في تصريح لـ«الوسط»، أطلق الإعلامي السعودي المعروف داوود الشريان، نبوءته اللافتة، متوقعاً «تهاوي وزارات الإعلام الخليجية والعربية»، وأضاف «سيحدث ذلك خلال مدة تتراوح بين 4 سنوات و5، وسأُذَكِركُمْ».
الشريان الملقب بـ»كبريت الصحافة»، استبق نبوءته هذه بدعوة لإلغاء وزارات الإعلام، رافضاً في الوقت ذاته اعتبار دعوته «متقدمة زمنياً على منطقة الخليج»، وقال: «الخطورة أن بعض الدول العربية تلغي وزارات الإعلام لكن تعيدها بصورة ثانية، ولن أسمي الدول»، وأردف «فقط، تتم إزالة المبنى لكن المضمون موجود، وأنا أريد المضمون ولنترك المبنى».
وعن مدى واقعية هذه الدعوة، وخصوصاً على مستوى المنطقة الخليجية، قال: «وجود وزارات الإعلام دليل دامغ على أن الحكومات مصرة على الوصاية. الإعلام ليس وصاية، الإعلام اتصال، ووزارات الإعلام يجب أن تلغى لأنها تقف في طريق أنبوب الاتصال، وعليه فإن وجود وزارة الإعلام يعيق الاتصال ولا ينفعه، وعلى وزارات الإعلام أن تغلق لأن لا دور لها».
وأضاف «وزارات الإعلام صنعها هتلر، أيام غوبلز، وأنا أرى أن دورها ينحصر في تنفيذ القوانين والأنظمة، وهذا يتطلب إدارة صغيرة خاصة بالتراخيص والأنظمة، لكن لا داعي لوجود وزارة اعلام تقول لي اكتب ولا تكتب...».
وبشأن تقييمه الصحافة البحرينية، بوصفه إياها (صحافة إنشائية)، رفض الشريان اعتبار ذلك ظلماً لها، وقال: «صحافة البحرين كصحافة الإمارات وكصحافة قطر، صحافة فيها إنشائية بنسبة كبيرة. صور وزراء (...) ويمكنك أنت ترى ذلك فيها، وبالتالي أين هو الظلم؟ كل ما أقوم به هو تقييم مهني لصحافة فيها تبجيل وتفخيم لأمور (ما تستاهل)، وهو ما يدفعني للتساؤل «وين الشعب البحريني؟». الشعب البحريني غير موجود، والشعب السعودي غير موجود في صحافة بلده، وكذلك الشعب الاماراتي والقطري. الموجود حكومات ومسئولون (...)».
وعن تعويله على فئة الصحافيين الشباب، كرر الشريان حديثه عن قدرة هذه الفئة على قيادة الصحافة العربية، وعقب «الشباب الجديد بيصير أكثر منك ومني، بس عطوه فرصة».
ومساء أمس الأول الإثنين (27 فبراير/ شباط2017)، حل الشريان ضيفاً على مملكة البحرين، ليقدم ضمن موسم ربيع الثقافة، محاضرته التي جاءت تحت عنوان (إعلام التنمية)، واحتضنها مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث بالمحرق.
لغة لم تغب عنها الصراحة، تحدث بها الشريان، فانتقد استمرار من أسماهم (كبار السن) على المشهد الصحافي عربياً، وتوقع أن «تغيب شمس الإعلام المطبوع»، وأردف «لا أستطيع القول كالآخرين، وتحديد المدة بـ 3 أو 5 سنوات، لكن هذا الإعلام إلى غروب. لن تندثر صحافة الورق بشكل نهائي، لكن لا أمل في انتعاشها (...)»، داعماً توقعه هذا بالإشارة الى استغناء صحف سعودية عن عدد من موظفيها.
ضمن حديثه تطرق الشريان الى نظرية (ربع الرغيف)، وقال: «بعض المؤيدين لحرية الصحافة يرون أن لا علاقة للصحافة بتحقيق نتائج طيبة مستديمة، وإنما وجدت الصحافة في رأيه لنقل الأخبار والطرائف ولفت الانتباه الى كل ما هو شيق وطريف، والمؤسف أن صحفنا لم تكن مهنية في الحالين».
وأضاف «استبداد ثنائية صحافة الثوار والحكومات كان بحاجة لمخرج يحمينا من خطابية (الصحافة الثورية) ودعائية الصحف الرسمية ووصيفاتها، وينزع فتيل الشك بين الاعلام والسلطة، فكان الحل من خلال ما أسميه أنا نظرية (ربع الرغيف)، التي أعلن عنها الصحافي الأميركي ألبرت هستر، مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. يومها أعطى هستر اهتماما خاصا لصحافة التنمية، وميز بين الموضوعية والحياد من خلال رسمه العلاقة بين الحكومة والصحافة في العالم الثالث».
وتابع «أسدى هستر نصيحة تستحق أن تكون نظرية، وقال مخاطبا الصحافيين في العالم الثالث (أن ترضى بربع رغيف خيراً من أن تتضور جوعاً). نظرية «ربع الرغيف» خلقت وضعاً مختلفاً، فمن خلال ما يسمى بإعلام التنمية، وجد المسئول الرافض للصحافي المستقل والمتوجس منه أن هذا الصحافي مفيد في كشف عيوب الأجهزة ونقل تفاعل الناس، واستطاع الصحافي أخذ مساحة زادت عن الحد المسموح به في قضايا الدين والسياسة والادب، وأشبع ربع الغريف هذا المتاح، جوع الصحافة المحرومة من ممارسة دورها، والاهم أنه خفف من هيمنة السياسي على الصحافي وفتح باباً عظيماً للتفاهم بين الصحافة والجالسين على مقعد السلطة، ومنح الصحافة وصناع القرار فرصة الوصول الى حوار أفضى الى مصلحة الناس والحكومات وتالياً دولهم».
وأردف «هذا التطور جاء متزامناً مع ما يعرف بالإعلام الجديد الذي فرض حالاً من التطور على هيمنة الاعلام الرسمي والخاص وحرر قطاعات واسعة من الجمهور من سطوتهما، وأعلن عن بداية إعلام زمن الفرد، وما له من القدرة على مخاطبة جميع الجماهير بلمسة من هاتفه المحمول، ولا شك في ان «اعلام التنمية» يصبح قوة جبارة في حماية ومساندة النمو والتطور اذا تحرر من القيود وامتلك حرية الحركة، لكنه يحدث العكس اذا تحول أداة للقائمين على هدم التنمية، وهو ربما تحول لوسيلة هدم لها من خلال الصمت والتستر على الفساد والاخفاقات».
كما نوه بقدرة «اعلام التنمية» على أن يتحول لقوة جبارة اذا مارس النقد دون قيود من السلطة التنفيذية، ورفض احتكار الرأي لجهة أو شخص وحمى مصالح المجتمع في مقابل مصالح التنفيذيين، وصار يعمل لصالح الناس والدولة وتمسك بتوفير معلومات عن مشاريع التنمية ومراحل تنفيذها، وأشرك الجهات التنفيذية في الحوار، وساهم في وصول الأفكار، وأتاح فرصة للجمهور لإبداء الرأي في المشروعات المطروحة والتعبير عن مشاكلها ومكنها من المشاركة.
مسار (إعلام التنمية) تنبه له الشريان بشكل مركز بعد 34 سنة من تخرجه. يوضح ذلك بقوله «حين كنت على مقاعد الدراسة في قسم الاعلام في جامعة الملك سعود بالرياض، قرأت عبارة تقول (اكتب عن الناس يقرأك الناس)، وحين تخرجت من الجامعة سنة 1978 لم ألتفت لهذه العبارة بوعي الممارسة، لكني حين وصلت عام 2012 الى برنامج الثامنة الذي أقدمه منذ 5 سنوات على قناة إم بي سي، أعدت صوغ هذه العبارة وقلت لزملائي علينا أن (نتلفز) الناس ليشاهدنا الناس».
وأضاف «فأنت إذا كتبت عن الناس أو (تلفزت) الناس فأنت بالتأكيد ستحظى بمتابعة عالية. لا أسوغ هذه القاعدة الذهبية من أجل كشف سر نجاح برنامج الثامنة، لكن من أجل القول إن سبب وصول برنامج الثامنة لكل الناس هو التزامه بالحد الأدنى من معايير إعلام التنمية وأهمهما إعطاء الجمهور حقه في مد الثامنة بالأفكار والمقترحات ولجم احتكار ما يسمى بالنخب للكلام، وجعل كل مواطن ضيفا وشريكا محتملا في هذا البرنامج، بصرف النظر عن جنسه وعمره وموقعه وتعليمه أو بيئته ورفض مجاملة التنفيذيين على حساب مصلحة الناس».
واستدرك «ينبغي القول إن صانع القرار في السعودية هو صاحب الدور المهم في هذا الانجاز، حيث بات على قناعة أن إعلام التنمية يجب أن يتحرر من سطوة الاجهزة حتى يؤدي دوره في حمايتها من جور الفساد».
وخلص الشريان في ورقته إلى نصيحة الصحافيين والتنفيذيين على حد سواء «أيها الصحافيون، اكتبوا عن الناس يقرأكم الناس، أيها (التلفزيونيون)، (تلفزوا) الناس يشاهدكم الناس، أيها الجالسون على مقاعد السلطة، حرروا الإعلام من قيود الرقابة والجموا شهوة الموظفين للإطراء، أطلقوا يد الصحافة في حماية التنمية قبل أن يفتك بها وبنا إعلام الدعاية السياسية»، منبهاً إلى أهمية قراءة الصحافيين الشباب، لكتاب (الدعاية والدعاية السياسية)، وكتاب (دليل الصحافيين في العالم الثالث)، وقال: «هذا الأخير دليل تسترشدون به، وأهم ما فيه، إيضاح الخلط بين الموضوعية والحياد، وأنا أردد لزملائي الشباب في برنامج الثامنة: الحياد كذب وإن شئتم فالحياد نافلة، يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، اما الموضوعية فهي فرض من فروض الاعلام، من يفرط في الموضوعية يصبح إعلامياً فاشلاً، ويصبح إعلامه دعائيا».
وعلى خلاف السائد، ذهب الشريان إلى اعتبار (الخبر) أخطر صحافياً من العمود او المقال. وقال وهو يرد على سؤال بشأن أسباب ضعف المهنية في الوطن العربي: «هناك من يعتقد أن أخطر عمل في الإعلام هو كتابة المقالات، والحقيقة أن أخطر شيء نكتبه هو الأخبار، ولذلك نحن في العالم العربي لا نقرأ أخبارا بل نقرأ معلقات، تبدأ بإنشائيات، ولذا فإن أحد أسباب ضعف المهنية أنك لا تستطيع قول الحقيقة فتغيب المهنية، لا تجيب عن الأسئلة الخمسة في الخبر وتدخل الرأي في التقرير لأنك غير قادر على قول الحقيقة».
وأضاف «ما جرى في العالم العربي، أننا أصبحنا ننشر معلقات إنشائية لا تتضمن أخبارا، وكمثال على تغييب التنمية، يُفتتح مستشفىً في بلد ما، وفيه أقسام جديدة. اقرأوا أخبار الصحف وخصوصاً في الخليج (من دون تسمية)، بعضها لن تجدوا فيها شيئا، وشخصياً أنتهي منها إلى 5 صفحات فقط من مجموع 65 صفحة. يكتبون عن كل شيء عن الوزير والمرافق له والبروتوكول والعشاء والمباخر، (طيب هذا المستشفى الذي افتتحوه وشو؟ كم قسم؟ ما هي الانجازات الموجودة فيه؟».
نتيجة لذلك، يرى الشريان أن المواطن انفصل عن التنمية وأصبح يشك في أن ما يجري غير صحيح، وهذا «عيب اعلام الدعاية وإعلام الانشائية».
ورداً على سؤال بشأن كمية الأخبار الكاذبة الموجودة في المنطقة، وعن الطريقة للتصدي لها، قال الشريان: «أعتقد اليوم، ومع الإعلام الجديد، بات بمقدور أي مواطن أن يصدر من بيته (إذاعة، جريدة، تلفزيون)، وأعتقد ان الدعاية السياسية في الاعلام حالة من الكذب، لذا مع الاعلام الجديد بات من الصعب على وسائل الاعلام الرسمية والخاصة في منطقتنا أن تستمر بهذا النحو، واليوم أصبحنا نأخذ أخبار الحوادث اليومية من الناس (الواتس اب) أن تنشره الوسائل الرسمية والصحف، لذا فإن الكذب سيتوارى لاننا في زمن اعلام الفرد، وليس زمن اعلام الدول ولا القطاع الخاص».
على هذا النحو اختار الشريان وصف المشهد الصحافي في الوطن العربي. يقول: «لدينا مشكلة في صحف دول الخليج وحتى العربية أن من يقودها (كبار سن)، حتى بتنا جنرالات بلا جنود. لذا فإن جزءا من مشكلة صحافة الخليج أن من يقودها كبار في السن ويخاطبون منطقة شابة».
وجدد الشريان ثقته في الصحافيين الشباب، وقال: «أعتقد أن الصحافيين الشباب فيهم مبدعون جدا وهم يمتلكون لغتهم، اللغة التي يخاطبون من خلالها جيلهم، لذا علينا منحهم الفرصة والثقة فيهم، لكن المشكلة اننا في منطقة يقود صحافتها كبار السن، ونحن في السعودية مثلاً لدينا ما يسمى بجمعية الصحافيين ومن يقودها كبار السن، وما ينبغي قوله هنا: اذا كان 60 في المئة من جمهورك شباب، ينبغي عليك الاستعانة بالشباب لتحرير الصحف».
وأضاف محذراً «علينا ألا ننظر للشباب بمنظور قديم، هذا الشباب يعرف ثقافة عصره وجيله، ويعرف احتياجاته، واذا استمررنا في جلدهم بهذه الطريقة ستتسع الهوة بيننا وبينهم».
السبيل لمواجهة «الإعلام الموجه ضد المنطقة العربية» كما تصف وزيرة الإعلام السابقة سميرة رجب، هو في «أن نكون شفافين»، يرد الشريان ويضيف «لكي نواجه الآخرين ولا نكون فريسة لهم، علينا ان نكون شفافين وأن نطلق الرصاصة الاولى (الخبر)».
وأضاف «اليوم نحن لا نقول الاخبار، واذا قال الآخرون عنا غضبنا. علينا اليوم ان نحمي أنفسنا ونضع الناس في صورة الاخبار والأحداث، وأية دولة تدعي اليوم ان بإمكانها حجب أحداث عامة فهي تعيش حالة وهم، اليوم عالمنا عبارة عن بيوت من زجاج لا غرفة صغيرة وحسب. الوضع صعب ولا مجال لأنك تحاول أن تكون ذكياً وأن تلون الاخبار وتحجبها وتؤخرها. الناس أصبحوا ينقلون الاعلام عبر هواتفهم، وغالبية الاحداث أراها في (الواتس أب) قبل أن أراها في الاعلام».
وفي حديث صفق له الحضور، قال الشريان: «العقلية هذه لاتزال موجودة في وزارات الاعلام في المنطقة العربية، لذا أنا أرى أنه أن الاوان لاغلاق هذه الوزارات لأنها (مصاريف ببلاش)».
في الإطار ذاته، وفي سياق حديثه عن الإعلام الغربي، قال الشريان: «من يقارن البي بي سي العربية بزميلتها الانجليزية، يشعر أن القناة العربية تصدر في دولة عربية، اما الانجليزية فهي أهم قناة على وجه الارض، ولا توجد حرية اعلامية بالحد المعقول الا في البي بي سي. قناة حرة لان رقيبها دافع الضرائب وليس الحكومة البريطانية، لكن للاسف فإن القنوات الناطقة بالعربية يتحكم فيها من يعمل فيها من هذه الدول وهم عرب، لذا أنت تستطيع ان تخترقها وهناك أنظمة تستطيع اختراقها، ومجددا أقول: حين تكتب خبرا، أنا لا أطالبك بالحياد بل بالموضوعية».
ختام الأمسية كان مع عتب وجهته رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، للصحافيين، قالت فيه: «اليوم الصحافيون لا يريدون الوصول للشارع، وقد اعتادوا على الرسميات»، وأضافت «أحمل الصحافيين الحاليين أنهم ليس لديهم حضور وليست لديهم قدرة على التواصل مع ما يجري في العالم، فحين عادت مملكة البحرين بجائزة الأسد الذهبي، رتبنا لقاء للصحافيين، فجاء البعض منهم يسأل عن طريق اللؤلؤ! نتحدث عن سؤال مختلف عما يدور وما يتكلم عنه العالم».
وأضافت «عتبي على الصحافيين وليس على المسئولين، نحاول أن نمد لهم جسور التواصل ونقلهم لمكان آخر لكنهم لا يتذوقون التجديد (...)، فماذا نفعل؟ علينا أن نغيرهم ونغير طريقة تعاملهم معنا...».
بدوره، رد الشريان على ذلك فقال: «ما يجري من تنمية في دولنا غير معكوس في الاعلام، والسبب الاساسي لذلك ان الحكومات اعتادت على هذا النمط من الاعلام، وهو اعلام الاطناب والانشاء والمديح والتفخيم والمبالغة». وأضاف «لو يفتتح مستشفى في المحرق مثلاً، تقول للاعلامي اكتب: اليوم افتتح مستشفى في المحرق، مساحته كذا وفيه أقسام...، لا تقل لي من افتتحه ومن حضر، (مو شغلك)، فالمواطنون يريدون معرفة ان هناك شيئا يبنى في البلد ليتفاعلوا معه، وهو ما يصنع حالة من اللحمة والاستقرار».
العدد 5289 - الثلثاء 28 فبراير 2017م الموافق 01 جمادى الآخرة 1438هـ
كلام مهم حتو لو جاء متأخرًا .. كل الدول العربية والخليجية بالخصوص يجب أن تعي معنى الشفافية وتقرأ هذا المقال بكل تفاصيله!
كلام جميل من الاستاذ داوود الشريان
انا من متابعين برنامجك الثامنة مع انه يتكلم عن السعوديه ولكن طرحك لجميل يجذب الجميع من الوطن العربي
من كثر المجاملات
لأن أساسه قائم على المجاملات ...
كلام في الصميم وخطير من الإعلامي السعودي القدير داوود الشريان ، وبصراحة حاليا نادر من يتابع القنوات الخليجية والعربية بحثا من المصداقية والشفافية !!!!