توجت إسرائيل عقوداً من استراتيجيتها في تمزيق الصف العربي، وتحويل المهمة القومية منذ احتلال فلسطين وقيام دولة إسرائيل في 1948، من العمل لتحرير فلسطين ومن بعد هزيمة 1967 لتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة لو لفظياً إلى التحالف الإسرائيلي الأميركي العربي، لمواجهة ما حدده كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاربة التطرف الإسلامي، ويعتبر ما أعلنه كل من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في مؤتمرهما الصحافي في البيت الأبيض في ختام محادثاتهما في أول زيارة للرئيس الأميركي الجديد، ما اعتبره المجتمع الدولي تخلياً أميركياً ولو لفظياً عن حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية المتعايشتين مع بعض في سلام واستقلال.
كما كشف عن موقف أميركي جديد وهو لا ممانعة في الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وكذلك توجه الولايات المتحدة لنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والمفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، ومن الواضح أن هناك تطابقاً ما بين زعيمي البلدين في برنامجهما وشخصيتهما العنصرية واليمينية المتطرفة، وهكذا تتهيأ لإسرائيل أفضل فرصة منذ قيامها لتكريس القضاء على الحكم الفلسطيني بالتحرير، وإقامة دولة مستقلة ومعهم أحلام أجيال من العرب، ومواقف متباينة للأنظمة العربية المتعاقبة.
هل حدثت هذه التطورات مصادفة، وهل مصادفة أن يقابل هذا الموقف الأميركي بالصمت من قبل الأنظمة العربية؟، بل إن عدداً منها أكد على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب كما مع الرؤساء السابقين. والحقيقة أن الاهتراء في الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، هو نتيجة طبيعية لاهتراء الوضع العربي بتطورات متسارعة منذ بداية 2014.
لقد انفرط الصف العربي وأضحت الجامعة العربية جثة هامدة، وسلم العرب مصيرهم للقوى الخارجية، وهم منغمسون في حروب أهلية كما في ليبيا وسورية والعراق أو أوضاع متفجرة وصراعات فيما بين الأنظمة العربية وتحالفات ومحاور غير مبدئية، والأخطر انتشار التنظيمات التكفيرية وتمكنها إلى حد إقامة دولتها «داعش» على أراضي بلدين عربين هما العراق وسورية، وإقامة ولايات تابعة لها في عدد من الدول العربية، والمنافس لها تنظيم «القاعدة» منتشر أيضاً بموازاة «داعش» إلى جانب الكثير من المنظمات التكفيرية العلنية والمستترة.
وفي ظل هذه الأوضاع فإن عدداً من الدول العربية منخرط أيضاً في صراع مع إيران، عدوة إسرائيل، كانعكاس لصراع على النفوذ وتجسيد لما أضحى يعرف بالانقسام السني الشيعي، هذه الأوضاع جعلت عدداً من الدول العربية تتبنى استراتيجية جديدة، وهي أنه لا مكان للصراع مع إسرائيل في الوقت الذي هي منغمسة في صراعات محلية وإقليمية تهدد وجودها كما تروج. والحقيقة أن علاقات أنظمة عربية مع إسرائيل تتحول من السر إلى العلن، وهو ما كشفه بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحافي بأن التعاون الإسرائيلي العربي قائم، وأن هؤلاء لا يعتبرون إسرائيل عدواً، ومن هنا اقترح دونالد ترامب في قيام تحالف أميركي إسرائيلي عربي في مواجهة القوى الإسلامية المتطرفة أو ما يعرف بالإجماع الاستراتيجي. ومن الواضح أن هذا الإعلان هو تتويج لجهود أميركية إسرائيلية في عهد الرئيس السابق أوباما، من خلال القنوات الدبلوماسية ومن خلال المؤتمرات والمنتديات في عدد من البلدان الغربية ومنها مؤتمر ميونيخ للأمن ومنتدى دافوس، واستقبال وفود صهيونية من مزدوجي الجنسية الأميركية الإسرائيلية في عدد من البلدان العربية، واجتماع مسئولين عرب كبار وخصوصاً مسئولي الخارجية مع المنظمات الصهيونية في أميركا وغيرها. وقد كشف في مؤتمر هيرتزاليا الإسرائيلي السنوي، أن التعاون الإسرائيلي العربي في مجال الأمن والاستخبارات نشط جداً، وكذلك الصادرات الإسرائيلية للدول العربية والسياحة العربية لإسرائيل. وإذا كان ذلك يتم في ظل إدارات أميركية سابقة، فإن ما سيتم في ظل إدارة ترامب الحالية سيتجاوز كل الخطوط الحمر، فهذه فرصة إسرائيل الكبرى في ظل الوضع العربي المهترئ، والذي كرست له صحيفة نيويورك» ملفاً ضخماً جديراً بالقراءة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ
المسلمين تفرقوا مع بعضهم لاجل عيون اسرائيلل لان هي الربحانه وتحقق امنيتها