قالت كلاماً عجيباً.
قالت إنها رأتني ذات ليلة منكفِئاً إلى الكتابة.
"لم تطلب قهوتك"؟! سألتني؛ قالت.
"أرغب في عدم الإفراط في السهر هذه الليلة، سأخلد إلى النوم بعد قليل. لا داعي لأن تسهري أكثر. صباحاً سأبكر في الاستيقاظ". أجبتها؛ قالت.
والحقّ أني اعتدتُ الجلوس للكتابة ليلاً. تحضر لي فنجان قهوة سوداء، وتفرغ منفضة السجائر من الأعقاب، ثم تضع كفها فوق جبهتي فتنزلق حتى تستقرّ فوق عينيّ، ترطن ببعض الكلام، وتنصرف. فأنصرف كلية للكتابة حتى وقت متأخر.
"ولكنك لم تسلم إلى النوم مبكرا ليلتئذ. صعدتَ إلى سطح البيت، وصعدتُ على أثرك أتسلل. استلقيتَ على قفاك، وجعلتَ تنظر مليًّا إلى السماء. حطّت امرأتان لهما جناحين عظيمين. كانا كباقي خلق الله. هذا إن أهملنا، بالطبع، أمر الجناحين. قمتَ من فورك فسلمتَ عليهما وكأنك تعرفهما مذ ردح غير قصير ويعرفانك. وتدتَ قلمك خلف أذنك، وعضضتَ على الدفتر بنواجدك، ثم أسندتَ ذراعك اليمنى إلى جناح الأولى، وذراعك الأخرى إلى جناح الثانية. وأقلعتم دون أن يلتفت منكم أحد حتى تغيبتم بين طيات حلكة الليل". قالت.
والواقع أني كنتُ، وما أزال، أصعد ليلاً إلى السطح متى أحسستُ باختلاط أفكاري. وكلما صعدتُ إلى هناك، كلّ مرة أصعد فيها أرجع إلى مكتبي صافي الذهن. فأستأنف الكتابة.
"تسمرتُ في مكاني من فرط تحيري. وطال الوقت، ونزلتُ فألفيتكَ جالساً إلى مكتبك"! ادّعت.
"وَيْك"! أذكر أنني تعجبتُ.
"لا ترمني بهذه النظرة"! قالت في غضب طافح. "كذلك كان يفعل زوجي السابق قبل أن تفيض روحه في السقطة من فوق السطح".
تملكتني هذه القصة، وكلما وددتُ الاشتغال على قصة أجدني منقسماً بين ترقب المرأتين ذواتي الأجنحة، وبين مجابهة الخوف المرضي من الموت.