حوارات كثيرة أجيت مع الكاتب والمنتج البريطاني دان سويمر، ركَّز فيها على العلاقة الإشكالية بين الجمهور ووسائط المعرفة...الترفيه... الثقافة الحديثة، التلفزيون أحد أخطر وأهم تلك الوسائط، ولعل من بين أهم طروحاته في تلك الحوارات يتمثل في الكيفية التي يدمِّر بها التلفزيون قدرتنا على النهوض من أمكنتنا!
ثمة رؤية مهمة له أيضاً في السياق نفسه: «لا تحاول كتابة عمل، لا تتحمَّل مشاهدته أكثر من عشرين مرة»! وربما يكون ذلك من بين أول الدروس التي تعلّمها سويمر في حياته. هو ليس بعيداً عن الأعمال التي يتسلّل إليها الملل، ويشعر بها كاتبها، لابد أنها تعاني من مشكلة... من خلل ما. الأعمال التي تغويك بأنها الأفضل... بأنها التي لا يمكن تجاوزها تحمل في ثنايا وسواس إغرائها تهلكة. لابد أن تأخذ بك إلى حيث لن تنجز عملاً يمكن تذكُّره بعد سنوات. ولا يتحقق تذكُّره إلا حين تكون له قيمة. قيمة كبرى.
لماذا عشرين مرة؟ ربما المرات هنا أتت مجازاً. أتت لتثبِّت وتُذكر وتؤكد ما يمكن أن يتبقى لها من قيمة ومعنى وأثر. قد تكون بعض الأعمال لا يتحمَّل أصحابها رؤيتها لعشر أو خمس أو ثلاث مرات، وربما لا يتحمَّلون رؤيتها أساساً، حين ترى النور على الشاشة، سواء كأعمال تلفزيونية أو سينمائية، ولذلك ظروفه وأسبابه، ربما بعيداً عن بنيَة العمل الأصلي، ويرتبط ذلك بالمعالجة التلفزيونية أو السينمائية التي يتم تقديمها.
سويمر، الذي اشتهر بحلقات «Popworld» ناهيك عن Buzzcocks»»، والذي طرح فيه الكيفية التي يدمِّر بها التلفزيون قدرتنا على النهوض من أمكنتنا، يرى أكثر الطرق المحببة إلى النفس، والمتلقي خصوصاً أن تتم مناقشة مشكلاته وظواهره بروح ورؤية كوميدية. الكوميديا بقدر ما أنها تسخر من الواقع، هي الأقرب والأقدر على ملامسته، لأنها تنفذ إلى الصميم من تلك المشكلات، وتتناولها بهدوء وتهكُّم. الانفعال لا يدعك ترى كما يجب!
قال في أحد اللقاءات الصحافية، إن أكثر ما يرعبه هو استحواذ فكرة أن يكون في دائرة الضوء! ربما لأنك ستكون مسئولاً عن كل ما اقترفت! أو ما أبدعت من عمل.
كاتبة السيرة، أليس جونز، عرّجت على تجربة سويمر من خلال تقرير في صحيفة «الإندبندنت»، نشر بتاريخ 7 يناير/ كانون الثاني 2015، نورد خلاصته هنا.
قد لا تعرفون اسم دان سويمر، ولكنكم ستضحكون على النكات التي يطلقها، تلك التي تتضمَّنها أعماله. الرجل المتواضع البالغ من العمر 41 عاماً المنتمي إلى «تشيدل»، يقف وراء بعض الأعمال الكوميدية التلفزيونية الأكثر شعبية في العقد الماضي، وأهمية اسمه تكمن في اعتماده في كل شيء، على الموضوعات التي يمكن التقاطها واستلهامها من التربية السيئة، وصولاً إلى الكاتبة والممثلة الكوميدية البريطانية كاثرين تاتس نان. كتب خطباً لساشا بارون كوهين، ونماذج نصوص أولية لجاك وايت هول، ونصوصاً لجيمس كوردن، وعدداً لا يُحصى من النكات. ومن المعروف كذلك، عمله وتعاونه الوثيق مع سيمون آمستيل في «PopWorld» وهو من الأعمال التي كانت من أفضل سنوات التعاون؛ ناهيك عن عمل Buzzcocks»»
الذي بلغ ذروته في سلسلتين من المسرحية الهزلية «بيت الجدة».
مع سيرة ذاتية كتلك، فإنه من المدهش أن نعلم أن سويمر ليست لديه نية للدخول في أي أعمال كوميدية مستقبلية، كما صرَّح. وبالنسبة له، «إن أكثر ما يرعبه هو استحواذ فكرة أن يكون في دائرة الضوء». وكما قال في السياق نفسه: «ينتابني نوع من العصبية بسبب الضغط الذي يحتِّمه عليَّ الرد على الجميع من خلال البريد الإلكتروني». «لا صفحة لي على الفيسبوك أو أي شيء من هذا القبيل. أنا حقاً لست الشخص الذي يشعر بالارتياح لما هو عليه».
وأوضح سويمر، أنه في بعض الأحيان يكون غير قادر على إنهاء عبارات مكتملة كما يجب؛ علاوة على أنه كما قال، ليس الشخص الأطرف في بيته الذي يتقاسمه مع شريكة حياته وطفليهما. «التوافق العام في الآراء، أن ابني الأصغر هو الأكثر إضحاكاً وطرافة في الأسرة، كما أنه يتلفظ بكلمات لا تخلو من وقاحة!».
سويمر نفسه كتب في «الغارديان» بتاريخ 7 أغسطس/ آب 2010 متناولاً عمله «بيت الجدَّة»: «في الوقت الذي أناقش فيه عمل (بيت الجدَّة)، ربما يتعين عليَّ ذكْر الأعمال الأخرى، التي أرى أنها أفضل بكثير، من دون إجراء أي نوع من المقارنات. ومثل هذا الطرح لا يرمي بأي حال من الأحوال إلى دفعكم كي تؤمنوا بهذه الرؤية. وعلاوة على ذلك، أنتم أذكياء جداً بحيث يحول ذكاؤكم دون أن تنخدعوا، بإتاحة الفرصة لي لإنشاء علاقة واعية ومدركة بين بعض الأعمال التي لم يقدّر لكم مشاهدتها، والكثير من المسلسلات الكلاسيكية. ولكي نكون صادقين، أنا بالأحرى أريد أن أكون على مقربة من مناقشة (بيت الجدة)، بنوع من العقلانية الفريدة من نوعها، التي لا تتيح ربما لأي منكم أن يقيم مقارنة بين ذلك العمل وأي عمل آخر».
بدأت رحلة سويمر عندما، درس الفرنسية واللغويات في جامعة ليدز، وقال إنه شعر داخلياً بالانجذاب إلى «إم تي في» «بمعنى آخر، مازلت هناك، ما زلت صامداً للعيش في لندن، ولن أعود مجدداً للعمل في جون لويس».
يشار إلى أن دان سويمر، كاتب تلفزيوني. أنتج عدداً من الحلقات من «Popworld» ناهيك عن Buzzcocks»»، والذي يطرح فيه الكيفية التي يدمر بها التلفزيون قدرتنا على النهوض من أمكنتنا. كما كتبَ بمساعدة سيمون آمستيل «بيت الجدَّة».
يذكر أن «بيت الجدة» هو مسلسل تلفزيوني هزلي بُثَّ على محطة «بي بي سي» الثانية. كتبه سيمون آمستيل بتعاون طويل الأمد ووثيق مع دان سويمر، ويؤدي آمستيل النجومية فيه، بلعب دور مقدم برامج تلفزيونية سابق يبحث عن معنى لحياته. كل حلقة من الحلقات تدور أحداثها في منزل جدَّته، حيث الجدة (ليندا باسيت) ترحِّب بعائلتها وينتابها يأس من أن ترى الجميع سعداء.
ظهرت السلسلة الأولى من الحلقات في العام 2010، والثانية في العام 2012. وفي ديسمبر/ كانون الثاني 2012 صرَّح آمستيل بأنه لن تكون هناك سلسلة ثالثة منه.