وصف إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، المصلحين والساعين في الإصلاح، بأنهم «رجال نبلاء» و«شخصيات كريمة» بعيدة عن الملابسات المشبوهة والطائفية البغيضة والانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، مؤكداً أن أعداء الإسلام يفتعلون الخصومات ويغذون الخلايا الإرهابية.
القطان في خطبته أمس الجمعة (24 فبراير/ شباط 2017)، والتي وسمها بـ «الإصلاح بين الناس في جميع شئونهم»، رأى أنه «لو قلب البصير النظر في العالم من حوله، هذا العالم بقواته وتقنياته ونظمه ومبادئه، ثم رجع بصره إلى الواقع وما يغص به من مشكلات، وما ينوء به من ويلات على مستوى كثير من الدول والشعوب والأفراد، لوجد أن أصحاب هذه القوى، وملاك هذه الصناعات والتقنيات، لا يثيرهم ولا يحركهم إلا مصالح ذاتية، ولا يبعثهم إلا أنانيات مستحكمة، قست قلوبهم، وفسدت بواطنهم، وخبثت نياتهم، ولو حسن لفظهم ولانت ألسنتهم، ورقت ابتساماتهم، بل إن حالهم وواقع أمرهم، حب السوء لغيرهم والميل إليه، وتوسعته والدعوة إليه، والتحريض عليه، وتجييش الشعوب عليه».
وتساءل «من الذي يقف وراء الحروب والنزاعات، الطاحنة الظالمة غير المتكافئة في بعض الدول الإسلامية التي يتدخل في شئونها ويهيمن عليها العدو المخرب والعميل والدخيل؟ ومن الذي يصمت عن المجازر والإبادة التي ترتكب لبعض الشعوب على أيدي بعض الأنظمة الظالمة الطاغية، من أجل المصالح السياسية والاقتصادية؟».
وواصل «من الذي يفتعل الخصومات بين الفئات المتناحرة المتهالكة في بعض بلاد المسلمين؟ ومن الذي يزرع بذرة الشقاق والنزاع بين المسلمين حكومات وشعوباً وأحزاباً وطوائف، ويخلق ويصنع الجماعات العدوانية الإرهابية المتطرفة العنيفة، ويبذل من أجل ذلك الجهود الجبارة، حتى تظل الدول الإسلامية التي طالبت باستقلالها، في قلق دائم، وصراع مستمر؟ ومن الذي يزرع المشكلات الطائفية والحروب الأهلية، وينمي النعرات القومية، ويوزع الاتهامات الإنتمائية، ويغذي الأحقاد العنصرية والخلايا الإرهابية، وسائر المشكلات المحلية والإقليمية والدولية؟».
وأكد بأن أولئك «أعداء الإسلام والمسلمين في الشرق والغرب، الذين يعملون على نشر الشر والفساد والفتن بين الشعوب وفي بلاد المسلمين، وقلما يعملون على حل المشكلات، والغض عن الغلطات، والعفو عن الزلات، تراهم يتركون المختلفين حتى يستفحل أمرهم، ويشتد خصامهم، وإنهم في كثير من المواقف قادرون على الإصلاح، وإطفاء الفتن، ولكنهم لا يفعلون، بل يقدرون في كثير من الأحيان على تحديد ما يترتب على فساد ذات البين، ثم لا يصلحون، وقد يهدؤون بعض المناطق الساخنة إلى حين... والأشد والأنكى، أن يرى من خلال تحركاتهم ومنظماتهم ووسائل إعلامهم، وقنواتهم الفضائية من يلهب نار العداوة، ويوقد سعير الكراهية والبغضاء، ويحرض الشعوب على بعضهم بعضا، حتى على من يريد الإصلاح ويسعى إليه، وكلما خبت نار العداوة والبغضاء والكراهية، أوقدوا أوارها، ويضم إلى هذا السوء يا عباد الله حال أسوأ، تلكم هي المكاييل المتباينة، التي يكيلون بها حين ينظرون في مشكلات العالم، ومشكلات المسلمين على وجه الخصوص، يكيلون بتلك المكاييل، وهم يتحدثون عن محكمة العدل الدولية، وحقوق الإنسانية بالسوية».
واستشهد القطان بإحدى مزايا دين الإسلام، وهي «إصلاح ذات البين بما يذهب وغر الصدور، ويجمع الشمل، ويضم الجماعة، ويزيل الفرقة والخلاف بين الناس... الإصلاح بين الناس في دين الله، مبعث الأمن والاستقرار والأمان في المجتمعات والأوطان، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف، ودليل الأخوة، وبرهان الإيمان».
وشدد على أن «الصلح خير، تهب به على القلوب المتجافية رياح الأنس، ونسمات الندى والهدى، صلح تسكن به النفوس، ويتلاشى به النزاع والشقاق والصراع، مشيراً إلى أن «الصلح نهج شرعي، يصان به الناس، وتحفظ به المجتمعات والأوطان من الخصام والتفكك. نهج يمسك عن الاندفاع وراء الحمية الجاهلية، والطائفية البغيضة، والنظرات القاصرة، والحماسيات الانفعالية، بالصلح تستجلب المودّات، وتعمر البيوتات، ويبث الأمن في الأوطان والمجتمعات، ومن ثم يتفرغ الرجال للأعمال الصالحة، يتفرغون للبناء والإعمار والإصلاح، بدلاً من إفناء الشهور والسنوات في المنازعات والكيد في الخصومات وإراقة الدماء، وتبديد الأموال، وإزعاج الأهل والسلطات».
وأضاف «أما المصلحون والساعون في الإصلاح، فرجال نبلاء، شرفت نفوسهم، وصفت قلوبهم، وصحت عزائمهم، وأشرقت ضمائرهم، شخصيات كريمة، بعيدة عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المشبوهة، والطائفية البغيضة، حريصون على حفظ الأسرار، وكتمان ما يكدر أو يشوش، متنزهون عن الرغبة في غلبة طرف على آخر أو طائفة على أخرى، حريصون على مصلحة أوطانهم ومجتمعاتهم، إنهم ذوو مروءات فضلاء، رائدهم حكمة عاقلة، وكلمة رزينة، وتصرفات موزونة، يحسنون الدخول، كما يحسنون الخروج، يعينون ولاة الأمور والقضاة ورجال الأمن والمسئولين على الإصلاح بين الناس».
وأوضح أن «ميادين الإصلاح كثيرة، فكلما هبّ نزاع وشقاق فهو قابل للإصلاح، إنها ميادين واسعة في الأفراد والجماعات، في الدماء والأموال والأقوال والأفعال، وكل ما يقع فيه التداعي وفي المجتمع التشاجر والتنازع، إصلاح على نهج الشرع، مرادٌ به وجه الله، وابتغاء مرضاته».
وعدد أوجه الإصلاح قائلاً إنها «إصلاح في نطاق الأسرة وبيت الزوجية، وإصلاح بين الأفراد والجماعات في المجتمع، وإصلاح يعدل بين اثنين، ويجمع بين متهاجرين ومتقاطعين، ويقرب بين متظالمين، يقادان إلى صلح لا يحل حراماً، ولا يحرمُ حلالاً».
وأشار إلى أنه «يجب الإصلاح بين أصحاب الحقوق في الوصايا والأوقاف إذا انحرفت وصاياهم وأوقافهم عن مسلك الشرع المطهر، أما طريق الإصلاح وأسلوبه، فيبدأ بكلمة طيبة، كلمة طيبة من رجل عاقل، ونبيل لبيب، يسره أن يسود وينتشر الوئام بين الناس في المجتمع، كلمة من رجل قد امتلأ قلبه صلاحاً، ولا يريد إلا الإصلاح».
ونبّه إلى أن «كثيراً من النفوس يكفي في إزالة شحنائها وبغضائها كلمة رقيقة، ولمسة رفيقة، تطفئ نار الحقد والضغينة، ويتلاشى معها الانفعال والشطط، يبتعد المصلح بكلمته عن التصريح، ويدخل في أبواب الكنايات والمعاريض، بل إنّ الشرع قد أفسح له المجال ليبالغ في الكلام، ويطنب في الثناء والمدح ولو جافى الحقيقة ودخل في دائرة الكذب».
وأكد القطان أن «حقاً على أخوة الإسلام أن يسودَ بينهم أدب المحبة والمودة، أدب ينفي الغش والخداع والكذب والتضليل مع استسلام لله بما يصنع، ورضاً بما يكتُب»
وبيّن أن «الإسلام جاء بإصلاح ذات البين، وأوصد الطرق المؤدية إلى فسادها، وأمر المسلمين بالإصلاح بين المتخاصمين، كما حث المتخاصمين على قبول أيِّ مبادرة للصلح، وفض النزاع والشقاق، وإنهاء القطيعة،واعتراف المخطئ بخطئه وظلمه، واعتذاره ممن أخطأ عليه، ولا تأخذه العزة بالإثم».
ولفت إلى أن «الخصومة قد تقع بين قادة الدول والزعماء حتى تصل إلى حروب يكتوي بنارها شعوب لا ذنب لها، وقد تقع الخصومة بين طائفتين من المسلمين: قبيلتين أو أسرتين أو جماعتين أو حزبين، فَتُفَرِّق أفرادَهما الخصومةُ وقد جمعهم الإسلام، ويعظم الإثم إن قطعت أرحامٌ بسبب ذلك، فإن نتج عن الخصومة اقتتال فالأمر أشد؛ لأنه عَوْدٌ إلى أمر الجاهلية التي أنقذنا الله تعالى منها بالإسلام».
وأردف قائلاً «قد تقع الخصومة بين الزوجين، وتشتد حتى يكون الطلاق نتيجتها، ويكون الأولاد ضحيتها، ولئلا تبلغ الخصومة بين الزوجين هذا المبلغ، فإن الشارع الحكيم سبحانه شرع الصلح بين الزوجين وأمر بتحكيم حكمين من أهلهما للقضاء على الخصومة، وإزالة أسباب التوتر والشقاق، والحفاظ على استقرار الأسرة وسلامة الأولاد».
وتابع «قد تكون الخصومة بسبب الأموال -وهي أكثر أنواع الخصومة وقوعاً- إما في دينٍ لم يقضه صاحبه، أو في شركة اختصم الشركاء بسببها، أو في إرث تأخر الورثة في قسمته، أو وقف اختلفوا في فهم مراد الواقف فيه، أو وصية لوارث أخطأ فيها الموصي، أو غير ذلك. وما من خصومة إلا لها أسبابٌ إن سعى المصلح في إزالتها زال الشقاق، وحلَّ مكانه الوفاق».
وختم إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، خطبته بالدعوة إلى السعي «في الصلح بين المتخاصمين من إخوانكم وقرابتكم وجيرانكم وزملائكم، فإن في ذلك خيراً عظيماً، وليعلم كل مخاصم لأخيه المسلم أن عمله الصالح وعمل خصمه لا يرفع إلى الله تعالى حتى يصفو قلباهما على بعض، ويزيلا الشحناء بينهما».
العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ
نتمنى أن يلتقي علماء الطائفتين الكريمتين الذين ينتهجون الإصلاح ويدعون إليه ويضعوا بصماتهم على إصلاح جدي في بلدنا ينقذ الوطن وأهله وأجرهم على الله تعالى لعظيم.