العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ

دور مؤسسات المجتمع المدني في خدمة أغراض التنمية البحرينية

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

في إحدى ندوات مركز شباب رأس الرمّان، دار حوار بين نشطين بحرينيين نذروا حياتهم للعمل التطوعي الاجتماعي لخدمة أغراض التنمية. بطبيعة الحال لابد أن يتركز الحوار على تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعم وتطوير وتنمية فعالية أنشطة العمل التطوعي البحريني، كجزء لا يتجزأ من مؤسسات المجتمع المدني.

توصل المنتدون إلى نتيجة مفادها أن الضعف الحالي لعمل مؤسسات المجتمع المدني مرده عدم تمتع هذه المؤسسات بالاستقلالية بسبب التدخل الحكومي، وفرض أجهزة الدولة المعنية الوصاية عليها وتوجيهها بحسب مقتضيات خط سياساتها الاجتماعية والمدنية العامة، الأمر الذي أدى إلى خفض عدد المتطوعين البحرينيين أو المشاركين أو المساهمين في تلك التنظيمات المدنية بسبب قلة حماسهم، ولشعورهم أن هذه المؤسسات لن ترتقي بعمل ومقاصد المؤسسات لخدمة المجتمع البحريني، ما لم تملك الاستقلالية وحرية العمل.

أعجبت بحماس الفرد للمشاركة في العمل التطوعي، وحرصه على تفعيل أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، لماذا؟ لإحساسه بأن نتائج الأنشطة التي يقوم بها تصب في خدمة الفرد والمجتمع ككل، وتصب أيضا في خانة النفع العام لتحقق طموحات المواطنين كافة في الحصول على خدمات اجتماعية متكاملة تساهم في رفع مستواه المعيشي وتحافظ على نظافة بيئته.

كنا نعبر دائما عن ازدرائنا من فردية المجتمع الغربي، لكن الحقيقة أن الجو الديمقراطي الذي ينعم به المجتمع الغربي، يشجع الفرد على المساهمة بسخاء في العمل التطوعي أو التضامني لتفعيل أنشطة مؤسسات المجتمع المدني. خلايا مؤسسات المجتمع المدني في ألمانيا وفرنسا والسويد (أرقى هذه البلدان) في العمل التطوعي تجدها في كل مكان، في القرية والحي والمدينة، وتنشأ وفق أنظمة وقوانين حكومية تكفل للفرد المشاركة وتضمن نفع ومردود تلك المشاركات والمساهمات في تلك الأنشطة الاجتماعية. حتى انها وصلت إلى مستوى تنظيم الكرنفالات وحملات التبرع وإقامة المنتديات والمهرجانات الشعبية والوطنية. الإطار العام للحقوق المدنية تبنته الأمم المتحدة في العام 1945، وتم تفعيله في المادة (29) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على الآتي:

1- على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نموا حرا متكاملا.

2- يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقرها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامه، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام، والمصلحة العامة، والأخلاق، في مجتمع ديمقراطي.

إذا الحقوق المدنية مصطلح يعنى بكفالة الدولة للحريات والحقوق المدنية التي يتمتع بها الفرد، بصفته مواطنا في مجتمع أو ولاية أو دولة. وتشمل هذه الحقوق: حرية التعبير وحرية الصحافة والعقيدة والتملك، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات حقوق الإنسان إلى العمل الاجتماعي النسائي وقضايا الأحوال الشخصية حتى جمعيات حماية المستهلك إلخ... تنطوي على هذه الحقوق: حق الفرد في التساوي مع الآخرين، سواء أكانوا أشخاصا أم مجموعات خاصة أمام الحكومة. وجرت العادة على أن تقوم الأنظمة الديمقراطية في العالم بصوغ قوانين لحماية الحقوق المدنية للفرد.

عمل مؤسسات المجتمع المدني والحقوق المدنية مطالبات قديمة، طالب بها الفيلسوف الروماني سيشرون في القرن الأول بعد الميلاد في كتاباته عن سمو القانون الطبيعي، الذي يعطي حقوقا مدنية للفرد من دون تدخل السلطة. وأعرق الوثائق البريطانية عن الحقوق المدنية وثيقة العهد الأعظم (الماجناكرتا) التي صادق عليها الملك العام 1215م، ووثيقة البرلمان الإنجليزي في العام 1628م الخاصة بحقوق الشعب وحريات الشعب. ومن أعرق الوثائق العالمية، وثيقة إعلان حقوق الإنسان الفرنسية في العام 1789م، ووثيقة حقوق الإنسان الأميركية في العام 1791م.

معظم الدساتير الديمقراطية تنص موادها على الحقوق المدنية للمواطنين، وحددت الحريات الأساسية والحقوق المدنية للفرد التي تكفلها الدولة ومن بينها أعمال مؤسسات المجتمع المدني. كما أن كفالة الدولة للحريات تشكل الضمان الأكيد ضد التدخل الحكومي. أما الحقوق المدنية فهي تعبّر عن ضمانات لتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين، على سبيل المثال، تشمل الحريات المدنية كفالة حق المواطنين في التعبير من دون تدخل حكومي. أما الحقوق المدنية فتنطوي على حق المواطنين في المساواة والحماية أمام القانون. الحقوق المدنية أيضا لها حدود يوضحها القانون حتى لا يساء استخدامها. وعلى رغم أن الحقوق المدنية التي أقرها المجتمع الدولي والمجتمعات المدنية المتحضرة والأديان السماوية سامية ومثالية، فإن بعض الدول مازالت تمارس التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي، لذلك أنشئت جمعيات ضمن اطار مؤسسات المجتمع المدني ضد التمييز في الكثير من البلدان. وأشهر الحملات السلمية لنيل الحقوق المدنية مؤسسات المجتمع المدني التي أسسها القس الأميركي الأسود مارتن لوثر كنغ في مطلع الستينات في أميركا، وحققت نجاحا بالمقاومة السلمية، ومن أهم نتائجها إلغاء قوانين التمييز العنصري ضد السود في بعض الولايات الأميركية.

المثل السامية للحقوق المدنية وردت في دساتير العالم المتحضر ومنها دستور البحرين. ففي الباب الثالث من دستور البحرين الخاص بالحقوق والواجبات، نصت المادة (27) على حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية، ولأهداف مشروعة، وبوسائل مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أية جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها، وهذا يتطلب أيضا إنشاء تنظيمات وأحزاب ونقابات لحماية حقوق الفرد.

أما الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني البحريني، الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع في الجزء الثاني، فقد نصت المادة (5) الخاصة بنشاط المجتمع المدني على الآتي: «من أجل استفادة المجتمع من كل الطاقات والأنشطة المدنية، تكفل الدولة، حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات على أسس وطنية، ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، وفقا للشروط التي بينها القانون، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها.

تفعيل مبادرة صاحب العظمة الديمقراطية بمبادرة أخرى، تلغي قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة، تعتبر بلا شك خطوة جريئة لم يقدم عليها أي زعيم عربي، ولم يسبق لها مثيل في أي مجتمع عربي، سيسلجها التاريخ البحريني في كتابه الذهبي، لأنها بالفعل ستكفل كتحصيل حاصل، حرية العمل داخل منظمات المجتمع المدني البحرينية واستقلاليتها ما يساهم مباشرة في تفعيل أنشطة مؤسسات المجتمع المدني. لا شك في أن تدخل أجهزة المملكة في أنشطة الأندية الوطنية والمؤسسات الوطنية الأخرى والأعمال التطوعية المدنية، حد كثيرا من نمو هذه المؤسسات وتطورها لخدمة المجتمع البحريني. ليس غريبا أن نسمع كلاما واقعيا من المسنين بأن عملهم التطوعي قبل 50 عاما كان شاملا، حتى إنهم في منطقة رأس الرمان وفرجان المنامة والمحرق والقرى والمناطق الأخرى، كانوا يشاركون في بناء المساكن للفقراء والمحتاجين لوجه اللّه، وكان الحماس يدب في عروقهم للاستمرار في العمل التطوعي من دون كلل.

في ظل أجواء الشفافية الحالية، انخفض معدل حظر الحكومة للاجتماعات والمنتديات والحلقات الثقافية وحتى المعارض والحفلات الفنية من دون إذن مسبق، هذه الممارسات أصابت الكثير من مبدعي المجتمع المدني بالشلل والإحباط، وسببت في عزوف الكثير منهم عن الاشتراك في تلك الأنشطة والفعاليات المدنية وحتى ترشيح أنفسهم للانتخابات نظرا إلى غياب عنصر بناء الثقة.

كفالة الدولة للحقوق المدنية بموجب المادة (27) من الدستور البحريني والمادة (5) من ميثاق العمل الوطني، تتطلب العمل على إنشاء جمعيات إنسانية وديمقراطية جديدة لمؤسسات المجتمع المدني، فعلى رغم كثرة الجمعيات الخيرية والمدنية فإن جمعيات إنسانية تشمل جمعية لعدم التمييز، والمساواة بين المواطنين، واتحادا نسائيا منتخبا: لم تنشأ بعد، حتى نضمن تمتع كل قطاعات الشعب بالحقوق المدنية

العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً