كان للمكتبات التجارية منذ مطلع القرن العشرين دور في بعث الاهتمام بنشر وتوزيع كتب التراث على امتداد الوطن العربي. ففي مصر كان محمد أمين الخانجي (ت 1939) صاحب «مكتبة الخانجي»، ومحمد منير الدمشقي (ت 1948) صاحب «دار الطباعة المنيرية»، وحسام الدين القدسي (ت 1980) صاحب «مكتبة القدسي»، ومحب الدين الخطيب (ت 1969) صاحب «المكتبة السلفية»، وكلهم من أهل الشام ومن عظماء الرجال الذين جاهدوا في سبيل نشر التراث. وفي العراق ساهم قاسم محمد الرجب (ت 1974) صاحب «مكتبة المثنى» البغدادية المعروفة في نشر كتب التراث حتى غدت من أشهر دور الكتب في الوطن العربي، وكذلك الشيخ محمد كاظم الكتبي (ت 2002) صاحب «المكتبة الحيدرية» التي كان لها دور مهم في رفد حركة النشر والتأليف في مدينة النجف الأشرف وخارجها بما قامت به من طبع المئات من نوادر المخطوطات. وفي البحرين أيضاً كان للمكتبات التجارية دورٌ في هذا السبيل، إلا أن هذا الدور جاء متأخراً نوعاً ما عن بعض الأقطار العربية المجاورة كمصر والشام والعراق.
وقد بدأت مسيرة المكتبات التجارية في البحرين في العام 1920 على يد الشيخ محمد علي التاجر مؤسس «مكتبة التاجر» (ت 1967)، وتلتها «المكتبة الكمالية» في عام 1921، ثم «المكتبة الوطنية» في عام 1929، وبعدها توالى تأسيس المكتبات التجارية الأخرى على فترات متفاوتة.
وشهد عقدا الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين الانطلاقة الفعلية للمكتبات التجارية في حركة نشر الكتاب في البلاد، وكان لازدهار حركة الكتابة والتأليف وإصدار المئات من الكتب المحلية المتنوعة حينها أثره البالغ في بروز الحاجة المُلحة لدور النشر.
ومن المكتبات التجارية التي كان لها دور كبير في نشر التراث، وطباعة الكتب «مكتبة العلوم العامة» التي أسّسها الشقيقان الحاج عبدالعزيز والحاج حميد أبناء عيسى الشهابي في العام 1950، ونشرت هذه المكتبة الكثير من الكتب التاريخية والأدبية والدواوين الشعرية سنشير إلى بعضها.
وبدأ الشقيقان في مشروع هذه المكتبة الوليدة من بوابة الزيارات الدينية للعتبات المقدسة في العراق، فقد كانا يُسيّران حملة للحج والعمرة والزيارة الدينية عُرفت بـ»حملة الشهابي»، وبدءا في استيراد الكتب من العراق، ثم بيروت وإيران والهند، قبل أن يطبعا أول كتابٍ في منتصف الستينات، لتبدأ بعدها عجلة الإنتاج في إصدار الكتب الدينية والتراث الأدبي والشعري تتسارع بشكل مضطرد، قبل أن يبادر الشقيق حميد في الاستقلال بتأسيس مكتبة باسم «دار الإرشاد العامة» نحو العام 1975.
وسأشير هنا إلى الدور الذي كان لمكتبة دار العلوم العامة ولشخصية مؤسسها الحاج عبد العزيز عيسى الشهابي (1923– 2001) وشقيقه حميد في حركة نشر الكتاب البحريني، تاركاً بعض التفاصيل الأخرى لمقال آخر أتناول فيه بشكل أكثر تفصيلاً، دور شقيقه الحاج حميد ومكتبه دار الإرشاد العامة.
وُلد الملا عبدالعزيز الشهابي في الدراز عام 1923، وهو من الشعراء الذين وقفوا شعرهم على مدح ورثاء أهل البيت النبوي الشريف، وهو إلى ذلك خطيبٌ وصاحبُ حملةٍ للحج والعمرة وزيارة العتبات المقدسة. وأسس في عام 1950 مع شقيقه الحاج حميد «مكتبة العلوم العامة» التي نشطت في مجال النشر والتوزيع منذ مطلع الستينات حتى نهاية الثمانينات، وصدر عنها الكثير من الدواوين الشعرية، والكتب الدينية والأدبية والتاريخية.
وقد ذكر نبذةً عن أحواله في مقدمة ديوانه المطبوع «ديوان الحزن والالتهاب»، وقال: «في أيام شبابي كنتُ أحب الكتب والقراءة فيها، فحملني حب الكتب على أن أفتتح مكتبةً لي لوقت الفراغ للبيع والمطالعة، وسمّيتها بمكتبة العلوم العامة، وبلطفٍ من الله صارت مكتبة عامة، وأنتجت مطبوعات كثيرة تزيد على 300 مطبوع للرجال والنساء، وصارت الناس تقصدها من البحرين ومن خارجها».
ومن أبرز العناوين التي صدرت عن هذه المكتبة في التراث الشعري الحسيني: ديوان الشيخ عبدالعظيم الربيعي، وديوان الشيخ حسن الدمستاني، وديوان «فوز الفائز» للملا علي بن فايز، وديوان الحاج عبدالعزيز نفسه (الحزن والالتهاب)، و«الجمرات الودية» (ج3) للملا عطية الجمري، و«لهبات الأحزان» لفهيمة إبراهيم الشبيب، و«ديوان خطباء البحرين» للملا محمد علي الناصري، و«قصائد العترة» لزهراء الصيبعي وغيرها.
وفي التاريخ والفقه الإسلامي صدر عن المكتبة: «الفوادح الحسينية» (بيروت، وطبعة أخرى في الهند)، و«سداد العباد» (ج2)، والنفحة القدسية، والفرحة الأنسية، وبهجة الناظرين، ومناسك الحج، وجميعها للشيخ حسين العصفور؛ و«المنتخب» لفخر الدين الطريحي؛ و«الكوكب الدري» للشيخ المازندراني، و«تذكرة الخواص» للسبط بن الجوزي، و«لؤلؤة البحرين»، و«الرسالة الصلاتية» للشيح يوسف البحراني، و«الشهيد مسلم بن عقيل» للسيد عبدالرزاق المقرم، و«تاريخ سامراء» للشيخ ذبيح الله المحلاتي، و«مقتل الحسين» لأبي مخنف، و«بداية الهداية» لمحمد حسن الحر العاملي، و«معالي السبطين» (1/2) لمحمد مهدي المازندراني، و«طب الأئمة» للشيخ محمد الخليلي، و«طب الصادق» للسيد محمد الخرساني، و«طب الرضا» للسيد مرتضى العسكري، وعدد كبير من كتب الأدعية والأوراد الدينية ومواليد ووفيات الأئمة.
وتحدّث الملا عبدالعزيز الشهابي عن خطابته وقال: «الحمد لله جلّ جلاله بما منّ عليّ من أفضاله وجعلني خادماً للنبي وآله، متمسكاً بحبهم من عهد الصغر، في السفر والحضر في خدمة الله وخدمتهم في البحرين وخارجها على المنبر الحسيني، وقضيتُ أعواماً كثيرة في الأحساء والقطيف، والكويت والبصرة، وقرى إيران مثل: القصبة والمانيوحي، وعبادان، وجزيرة صلبوخ، والدورق، والبزيّة واوشار، ومغامس، وكذلك قطر، وأبوظبي، ودبي، والشارقة، وبلدان مسقط، وخابوراء».
ولكونه من أصحاب الحملات الدينية، فقد أتيح له أن يحجّ لبيت الله الحرام خمساً وأربعين حجة، وخمساً وأربعين عمرة مفردة، كان خلالها يحجز البيوت في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما زيارة العتبات المقدسة فلا يُحصيها هو لكثرتها.
وقد استمرت مكتبة دار العلوم ترفد المكتبة البحرينية بنتاج وفير ومتنوع من الكتب إلى أن توفي الحاج عبد العزيز في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، عن عمرٍ ناهز 78 عاماً، ولم تصمد المكتبة بعد رحيله إلا ثمانية أشهر قبل أن تُغلق نهائياً في العام 2002 بعد أن سجلت لها حضوراً لائقاً لا يُمحى في تاريخ البحرين الثقافي.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5288 - الإثنين 27 فبراير 2017م الموافق 30 جمادى الأولى 1438هـ
المرحوم الحاج عبدالعزيز بن عيسى هلال آل شهاب شخصية معروفه في قرية الدراز وخارجها وكانت مكتبته من المكاتب القديمة في المنامة في شارع الشيخ عبدالله ،،
جهد موفق أستاذ وسام ننتظر مقالاتك المثرية
رحمك الله يا والداي الغالي ( الحاج عبدالعزيز ) كنت رائداً في طباعة الكتب ونشر العلم والمعرفه وكانت المكتبة هي الاولى لنشر المعارف الاسلامية وكنت مقصد للوافدين من دول الخليج وخصوصاً أهالي المنطقة الشرقية ولا زال ذكرك على كل شفاة
دامت روعة قلمك
جهد مشكوؤ لتوثيق حركة الطباعة وخدمة الثقافة في البحرين
شكرا لتكرمك بالاطلاع
الله يرحمك يا حاج عبدالعزيز...كنا صغارا ودائما نسمع عن حملته للعتبات المقدسة وبالاخص للحج والعمرة...اذا اراد الوالد رحمه الله السفر او اخي الكبير يلتحقون بحملته ولأننا من اهل الدراز المعطاءنتجمع في الحديقة المجاورة لدوار الدراز الان حيث الباصات والزوار يستعدون للسفر من هذه النقطة.
رحمك الله واسكنك من فسيح جناته
استطلاع سريع حول سيرة مؤسسي المكتبات .. جميل أبا علاء.
وفقك الله في توثيق حركة المكتبات والكتب ونشرها وطباعتها وكل ما يتعلق بها في البحرين الشقيقة.
كل الشكر والتقدير لك صديقي عبدالله