وأخيرا نال الرئيس الاميركي جورج بوش شهادة تقدير على فترة رئاسته بفوز حزبه في معركة الانتخابات «النصفية» على منافسه التقليدي الحزب الديمقراطي.
الحزب الجمهوري الآن بات يسيطر على الكونغرس في غرفتيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب ونجح في تجديد حاكمية ولاية فلوريدا لشقيقه الاصغر جيب.
معركة فلوريدا كانت الأهم بالنسبة إلى الرئيس الاميركي. فحاكمها شقيقه وتلك الولاية شهدت اغرب معركة رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة حين تعادلت اصواته ضد منافسه آل غور... وانتهت المعركة بقرار من المحكمة الدستورية.
كسب بوش الابن معركة الرئاسة دستوريا ولم يكسبها شعبيا لان الشكوك ساورت الناخب الاميركي عن وجود شبهة (او حيلة ما) قام بها بوش الشقيق لمصلحة الاخ الكبير. المعركة اذا كانت مهمة معنويا للشقيق الرئيس فهي تعيد تثبيت الفوز شرعيا ومن طريق انتخابات الولاية.
إلى أهمية فلوريدا هناك معركة عامة تشمل مقاعد الكونغرس في غرفتيه. فتلك المعركة ظاهرها السيطرة الداخلية على القرارات بينما مضمونها الحقيقي فهي التصويت على سياسة خارجية عامة. فمنذ تولي بوش الابن مقاليد الرئاسة كان النقاش على اهليته في قيادة دفة الحكم. فبوش عكس والده لا يملك خبرة في السياسة الخارجية ومعلوماته فقيرة عن دول العالم وهو لم يغادر بلاده الا مرات قليلة وليس لديه استراتيجية دولية يتحرك في ضوء خيوطها وشبكة علاقاتها. كان الخوف من بوش الابن ان يترك الشئون الخارجية لطاقم من المستشارين يتحكمون بالسياسة الدولية ويلعبون بها وفق اهواء شخصية وامزجة شركات النفط ومصانع الاسلحة بينما يتفرغ هو لادارة شئون البلاد الداخلية.
هذه الانتقادات شكلت «عقدة نفسية» في شخصية بوش الابن، فهو ابن ابيه، ولولا والده لما حصل على ما حصل عليه من مواقع في اجهزة الدولة وصولا إلى الرئاسة. وتجمعت تلك «العقد» إلى ان انفجرت دفعة واحدة مع انهيار مركز التجارة الدولي في نيويورك.
ضربة 11 سبتمبر/ ايلول كانت نقطة التحول. وبعدها سينتقل بوش الابن من زوايا الداخل الاميركي إلى صوغ استراتيجية أمنية هجومية اعتمدت في خطوطها العريضة على سياسات «مثلت الشر» في البيت الابيض.
ومنذ تلك الضربة سيأخذ بوش الابن المبادرة معتمدا على الثلاثي (تشيني، رامسفيلد، ورايس) تاركا وزير خارجيته كولن باول يلعب في الوقت الضائع.
لاقت استراتيجية بوش (الحرب الوقائية) اعتراضات دولية كبيرة من آسيا إلى اوروبا ورفضتها الدول الكبرى في اعتبارها نقطة تحول في العلاقات الدولية، فهي لا تكتفي بالغاء كل ما اتفق عليه من معاهدات مع روسيا الاتحادية بل انها تدفع الدبلوماسية من اطار السياسة إلى اطر الحرب. فالحرب الوقائية تعني ضمنا إلغاء سيادة الدول على نفسها وارضها وتحويل الحدود القومية (الجغرافيا السياسية) إلى رسوم شكلية لا معنى لها اذا ارتأت ادارة البيت الابيض ان هناك مخالفة امنية (قد تكون صحيحة او مفتعلة او مفترضة). فالحرب الوقائيية هي عمليا وسيلة لشن هجوم تلقائي من دون العودة إلى الامم المتحدة ومجلس الامن، وهي (اي الحرب الوقائية) تعطي الحق لادارة بوش في أخذ المبادرة التي تراها مناسبة لحماية الأمن القومي واحباط هجوم متوقع على سيادة الولايات المتحدة كما حصل في 11 سبتمبر 2001.
هذه الاستراتيجية الوقائية كانت تحتاج إلى مسألتين حتى تصبح من الحقائق الثابتة التي لا يجوز المساس بها:
اولا، ان يكسب الحزب الجمهوري الانتخابات النصفية على الولايات والكونغرس. فالفوز يعني موافقة الناخب على استراتيجيته الهجومية أو هو بمثابة أخذ موافقة الشعب من طريق التصويت على سياسات عامة ابرزها الخطر الخارجي.
ثانيا: ان يكسب معركة مجلس الامن بشأن عودة المفتشين الدوليين إلى العراق وحق الولايات المتحدة باستخدام القوة تلقائيا في حال حصول اي إشكال ولو بسيط مع نظام بغداد.
بوش الابن كسب معركة الداخل ونال التفويض الشعبي (60 في المئة) لكل سياساته الدولية. والآن تفرغ لمعركة مجلس الأمن حتى يكسب القرار الدولي لمصلحة الحرب الوقائية... وحين يحصل عليه يكون بعده الطوفان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ