يتنقل الاسد سيمبا والدبة لولا، من مكان إلى آخر داخل قفصين مهملين تغطيهما الاوساخ والبراز وتنبعث منهما روائح كريهة بسبب جيف الحيوانات النافقة في حديقة حيوانات في الجانب الشرقي من الموصل.
واستعادت القوات العراقية الشهر الماضي السيطرة على الجانب الشرقي من مدينة الموصل من تنظيم "داعش" الذي استولى على المدينة في يونيو/ حزيران 2014. لم يدخل اقفاص حديقة النور للحيوانات أحد منذ اسابيع، إلى أن وصل أمس الثلثاء (21 فبراير/ شباط 2017) الطبيب البيطري امير خليل وفريقه المؤلف من متطوعين، يمثلون منظمة "فور بوز" الدولية الخاصة بحماية الحيوانات.
ووضع الطبيب خليل كمامة طبية تغطي فمه ووجهه، واستعد لتوجيه سهام طبية طويلة إلى جانب الأسد سيمبا الذي كان يصدر زئيراً هادراً.
ويقول خليل لوكالة "فرانس برس": "لم يدخل أحد إلى هذه الاقفاص منذ أسابيع إنها قذرة جداً"، متابعاً "ترك ملك الغاب في مكان كهذا يعتبر معاملة غير انسانية".
ويسمع في البعيد دوي قصف ما يذكر باستمرار المعارك في الموصل، ثاني مدن واخر معاقل المتشددين الكبيرة في العراق.
ويقول ابوعمر صاحب الحديقة "اختفى نصف الحيوانات ما ان بدأت المعارك. بعضها مرض ونفق او انها اكلت بعضها البعض لأنها هلكت من الجوع، لم ينج سوى الاسد والدبة وبعض الحيوانات التي لجأت الى منازل او مزارع لتعيش هناك".
لكن الاسد سيمبا الذي سمي كذلك تيمنا بالحيوان بطل فيلم "ذي لايين كينغ"، بات الان ملقى على الارض بعدما اطاح به المخدر.
وبادرت مجموعة من الرجال بعد ذلك بصعوبة الى رفع سيمبا الذي لا يزال ثقيلاً على رغم فقدانه بعضا من وزنه بسبب قلة الطعام، لوضعه على فراش بلاستيكي.
من جانبه، يقول حكم انس الزارا (27 عاما) المقيم في الجانب الشرقي من المدينة والذي اتى لتقديم الدعم للطبيب خليل في مهمته، ان "هذا يفطر القلب".
ويؤكد الشاب "لم نكن نستطيع الدخول الى حديقة الحيوانات خلال المعارك بسبب تنظيم (داعش)، لكن ها نحن هنا" من جديد.
بيطري في ظروف حرب
تحت الانظار الفضولية لعشرة أطفال وثلاثة جنود، يجري خليل فحوصات للأسد فيما ينظف أفراد فريقه القفص. ولا يرف جفن لأي واحد منهم عندما يطغى دوي انفجار على زقزقة العصافير في الحديقة.
فالطبيب البيطري المصري-النمسوي (52 عاماً) معتاد العمل في مناطق النزاعات وسبق له أن زار العراق مرة أولى خلال الاجتياح العام 2003، لإنقاذ تسعة أسود كانت في أحد قصور صدام حسين في بغداد. كذلك، شارك في بعثات إلى مصر وليبيا خلال الثورة الليبية، وزار حديقة حيوانات غزة خلال الحرب العام 2014. إلا أنه أكد انه يزور راهنا "اسوأ حديقة حيوانات في العالم".
وحاول الطبيب البيطري تبرير هذا الاهتمام بالحيوانات في حين أن قسما من سكان الموصل لا يتناول سوى وجبة واحدة بسيطة من الطعام في اليوم ولا يحصل على اي رعاية صحية.
ويؤكد في هذا الإطار أن الحيوانات "أسيرة بسببنا وعاجزة عن الهرب، وتستحق ان يتم الاهتمام". وبعد الاسد سيمبا، جاء دور الدبة لولا للخضوع لفحوصات.
ويقول الطيبب خليل بحسرة، أن لولا "تعاني الاسهال بسبب سوء التغذية ووجع في الاسنان والخطم والتهابات جلدية".
ومن المقرر أن تتولى منظمة خليل، رعاية الحيوانين على مدى شهر من خلال تأمين الطعام والمواد الطبية لهما، على أمل أن يحصل صاحب الحديقة بعد ذلك على موارد تمكنه من الاهتمام بهما.
لكن في الوقت الراهن، لا تشكل زيارة حديقة الحيوانات اولية لسكان الموصل التي لا يزال الجانب الغربي منها تحت سيطرة المتشددين. وانطلق هجوم للتو لاستعادة السيطرة على ذلك القسم من المدينة.
وينتظر صاحب الحديقة بفارغ الصبر انتهاء المعارك لان ذكر الدب رفيق لولا موجود على الجانب الاخر من نهر دجلة وهي لم تره منذ اجتياح الموصل قبل عامين ونصف العام. ويقول مبتسما "سيلتقيان عما قريب ان شاء الله".
بل