بعض الأصوات تعتبر علامة فارقة في مجالها، خصوصاً حين تكون أصواتاً صادقة، تعمل بإخلاص ولا تهدف إلا للصالح العام من غير الالتفات إلى المصالح الشخصية وطرق استغلال المناصب للوصول إلى المنفعة الشخصية.

بعض هذه الأصوات تسعى لقول الحقيقة وإن كانت قاسيةً، خصوصاً في المحافل الإعلامية، فكيف بها إن كانت عاملة في هذا المجال؟ وداوود الشريان واحد من هؤلاء الذين سعوا عبر مسيرتهم إلى «كشف المستور» والبحث في ما وراء المرئي مما يريد لنا المسئولون رؤيته. وما قدّمه في ورقته بمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث تحت عنوان «إعلام التنمية» يوم الإثنين الماضي كان خير مثال؛ إذ قال ما يجب قوله من دون الإلتفات إلى غضب المسئولين في الإعلام والسلطات، ممن قد يتحسسون من أطروحاته.

دعوة الشريان إلى إلغاء وزارات الإعلام في الوطن العربي باعتبارها وصياً يهدف إلى الرقابة وتسيير دفة الأقلام والأصوات نحو ما تريد منهم قوله، كانت دعوة طالما طالب بها بعض الإعلاميين والمهتمين بهذا المجال، ممن يطمحون إلى توفير سقفٍ عالٍ من الحرية الإعلامية في بلدانهم، لكنه أكد على الخوف من إلغاء هذه الوزارات واستحداث صور أخرى في السلك الحكومي لتكون بديلاً عنها. ولم يفت الشريان، وهو ابن المجال الاعلامي، أن يتحدث عن تربّع كبار السن على الكراسي وتمسكهم بها، خصوصاً في المناصب العليا، على رغم أن معظم جمهور هذه الصحف هم من الشباب، متسائلاً عن جدوى ذلك في ظل تهميش دور الشباب، وعدم الإيمان بقدراته، وهم الأقدر على فهم ثقافة عصرهم واحتياجات أبناء جيلهم، ما يؤدي إلى اتساع الهوة بين الأجيال كنتيجة بديهية.

وكم كانت صادقة ومؤثرة دعوته الاعلاميين إلى الشفافية والاهتمام بحاجات الشعوب والكتابة للناس، الأمر الذي أغفله كثير من الصحافيين في بلداننا خصوصاً بعد موجة التشهير والتخوين التي تطال كل من يرغب في قول الحق والإشارة بإصبعه إلى مواضع الخطأ والقصور في الأداء الحكومي والمؤسساتي في دولنا. صار العزوف عن قول الواقع هو منهج صحافيي وكتّاب الصحف الرسمية إما خوفاً من أن تطالهم أصابع التشهير والتخوين، أو خوفاً على مناصبهم ومراكزهم، وهو ما جعل المشكلات تتزايد والفساد يستشري؛ فلا رقيب ولا كاشف يمكن أن يتحدّث عن القصور.

ولا تقل أهمية دعوته إلى الاهتمام بالخبر من دون تبجيل أو تطبيل، وهو ما يلاحظ في جميع صحف الخليج التي تهتم بأخبار المسئولين أضعاف أضعاف اهتمامها بما يهم المواطن ، حتى باتت وكأنها وسيلة دعائية وإعلانية للسلطات والمسئولين، إضافةً إلى أهمية المبادرة في نشر جميع الأخبار بكل شفافية ومن غير تلوين أو تأخير أو حجب الأخبار التي لابد وأن تعرف في نهاية المطاف.

ماذا لو كان لدينا أكثر من برنامج إعلامي في كل دولة من دول مجلس التعاون يتحدّث بكل صراحة ووضوح عن مواضع الضعف والقصور في الأداء الحكومي والمؤسساتي والإعلامي؟ وماذا لو استطعنا فعلاً أن نحقّق ولو جزءاً واحداً في المئة من هذه المطالب والأطروحات التي طالما تمنيناها؟ وماذا لو أن الصحافيين في كل الصحف حكّموا ضمائرهم قبل مشاعرهم، وتحدّثوا بكل صراحة في أخبارهم ومقالاتهم عن كل ما يحدث في بلدانهم؟ هل سيكون هذا هو حالنا؟