تختصر القمة التقليدية لكرة القدم اللبنانية بين قطبيها النجمة والانصار اللعبة الشعبية منذ ستينيات القرن الماضي، إذ إنهما سيطرا على مقاليدها من نواح رياضية، شعبية وسياسية.
صحيح ان فريق العهد يقترب من استعادة لقبه في الدوري، لابتعاده في الصدارة بفارق 6 نقاط عن النجمة الثاني، الى ان مواجهة الاخير مع الانصار الرابع الاحد لها رونق خاص على الساحة المحلية.
تنبع المنافسة بين الفريقين لانتمائهما الى العاصمة بيروت، فالنجمة تأسس في اواسط الأربعينيات في منطقة رأس بيروت (غرب العاصمة)، وصعد الى مصاف الدرجة الأولى موسم 1952، مستمدا شعبيته من عائلات العاصمة.
فرض "النبيذي" نفسه ودخل قطبا مع الراسينغ والهومنتمن والهومنمن الأسماء الأقوى في تلك الحقبة.
أما الأنصار الذي تأسس في منطقة طريق الجديدة (غرب العاصمة) مطلع الخمسينيات، فسار على الخطى عينها من حيث الاستقطاب العائلي قبل توسعه في بيروت.
أحد اسباب شعبية الفريقين النزوح الكثيف في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نحو العاصمة، وخصوصا من منطقتي الجنوب والبقاع. وجد النازحون في كرة القدم متنفسا ترفيهيا لهم، فامتلأت الملاعب الشعبية بالمواهب التي لم شملها النجمة والانصار.
جمع أول لقاء رسمي الفريقين في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 1968 على ملعب بيروت البلدي إذ فاز النجمة 2-1، ومنذ ذلك الحين بات لقاء الفريقين يسمى "الدوري المصغر" لكونه منافسة نارية داخل بطولة الدوري اللبناني.
تنوع سياسي وطائفي
يشير الناقد علي صفا الذي كان لاعبا في صفوف النجمة وصاحب هدف الفوز في أول مباراة دربي لوكالة "فرانس برس" الى ان "التنوع السياسي والطائفي في لبنان ساهما في تعاظم جماهيرية الفريقين، إذ انهما ينتميان الى الشطر الغربي لبيروت، في وقت كانت تسيطر فيه أندية المنطقة الشرقية مثل الراسينغ والهومنتمن والهومنمن، ولم يكن من ممثل للمنطقة ذات الأغلبية المسلمة سواهما".
أضاف "لعبت العائلات أولا ثم انجازات الناديين دورا كبيرا في تعاظم شعبيتهما، لا سيما النجمة الذي كان بارعا في شد أزر الشارع الرياضي في لبنان، من حيث تحقيق النتائج المحلية واستضافة نواد عالمية وعربية وتسجيل نتائج قوية ضدها".
أحرز النجمة أول ألقابه في الدوري العام 1972، ثم حقق انتصارات على فرق دولية على غرار ارارات السوفياتي ومنتخب جامعات فرنسا، بمشاركة الأسطورة البرازيلية بيليه الذي ارتدى قميص النادي.
وفي الفترة عينها، شهد الفريقان انتقالات متبادلة للاعبين مثل سمير العدو ومحمود برجاوي ويوسف الغول وعبد الرحمن شبارو.
بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، بقي الفريقان الأكثر حضورا في ظل انحسار اندية شرق العاصمة.
سيطرة انصارية
هيمن الأنصار بعد انتهاء الحرب وأحرز اللقب 11 مرة على التوالي في التسعينيات.
يضيف صفا: "ضم الأنصار الى صفوفه أهم لاعبي تلك الحقبة فضلا عن استقدام أجانب من مستويات عالية واتهم بقربه من الاتحاد المسير للعبة. على رغم مواجهة النجمة أكثر من مرة الهبوط، ازداد ارتباط جماهيره به الى حد الجنون، واتسعت رقعته الى كل المناطق اللبنانية حتى أصبح يطلق عليه اسم نادي الوطن".
في المقابل، يرى المدير الفني التاريخي للأنصار عدنان الشرقي الذي قاد الفريق الأخضر الى إحراز غالبية بطولاته، الى ان الصراع بين الأشقاء يكون دوما أقوى، وهذا ما ينطبق على ناديي النجمة والأنصار.
يقول اللاعب والمدرب السابق: "لم يكن من أمور سياسية بين الطرفين في بادئ الامر، إلا ان المجتمع اللبناني الطائفي للأسف أثر عليهما وعلى جمهورهما المتنوع، فتطورت الامور الى اسفاف في الآونة الأخيرة إضافة الى نعرات سياسية لا أخلاقية".
يتابع: "أصبح الخلاف أعمق ولا أحد يتقبل الرأي الآخر. تدني المستوى أصبح كبيرا في السنوات الأخيرة واقترن مع التدني الأخلاقي".
أبعاد سياسية
من جهته، عد عمر غندور الذي رئس النجمة منذ الستينيات حتى مطلع الألفية الثالثة التنافس بين الناديين رياضيا بامتياز، إنما التنافس الجماهيري كان له الأبعاد السياسية.
يلمح غندور الى موالاة ادارة الفريقين راهنا لتيار المستقبل برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري: "لطالما كان نادي النجمة يكنى بنادي الوطن، إذ لم يكن له انتماء سياسي خلافا للأنصار الذي أسسه سياسيون، والفريقان حاليا يتبعان الى جهة سياسية واحدة خلافا لقواعدهما الجماهيرية".
ورأى انه من الطبيعي ان يتأثر اللاعب بآراء وأهواء الجمهور، وأضاف: "أنا شخصيا كنت أرفض اي تبعية سياسية للنادي النبيذي الذي كان له روابط جمهور في غالبية القرى اللبنانية، ولطالما كنا نوحد الفصائل المتقاتلة خلال الحرب الأهلية عندما يلعب النادي أي مباراة".
تابع: "بعد العام 2005، بات الناديان يتبعان الجهة السياسية ذاتها وللأسف سيطرت السياسة على كل الأمور. كنت آمل ان تبقى الأمور في إطارها الرياضي".
سيحمل اللقاء المرتقب بين الغريمين الاحد على ملعب صور البلدي الرقم 64، إذ فاز الأنصار 20 مرة والنجمة 18 مرة، وتعادلا في 25 مناسبة. أحرز الأنصار بطولة لبنان 13 مرة، بينها 11 على التوالي، بينما أحرز النجمة اللقب 8 مرات. وانتهت مباراة الذهاب بتعادلهما 1-1.
وعن اللقاء المرتقب، يرى الشرقي أن النجمة فنيا أفضل بسبب تجانس لاعبيه، فيما أثرت الغيابات على لاعبي الأنصار إنما كلمة الفصل ستكون في الملعب لأن المباراة ستلعب على جزئيات بسيطة.
وكان مكان إقامة المباراة محط جدل كبير، وحاول اتحاد اللعبة نقلها من ملعب الى آخر لدواع أمنية، قبل ان يستقر على ملعب صور الجنوبي مع اجراءات أمنية مشددة.