحرين، وفي المجالس الاجتماعية ومنتديات المختصين والمتخصصين والمهتمين بالموروثات الحضارية والثقافية لهذا البلد، الزاخر بعطاءاته الثقافية والمعرفية، أين وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام عن هذا الموروث العلمي الضخم، الذي أوجده للإنسانية رجالات وعلماء هذا البلد، طوال القرون السالفة التي تمتد إلى ما قبل دخول البحرين في الإسلام وإلى هذا الوقت؟ أين هما عن المؤلفات والنتاجات القيّمة لأكثر من 600 عالم ومفكر، في المجالات العلمية والمعرفية والثقافية، كالعقيدة والتفسير والحديث والفقه والأصول وعلوم العربية والفلسفة والمنطق والعلوم التطبيقية من طب وعلم فلاحة وغيرها من المعارف المهمة؟ وقال الشيخ محمد عيسى آل مكباس في المقابلة التي أجرته معه صحيفة الوسط وتم نشرها في في العدد (3578) ـ الأحد 24 يونيو/ حزيران العام 2012 «ان هناك أكثر من 3000 مخطوط لعلماء البحرين، موجودة في ألمانيا والهند وإيران والعراق وغيرها من البلدان في العالم، هذا العطاء الثقافي والفكري الكبير الذي يفرد له أماكن خاصة في الكثير من المكتبات والمتاحف التراثية في الكثير من دول العالم، يثيرالتساؤلات دائما على ألسن الكثيرين من أبناء الوطن، من المهتمين بموروث البلد الحضاري والثقافي، الزاخر بالعطاءات الثقافية والمعرفية الوفيرة، لماذا تخلو مناهج وزارة التربية والتعليم الدراسية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية من هذه الكنوز الحضارية والثقافية والفكرية الكبيرة، لرجالات هذا البلد المحبين للعلم والمعرفة، طوال القرون السالفة التي تمتد إلى ما قبل دخول البحرين في الإسلام وإلى وقتنا الحاضر؟
ما نعتقده أن القائمين على هاتين الجهتين المهمتين، التربية والإعلام، على اطلاع كامل بهذا الموروث الكبير الذي خلفه أفذاذ وجهابذة وفطاحل المئات من الشخصيات الثقافية والفكرية المرموقة، في هذا البلد الطيب، لا ندري لماذا حتى هذه اللحظة لم تتخذ هاتان الجهتان الموقرتان أية خطوة تجاه إبراز هذا الموروث الحضاري القيّم للأجيال البحرينية؟ هناك حاجة ملحة وضرورية إلى قيام كل من الجهتين الموقرتين بإطلاع أجيال الوطن الشغوفة بطلب العلم والمعرفة على موروثهم الثقافي الكبير، فإن التغافل عنه أو تجاهله أو تناسيه أو التسويف في إخراجه للأجيال الحاضرة والمستقبلية، فيه خسارة ثقافية وفكرية كبيرة، لا ريب في أن إطلاع الأجيال على موروثهم الحضاري يعطيهم حافزا قويا لهم لطلب العلم والتأليف والبحث والتحليل وإجراء الدراسات المعمّقة في كل المجالات العلمية والأدبية وفي مختلف المعارف النافعة.
فهناك الكثير من المصادر التاريخية والبحثية والدراسية التي حوت تراجم لمئات العلماء والأدباء من أبناء البحرين على مدى 14 قرنا، بإمكان الجهتين المعنيتين (التربية والإعلام ) الاهتمام بموروثات البلد الحضارية والثقافية، والرجوع إليها والاستفادة منها في هذا المجال المهم، والحصول على تلك المصادر ليس بالأمر الصعب إذا ما أرادتا بالفعل العمل على إبراز مكنونات الوطن العلمية والفكرية والثقافية، لتثبت للعالم المتحضر أن بلدنا البحرين لا يقل عن بقية البلدان في الجانبين، الحضاري والثقافي، فهناك وفد تشكل من شخصيات كبيرة من أبناء البحرين في عهد النبي محمد (ص)، وقد تشرف الوفد الذي قدر أقل عدد لأفراده بـ 13 شخصا، وأكثر عدد 40 شخصا، باستقبال وحفاوة رسول الله (ص) لهم في المدينة المنورة، وأعلن أفراده في ذلك اللقاء الشريف والمهم إسلامهم بين يدي النبي محمد (ص) وقدموا له (ص) البيعة، صحيح البخاري ـ كتاب المغازي ـ باب عبد القيس ـ الجزء رقم (3)، وكان تعقلهم ووعيهم وثقافتهم واطلاعهم على موروثاتهم الحضارية، التي بشرت بظهور خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله (ص) في مكة المكرمة، ورجوع الوفد من أرض النبوة والقداسة، وهو يحمل معه سماحة الإسلام والأخلاق النبوية السامية إلى أهلهم في البحرين بكل وفاء وصدق، من دون زيادة أو نقصان، قد ساعدت جميعها أهل البحرين على الدخول في الإسلام طواعية، وجعلت الغالبية العظمى من أهل هذا البلد الطيب، رجالا ونساء وشبابا وشابات، ومن كل الطبقات والشرائح والمكونات الاجتماعية يدخلون أفواجا إلى دين الله تعالى قبل غيرهم.
فما حديث النبي المصطفى (ص) عن أهل البحرين إلا دليل على مكانتهم الحضارية والفكرية والثقافية، وحسن وصدق تعاملهم مع موروثاتهم الحضارية والثقافية التي أسهمت بشكل مباشر في تقبلهم نبوة رسول الله (ص) ودخولهم في دين الله أفواجا من غير أن يدخلوا معه في قتال أو نزاعات عبثية، فإذعانهم للحقيقة الربانية وللأوامر الإلهية وإيمانهم بالدعوة المحمدية، في الوقت الذي كانت الكثير من القبائل العربية والأمم غير العربية ترفض وتحارب بشراسة منقطعة النظير دعوة النبي محمد (ص)، لهو دليل واضح على الرقي الثقافي الذي يتمتع به أهل البحرين دون غيرهم، أليست كل هذه الموروثات القيّمة تستحق منا أن نفخر ونعتز بها في كل الأزمان والعصور بين جميع الأمم؟ ألم يكن ذلك الموروث الساطع دافعا لنا جميعا بأن نعمل جاهدين، لكي نكون دائما عند حسن ظن نبي الإسلام، المصطفى الأمجد والرسول المسدد أبي القاسم محمد (ص) في البحرين الطيبة وأهلها الكرام؟ فجيلنا الحاضر لا يقل في وعيه وثقافته عن الأجيال الذين صنعوا لنا هذا التاريخ العريق، فلو أعطي الفرصة كاملة غير منقوصة، سنجده سباقا في التميّز والمبادرات والإنجازات في مختلف المجالات، وهذا يقين لا يداخله الشك في قدرات وإمكانات ووعي أبناء الوطن الأوفياء... نأمل أن نرى قريبا موروثنا الحضاري القيّم متداولا في إعلام البلد وفي مناهجه الدراسية، وبين طلابنا وطالباتنا ومثقفينا ومفكرينا الأعزاء، وفي منتدياتنا ومراكزنا الثقافية والاجتماعية والإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5290 - الأربعاء 01 مارس 2017م الموافق 02 جمادى الآخرة 1438هـ